الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله. قلنا: فما الرَّجُلَةُ من النساء؟ قال: التي تشبهُ بالرجال" رواه الطبراني ورواته ليس فيهم مجروح.
الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعاً واقتداءً بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه
والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة
1 -
عن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك اللباس (1) تواضعاً لله، وهو يقدرُ (2) عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس (3) الخلائق حتى يُخَيِّرَهُ من أي حُلَلِ الإيمان شاء يلبسُهَا" رواه الترمذي، وقال حديث حسن، والحاكم في موضعين من المستدرك، وقال في أحدهما: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: روياه من طريق أبي مرحوم، وهو عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ، ويأتي الكلام عليهما.
2 -
وعن رجلٍ من أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك لُبْسَ ثوبِ جَمَالٍ، وهو يقدرُ عليه (4) قال بِشْرٌ: أحْسِبُهُ قال: تواضعاً، كساه الله حُللَ الكرامةِ (5) " رواه أبو داود في حديث، ولم يسم ابن الصحابي، ورواه البيهقي من طريق زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه بزيادة.
= بل هو رحمة في حق من لعنه بشرط أن يكون الذي لعنه مستحقاً لذلك كما ثبت من حديث ابن عباس عند مسلم، قال: والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله: المغيرات خلق الله. أ. هـ ص 257 جـ 10
(1)
التحلي بأفخر الثياب زهادة وميلاً إلى التواضع.
(2)
وعنده الملابس الجميلة الغالية، وفيه حب عدم الافتخار.
(3)
أمام الجمع المحتشد ليثيبه الله بأبهى الرياش، وأفخر الحلل. قال تعالى:"ولباس التقوى ذلك خير".
(4)
يمكن أن يوجده لغناه.
(5)
الهيبة والجلال، وألبسه ثياب العز والمحبة.
3 -
وعن أبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري، واسمهُ إياسٌ رضي الله عنه قال:"ذكر أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً عنده الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون ألا تسمعون؟ إن البذاذةَ (1) من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان يعني التفحُّلَ" رواه أبو داود وابن ماجة كلاهما من رواية محمد بن إسحاق، وقد تكلم أبو عمر النمري في هذا الحديث.
[البذاذة] بفتح الباء الموحدة، وذالين معجمتين: هي التواضع في اللباس برثاثة الهيئة وترك الزينة، والرضا بالدون من الثياب (2).
4 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يحب المتبذل الذي لا يبالي ما لبس" رواه البيهقي.
5 -
وعن أبي بُرْدَةَ رضي الله عنه قال: "دخلت على عائشة رضي الله عنها، فأخرجت إلينا كساء مُلَبَّداً من التي تُسَمُّونها المُلبَّدَةَ، إزاراً عظيماً مما يُصنعُ باليمن، وأقسمتْ بالله لقد قُبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الثوبين" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، والترمذي أخصر منه.
[الملبد]: المرقع، وقيل غير ذلك.
6 -
ورويَ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: تُوفيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن نَمِرَةً من صوفٍ (3) تُنْسَجُ له" رواه البيهقي.
7 -
وعن أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خَشِناً، وَلبِسَ خَشناً، لبس الصوفَ، واحتذى المَخْضُوفَ (4).
قيل للحسن: ما الخشنُ؟ قال:
(1) في النهاية أراد التواضع في اللباس، وترك التبجح به، والتبذل ترك التزين، والتهيئ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع. أ. هـ.
(2)
لابس ثوب المهنة.
(3)
شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض.
