الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
= فضائل الإصلاح بين الناس من القرآن الكريم:
(أ) قال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً"(114 من سورة النساء).
وفي الغريب: الصلح يختص بإزالة التنافر بين الناس، ويقال منه اصطلحوا وتصالحوا، قال تعالى:"أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير"(من سورة النساء). "وإن تصلحوا وتتقوا"(من سورة النساء). "فأصلحوا بينهما"(من سورة الحجرات). "فأصلحوا بين أخويكم"(من سورة الحجرات). وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحاً، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح، قال تعالى:"واصلح بالهم .. يصلح لكم أعمالكم .. وأصلح لي في ذريتي .. إن الله لا يصلح عمل المفسدين".
(ب) وقال تعالى في الإخبار عن إثابة المصلح وجزالة أجره "فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم"(182 من سورة البقرة). (خاف): أي توقع وعلم (جنفاً): ميلاً بالخطأ في الوصية (إثماً): ذنباً وتعمد الحيف والظلم فأصلح بين الموصى لهم بإجرائهم على نهج الشرع (فلا إثم عليه): في هذا التبديل، لأنه تبديل باطل إلى حق. ثم وعد سبحانه المصلح بغفران الذنوب تكرماً وجزاء إحسانه، والله يحب المحسنين، ففيه الترغيب في الإصلاح وإزالة الضلال بما يوافق الحق.
(جـ) وقال تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون"(9 - 10 من سورة الحجرات).
(د) وقال تعالى: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً"(25 من سورة النساء).
(هـ) وقال تعالى: "وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"(1 من سورة الأنفال).
(و) وقال تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير، وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً"(128 من سورة النساء).
(ز) وقال تعالى: "والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب"(18 من سورة الزمر). (الطاغوت): البالغ غاية الطغيان، وصف للشيطان المضل باعث الشقاق وسوء الأخلاق (وأنابوا): أقبلوا إليه بتواضعهم وإصلاحهم وطاعتهم وذكره سبحانه وإخلاصهم لله وحده (لهم البشرى): بالثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت بسبب أعمالهم الصالحة في الدنيا ومنها الإصلاح بين الناس (أولوا الألباب): أصحاب العقول السليمة.
(ح) وقال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"(199 من سورة الأعراف).
والبحث العلمي في هذه الآيات يتناول صلح طائفتنين أو حزبين أو أسرتين أو زوجين أو متخاصمين، ويراعى في المصلح: =
عِفُّوا (1) عن نساء الناس تَعِفَّ (2) نِسَاؤكم، وبِرُّوا آبائكم (3) تَبَرَّكُمْ أبناؤكم (4)، ومن أتاهُ أخوهُ مُتنصلاً فليقبلْ ذلك مُحقاً كان أو مُبطلاً، فإن لم يفعل لم يَرِدْ (5)
عليَّ الحوض" رواه الحاكم من رواية سويد عن قتادة عن أبي رافع عنه، وقال: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: بل سويد هذا هو ابن عبد العزيز واهٍ.
= أولاً: أن يعدل بين المتخاصمين والإخلاص باعثه على الإصلاح.
ثانياً: أن توجد له مكانة سامية في قلوب المتنافرين.
ثالثاً: أن ينضم إلى المظلوم إذا أبى الظالم الصلح.
وثمرات ذلك المرجوة:
أولاً: إحلال الألفة مكان الفرقة.
ثانياً: استئصال داء النزاع قبل أن يستفحل.
ثالثاً: حقن الدماء التي تراق بين الطوائف المتنازعة.
رابعاً: توفير الأموال التي تنفق للمحامين بالحق وبالباطل، وتوفير الرسوم والنفقات الأخرى الباهظة.
خامساً: تجنب إنكار الحقائق التي تجر إليه الخصومات وترك شهادة الزور التي تنفق سوقها في دور القضاء.
سادساً: تجنب المشاجرات والاعتداء على الحقوق الذي قلما يسلم منها خصمان.
سابعاً: تفرغ النفوس للمصالح بدل جدها وانهماكها في الكيد للخصوم.
ثامناً: رحمة الله لعباده وأجره العظيم للمصلحين والمتصالحين، والله تعالى ولي التوفيق، نسأله السلامة والعون.
(1)
اجتنبوا القرب من النساء الأجنبيات وامتنعوا عن ارتكاب الفاحشة واحذروا المعاصي. وفي النهاية "من يستعف يعفه الله" الاستعفاف: طلب العفاف والتعفف، وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس: أي من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها، وقيل: الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء، يقال: عف يعف عفة فهو عفيف، ومنه الحديث:"اللهم إني أسألك العفة والغنى". أهـ.
(2)
تتحل بالعفاف والطهارة، وللإمام الشافعي في هذا المعنى:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم
…
وتجنبوا ما لا يليق لمسلم
يا هاتكاً حرم الرجال وقاطعاً
…
سبل المودة عشت غير مكرم
من يزن يزن به ولو بجداره
…
إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
(3)
اعطفوا عليهم وأطيعوهم وارحموهم، وقدموا لهم خيراً ونعمة.
(4)
تحترمكم وتطعكم وتقدم لكم أنواع الخير، يريد صلى الله عليه وسلم ثلاثة:
(أ) تحري الرجال الطاعة لله ولرسوله بالتحلي بالأخلاق الحميدة وعدم ارتكاب الفواحش.
(ب) إطاعة الوالدين رجاء وضع البركة في الأبناء فينجبون وينجحون ويثمرون.