(4)
انتعل الحذاء المرقع: نهاية الإخلاص لله تعالى، والزهادة في الدنيا، يختار الغذاء الذي يعطي القوت، والقوة على العمل الصالح البعيد من البذخ والترف والتنعم، وكذا الملبس. لماذا؟ لحقارة الدنيا، ولتفانيه صلى الله عليه وسلم في عبادة ربه، وكسره جماح نفسه، ولتعليم أمته التواضع، والرضا بالقليل، والسعي وراء اكتساب المحامد، واجتناب الرفاهية الداعية إلى المعاصي، والغفلة عن الله تعالى ودعوة الشباب إلى الاقتصاد في الملبس والعيش:
(أ) قال عز شأنه: "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون"(32 من سورة الأنعام): =
غليظ الشعير، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسيغُهُ (1) إلا بجرْعةٍ (2) من ماء" رواه ابن ماجة، والحاكم، واللفظ له، كلاهما من رواية يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ] يوسف: لا يعرف، ونوح بن ذكوان، قال قال أبو حاتم: ليس بشيء.
8 -
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان على موسى يومَ كلَّمَهُ ربهُ كِسَاء صوفٍ (3) وجبةُ صوفٍ، وكُمَّةُ صُوفٍ، وسراويلُ صوفٍ، وكانت نعلاهُ من جلد حمارٍ ميتٍ" رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب، والحاكم كلاهما عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري.
[قال الحافظ]: توهم الحاكم أن حميداً الأعرج هذا هو حميد بن قيس المكي، وإنما هو حميد بن علي، وقيل: ابن عمار أحد المتروكين، والله أعلم.
[الكمَّةُ]: بضم الكاف، وتشديد الميم: القلنسوة الصغيرة.
9 -
وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كانت الأنبياء يستحبون أن يلبسوا الصوف، ويحتلبوا (4) الغنم، ويركبوا الحُمْرَ (5) " رواه الحاكم موقوفاً، وقال: صحيح على شرطهما.
= أي وما أعمالها إلا لعب ولهو يلهي الناس، ويشغلهم عما يعقب منفعة دائمة، ولذة حقيقية مع دوام نعيم الآخرة، وخلوص منافعها ولذاتها.
(ب) وقال تعالى: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون"(70 من سورة الأنعام)(اتخذوا دينهم) أي بنوا أمر دينهم على التشهي مثل زماننا هذا، انصرف بعض المسلمين إلى فعل المعاصي، فأعرض عنهم أيها المسلم كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض عن الكفرة والفسقة، ولا يبالي بأفعالهم وأقوالهم لأنهم عباد أصنام، ومعنى أعرض من باب التهديد والوعيد نحو "ذرني ومن خلقت وحيداً""وذكر به" أي بالقرآن يا محمد "أن تبسل" مخافة أن تسلم إلى الهلاك وترهن بسوء عملها "وإن تعدل" وإن تفد كل فداء "أبسلوا بما كسبوا" أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة، وعقائدهم الزائغة "من حميم" هم بين ماء مغلي يتجرجر في بطونهم، ونار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم. أ. هـ بيضاوي. إن شاهدنا حقارة الدنيا، وإعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل البذخ والعصيان ليتأدبوا.
(1)
يمره في الحلقوم بسهولة: أي يبتلعه، من ساغ يسوغ سوغاً: سهل مدخله في الحلق.
(2)
شربة.
(3)
جمع أكسية: أي لباس يكتسى به.
(4)
يأخذون منها اللبن.
(5)
الإبل.
10 -
وروى ابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ عليه جُبَّةٌ من صُوفٍ ضيقة الكُمَّيْنِ، فصلى بنا فيها ليس عليه شيء غيرها".
11 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَرَاءةٌ (1)
من الكبر" لَبُوسُ الصوف، ومُجالسةُ فقراء المسلمين، ورُكوبُ الحمارِ، واعتقالُ العَنْزِ أو البعير" رواه البيهقي وغيره.
12 -
وعن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي في مُرُوطِ نسائه، وكانت أكْسِيَةً من صوفٍ مما يُشْتَرى بالسِّتَّةِ والسبعة، وكُنَّ نساؤه يَتّزِرْنَ بها (2) " رواه البيهقي، وهو مرسل، وفي سنده لين.
13 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أسْوَدَ" رواه مسلم، وأبو داود والترمذي.
[المرط] بكسر الميم وسكون الراء: كساء يؤتزر به، قال أبو عبيد: وقد تكون من صوف ومن خزّ.
[ومرحل] بفتح الحاء المهملة وتشديدها: أي فيه صور رحال الجمال.
14 -
وعن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالت: "كان وِسَادُ (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يَتَّكئُ عليه من أدَمٍ (4) حَشْوُهُ لِيفٌ".
15 -
وعنها رضي الله عنها قالت: "إنما كان فِراشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينامُ عليه أدَماً حَشْوُهَا لِيفٌ" رواهما مسلم وغيره.
16 -
وعن عُتْبَةَ بن عَبْدٍ السُّلَميِّ رضي الله عنه قال: "استكسيتُ رسول الله
(1) إجازة من الخيلاء والتكبر، والمعنى أربعة: تذلل النفس وتقودها إلى التواضع:
(أ) ملبس الصوف.
(ب) محادثة الفقراء، والجلوس معهم.
(جـ) امتطاء الحمير.
(د) رعاية الماشية، وتعهد مصالحها.
(2)
يأخذنها إزاراً ويتحلين بها.
(3)
التي يتكئ عليها.
(4)
جلد: النخل موجود بكثرة، وكذا الماشية فيتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش نومه، وأثاث منزله من اثنين: جلد الضأن، وليف النخل لتخشوشن أمته، ولتتعلم الاقتصاد ولتسعى جهد الطاقة في الانتفاع بثمرات بلادها ومنتجاتها، نقتدي به الآن صلى الله عليه وسلم فتنتفع بحاصلات بلادنا لنحيا حياة الأغنياء.
صلى الله عليه وسلم، فكساني خَيْشَتَيْنِ، فلقد رأيْتُني، وأنا أكسي أصحابي" رواه أبو داود والبيهقي كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش.
[الخيشة] بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء المثناة تحت بعدها شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مشاقة الكتان يغزل غزلاً غليظاً، وينسج نسجاً رقيقاً، وقوله: وأنا أكسى أصحابي: يعني أعظمهم، وأعلاهم كسوة.
لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
17 -
وعن ابن بُريدةَ قال: "قال لي أبي: لو رأيتنا، ونحن مع نبينا، وقد أصابتنا السماءُ حسبْتَ أن رِيحَنَا ريحُ الضأن" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، وقال: حديث صحيح.
[ومعنى الحديث]: أنه كان ثيابهم الصوف، وكان إذا أصابهم المطر يجئ من ثيابهم ريح الصوف انتهى. رواه الطبراني بإسناد صحيح أيضاً نحوه، وزاد في آخره: إنما لباسنا الصوف، وطعامنا الأسودان: التمرُ والماء.
18 -
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجتُ في غداةٍ (1) شاتيةٍ (2) جائعاً، وقد أوْبَقَني (3) البرد، فأخذت ثوباً من صُوفٍ قد كان عندنا، ثم أدخلتُهُ في عُنُقي، وحَزَمْتُهُ على صدري أسْتَدْفئ (4) به، والله ما كان في بيتي شيء آكلُ منه، ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم شيء لبَلَغَني، فذكر الحديث إلى أن قال ثم جئتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلستُ إليه في المسجد، وهو مع عصابةٍ (5) من أصحابه، فطلع علينا مصعب بن عمير في بُرْدَةٍ (6) مرْقُوعةٍ بِفَرْوَةٍ، وكان أنْعَمَ غلام بمكة (7) وأرْفَهَهُ عيشاً، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ما كان فيه من النعيم (8)،
ورأى حاله التي هو عليها، فذرفت عيناه، فبكى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خيرٌ أم إذا غُدِىَ (9) على أحدكم بِحفنةٍ (10) من خُبزٍ
(1) ضحوة.
(2)
كثيرة البرد والمطر.
(3)
أهلكني.
(4)
يدفئني.