(جـ) قبول العذر من المعتذر وإظهار البشاشة واللطف وعدم الحنق والغيظ وإضمار العداوة.
(5)
أي إذا لم يتحل بهذه المكارم بعد عن حوضي وظميء وطرد من حرمة الله ورضوانه. والحوض: جسم مخصوص كبير متسع الجوانب ترده أمته صلى الله عليه وسلم حين خروجهم من قبورهم عطاشا يكون على الأرض المبدلة البيضاء كالفضة، من شرب منه لا يظمأ أبداً، هكذا قاله علماء التوحيد، فلعلك يا أخي تتقي الله وتعمل صالحاً، وتقبل عذر اللاجئ إليك عسى الله أن يمن علينا بشربة منه.
وروى الطبراني وغيره صدره، دون قوله:"ومن أتاهُ أخوهُ إلى آخره من حديث ابن عمر" بإسناد حسن.
[التنصل]: الاعتذار.
2 -
وعن جُودان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اعتذر (1) إلى أخيه المسلم، فلم يقبل منه كان عليه ما على صاحب مَكْسٍ (2) " رواه أبو داود في المراسيل وابن ماجة بإسنادين جيدين إلا أنه قال: "كان عليه مثل خطيئة صاحب مكسٍ" ورواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر بن عبد الله، ولفظه قال:"من اعتذر إلى أخيه فلم يقبل عذره كان عليه مثل خطيئة صاحب مكسٍ".
[قال أبو الزبير] والمكّاس: العشّار.
3 -
وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تُنُصِّلَ (3) إليه فلم يقبل لم يَرِدْ عليَّ الحوض".
[قال الحافظ]: روي عن جماعة من الصحابة، وحديث جودان أصح، وجودان مختلف في صحبته، ولم ينسب.
4 -
وروي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عِفُّوا تَعِفَّ نساؤكم، وَبِرُّوا آباءكم تَبَرَّكُمْ أبناؤكم، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل عُذرهُ لم يردْ عليَّ الحوض" رواه الطبراني في الأوسط.
(1) قدم عذراً برجاء وأمل في الصلح وتوسل بالرضا والعفو.
(2)
أي يحاسبه الله على ذنوبه التي ارتكبها من جراء طرد المعتذر، كما يعاقب سبحانه الظالم الجبار العشار، قال صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة صاحب مكس". قال في النهاية: والمكس الضريبة التي يأخذها الماكس، وهو العشار. أهـ.
(3)
أي جاء إليه أخوه معترفاً بذنبه معترفاً بجرمه مقراً بإساءته. وفي النهاية: أي انتفى من ذنبه واعتذر إليه. أهـ. ففيه الحث على الصلح وقبول العذر والعفو والصفح، والسماح رباح، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يطرد من الشرب من حوضه عليه الصلاة والسلام ذلك الفظ الغليظ الخشن الذي لا توجد عنده عاطفة المودة، والمحروم من حسن المعاملة غير جواد كريم سمح.
من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره أشر خلق الله تعالى
5 -
وروي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بشراركم (1)؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: إن شراركم الذي ينزلُ وحدهُ (2)، ويَجْلِدُ عَبْدَهُ (3)، ويَمْنَعُ رِفْدَهُ (4)، أفلا أنبئكم بشرٍ من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: من يبغضُ (5) الناسَ ويبغضونهُ قال: أفلا أنبئكم بشرٍ من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: الذين لا يقيلون عَثْرَةً (6)، ولا يقبلون معذرةً (7)، ولا يغتفرون ذنباً (8). قال: أفلا أنبئكم بشرٍ من ذلك (9)؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من لا يُرجى خَيْرُهُ (10)، ولا يُؤْمَنُ شَرُّهُ" رواه الطبراني وغيره.
(1) أصحاب الأفعال السيئة.
(2)
يحب الوحدة ولا يجلس مع أحد، ويكره الأنس والتوادد.
(3)
يضرب خادمه ويسيء إليه في معاملته ويسبه ويشتمه.
(4)
عطاءه: أي لا يجود ولا يكرم ولا يحسن.
(5)
يكره.
(6)
لا يصفحون عن زلل ولا يتركون هفوة، معناه: المشددون المتبعون الأخطاء ليحاسبوا عليها فتتقد بين الناس العداوة لتشددهم، لماذا؟ لأن الحكماء يقولون: المروءة احتمال الجريرة وإصلاح أمر العشيرة وحسن السيرة وصفاء السريرة.
(7)
عذراً.
(8)
يسترون خطأ.
(9)
من ذلك، كذا (ط وع ص 229 - 2)، وفي (ن د): من ذلكم.
(10)
أكثر الناس شروراً الذي لا فائدة فيه، ولا ينال منه خيراً، ولا ذكراً، وهو كثير الفساد باعث الشقاق، ومصدر الأذى فلا يؤمن جانبه، ولا يركن إليه في أمر لأنه ضار بطال شرير، ففيه الترغيب في العفو والميل إلى فعل البر واجتناب الضرر.
عقاب من لا يقبل عذر معتذر كما أخبر صلى الله عليه وسلم:
أولاً: يوم القيامة يدفع عن حوض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستمر ظمآن عطشان.
ثانياً: يأثم مثل العشار الجابي من الناس ظلماً وعدواناً.
ثالثاً: يكتب من الأشقياء المجرمين الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فلا فائدة فيه. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
…
فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله
…
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده
…
ويظهر سراً كان بالأمس في خفا =