(5)
جماعة من الناس والخيل الطير.
(6)
حلة.
(7)
المعنى أنه أكثر تنعماً، وعزاً ورفاهية.
(8)
ذكر صلى الله عليه وسلم خيراته الجمة التي كان يتمتع بها سابقاً، وحالته التي عليها قد زالت أبهة الغنى ومر عليه الفقر فرقع بردته، ثم طمأنهم صلى الله عليه وسلم بحسن حالهم، وزيادة نعيمهم في الجنة، وبشرهم برضا ربهم، وأن الفقر خير من كثرة المال "أنتم اليوم خير".
(9)
أي مر عليه صباحاً.
(10)
إناء الطعام.
ولحمٍ، وَرِيحَ (1) عليه بأُخرى، وغدا في حُلَّةٍ، وراح في أخرى: وسترتم بيوتكم (2) كما تُسْتَرُ الكعبةُ. قلنا: بل نحن يومئذٍ (3) خيرٌ نتفرَّغُ للعبادة. قال: بل أنتم اليوم خيرٌ" رواه أبو يعلى، واللفظ له، ورواه الترمذي إلا أنه قال: خرجت في يومٍ شاتٍ (4) من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذتُ إهاباً معطوناً (5)،
فجوَّبْتُ وسطهُ؛ فأدخلتهُ في عنقي، وشددتُ وسطي؛ فحزمتهُ بخُوصِ النخلِ، وإني لشديد الجوع؛ فذكر الحديث؛ ولم يذكر فيه مصعب بن عمير؛ وذكر قصته في مواضع أخر مفردة؛ وقال في كل منهما: حديث حسن غريب.
[قال الحافظ]: وفي إسناديه؛ وإسناد أبي يعلى رجل لم يسّم.
[جَوَّبت وسطه] بتشديد الواو: أي خرقت في وسطه خرقاً كالجيب؛ وهو الطوق الذي يخرج الإنسان منه رأسه.
[والإهاب] بكسر الهمزة: هو الجلد؛ وقيل: ما لم يدبغ.
ما جاء في استحباب لبس الصوف
19 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مُصعب بن عمير مُقبلاً عليه إهابُ كبشٍ قد تَنَطَّقَ به (6) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا الذي نَوَّرَ الله قلبه (7)! لقد رأيته بين أبوين يَغْذُوَانِهِ بأطيب الطعامِ
(1) ذهب مساء، غدا: بكر، وراح: رجع.
(2)
ملائم منازلكم من الأثاث والرياش، وفاخر الأواني وتمتعتم بملذات الحياة كما نتمتع الآن سنة 1374 هـ.
(3)
في هذه الحالة نحمد الله، فنحن بخير والغنى أدعى إلى التفرغ لطاعة الله، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن هذه الحالة التي أنتم عليها بخير لأن الدنيا فانية وزخرفها غير باق:
(أ) قال تعالى: "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا"(77 من سورة النساء).
(ب) وقال تعالى: "وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون"(80 من سورة القصص).
(جـ) وقال تعالى: "الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع"(26 من سورة الرعد)، يوسعه سبحانه ويضيقه، والدنيا متعة لا يدوم نعيمها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر الفقراء أن حالتهم حسنة؛ وعملهم مقبول تظللهم رحمة الله، ويدركهم عفوه ورأفته، لماذا؟ لأن زهرة الدنيا فتنة، وشاغلة عن العبادة، وداعية لكثرة الحساب كما قال تعالى:"ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم"(8 من سورة التكاثر).
(4)
كثير البرد.
(5)
جلداً مدبوغاً ليناً.
(6)
جعله حزاماً يشد به وسطه.
(7)
شرح الله صدره، وملأ قلبه إيماناً وحكمة، وجعله ينبذ الترف، ويتحلى بالصوف، ويقبل على تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشراب، ولقد رأيت عليه حُلة شراها أو شُريتْ بمائتي درهم، فدعاه حُبُّ الله، وحبُّ رسوله إلى ما ترون" رواه الطبراني والبيهقي.
20 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "رأيتُ عمر رضي الله عنه، وهو يومئذٍ أمير المؤمنين، وقد رَقَّعَ بين كتفيه بِرقاعٍ ثلاثٍ لُبِّدَ بعضها على بعضٍ" رواه مالك.
كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره
21 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من أشعث (1) أغبر (2) ذي طِمْرَيْنِ (3) لا يُؤبَهُ لَهُ لو أقسم على الله (4)
لأبَرَّهُ، منهم البراء بن مالك" رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
[قال الحافظ]: ويأتي في باب الفقر أحاديث من هذا النوع وغيره إن شاء الله تعالى.
22 -
ورويَ عن الشَّفَّاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألهُ، فجعل يعتذرُ إليَّ، وأنا ألُومُهُ، فَحَضَرَتِ الصلاةُ فخرجتُ، فدخلتُ على ابنتي، وهي تحت شُرَحْبيلَ بن حَسَنَةَ، فوجدت شرحبيل في البيت، فقلت: قد حضرت الصلاةُ، وأنت في البيت؛ وجعلت ألُومُهُ (5)؛ فقال يا خالةُ: لا تلوميني؛ فإنه كان لي ثوبٌ فاستعارَهُ (6) النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: بأبي وأمي كنتُ ألومهُ منذ اليوم؛ وهذه حالهُ، ولا أشعرُ؛ فقال شرحبيل: ما كان إلا درعٌ رقَّعْنَاهُ (7) " رواه الطبراني والبيهقي.
(1) شعره متفرق غير متلبد، والمعنى أنه متواضع متفرغ لعبادة ربه متفان في حب الله تعالى.
(2)
عفر جسمه بالتراب، وأصابه الغبار الكثير.
(3)
ثوبين خلقين، يعني يلبس ملابس مرقعة بالية.
(4)
لو طلب من الله تعالى أمراً لأجاب دعاءه: يرشد صلى الله عليه وسلم إلى أولياء الله وعباده الزاهدين الراغبين عن زهرة الدنيا المتواضعين الذين لا يعتنون بحذلقة هندامهم كما يعتنون بإتقان العبادة، وإخلاص العمل للقهار المتعالي، وينهى عن التغالي في الأبهة والفخفخة، ويحث المكروبين أن يجالسوا الفقراء، ويطلبوا منهم دعاء فك الكروب.
(5)
أعتب عليه لتقصيره في عدم إجابة نداء المؤذن، وشهود الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6)
طلبه منه صلى الله عليه وسلم مدة.
(7)
قميص بل فوضعنا له خرقاً تسد فروجه، وتلم شعثه، السيدة شفاء: تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ويقدم لها العذر لعدم وجوده فتعاتبه عتاب الأوفياء الأخلاء الممتعين برضا الله تعالى، والراضين بالفقر وأنه نعمة، ثم تنظر إلى زوج ابنتها الذي لم يلب النداء فاعتذر بعدم ثوب له يستر عورته، وما عنده ملابس إلا ثوب مرقع، من رقعت الثوب إذا رممته، أكرم الخلق على الله جل وعلا ليست عنده ملابس فيمد يده =
لباس الصحابة رضي الله عنهم
23 -
وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: "رأيت عثمان بن عفان رضي الله يوم الجمعة على المنبر عليه إزارٌ عَدَنيٌّ غليظٌ ثمنهُ أربعة دراهم أو خمسةٌ، وَرَيْطَهٌ كُوفيةٌ مُمَشَّقَةٌ، ضَرْبَ اللَّحْمِ، طويلَ اللحية، حسن الوجه" رواه الطبراني بإسناد حسن، والبيهقي.
[عدنيّ] بفتح العين والدال المهملتين: منسوب إلى عدن.
[والرَّيطة] بفتح الراء، وسكون الياء المثناة تحت: كل ملاءة تكون قطعة واحدة، ونسجاً واحدا ليس لها لفقان.
[وضرب اللحم]: بفتح الضاد المعجمة، وسكون الراء: خفيفه.
[وممشقة] أي مصبوغة بالمشق بكسر الميم: وهو المغرة.
24 -
وروي عن جابر رضي الله عنه قال: "حضرنا عُرْسَ علي وفاطمة رضي الله عنهما، فما رأينا عُرْساً كان أحسنَ منهُ، حَشَوْنا الفراش يعني الليف، وأتينا بتمرٍ وزبيبٍ فأكلنا، وكان فراشها ليلةَ عِرسها إهاب كبشٍ (1) " رواه البزار.
25 -
وعن محمد بن سيرين قال: "كنا عند أبي هريرة رضي الله عنه، وعليه ثَوْبَان مُمَشَّقانِ (2) من كتانٍ فَمَخَطَ في أحدهما، ثم قال: بخٍ بخٍ يمتخطُ أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني، وإني لأجَرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحجرة عائشة رضي الله عنها من الجوع مغشياً عليَّ، فيجئ الجائي، فيضع رجلهُ على عُنُقي يرى أن بي الجنون (3)، وما هو إلا الجوع" رواه البخاري والترمذي وصححه.
26 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لقد رأيتُ سبعين من أهل الصُّفَّةِ ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ إما إزارٌ، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغُ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده (4) كراهية أن نرى عورته" رواه البخاري.
= إلى سيدنا شرحبيل فيستعير قميصه، فهل تحمد الله أيها المسلم على ما أنعم به عليك مولاك من ملبس، ومسكن، ومشرب، وتتقي الله، وتشكر له هذا الفضل، وتقبل على طاعته، وتنأى عن معاصيه، وتعمل صالحاً.
(1)
جلد ضأن.
(2)
موشيان.
(3)
من كثرة الجوع يغمى عليه، ويشتد ألمه.
(4)
المعنى ثوباه في نهاية البلى ممزقان فيلم ما تفرق ليستر عورته.
شرار أمتي الذين غذوا بالنعم .. إلخ
27 -
ورويَ عن ثوبان رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله، ما يكفيني من الدنيا؟ قال: ما سدَّ جوعتك (1) وواري عورتك، وإن كان لك بيتٌ يُظلك فذاك وإن كان لك دابةٌ فبخٍ بخٍ" رواه الطبراني.
28 -
وعن أبي يعفور قال: "سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يسأله رجلٌ: ما ألبسُ من الثياب؟ قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولا يعيبك به الحكماء. قال: ما هو؟ قال: ما بين الخمسة دراهم إلى العشرين درهماً" رواه الطبراني؛ ورجاله رجال الصحيح.
29 -
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحدٍ يلبس ثوباً ليباهى (2) بهِ، وينظر الناسُ إليه لم ينظرِ الله إليه حتى ينزعهُ (3) متى نزعه (4) " رواه الطبراني.
30 -
وعن ضَمْرَةَ بن ثعلبةَ رضي الله عنه: "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حُلتان من حُللِ اليمن، فقال يا ضمرة: أترى ثوبيك هذين مُدْخِليكَ (5) الجنة، فقال: يا رسول الله لئن استغفرت لي لا أقعدُ حتى أنزعهما عني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لضمرةَ، فانطلق سريعاً حتى نزعهما (6) عنه" رواه أحمد، ورواته ثقات، إلا بقية.
31 -
ووري عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شرار أمتي الذين غُذُوا (7) بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون (8) في الكلام" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة وغيره.
32 -
ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أي يكفيك الذي يبعد جوعك، ويستر سوأتك مع مأوى، ودابة تريحك.
(2)
ليتفاخر به.
(3)
يرميه فلا يلبسه.
(4)
في أي وقت رماه.
(5)
موصليك.
(6)
أزالهما.
(7)
تغذوا به.
(8)
يكثرون من اللغو.