الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأدب وغيره
الترغيب في الحياء، وما جاء في فضله، والترهيب من الفحش والبذاء
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَرَّ على رجُلٍ من الأنصار، وهو يَعِظُ أخاه (1) في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْهُ (2) فإن الحياء من الإيمان" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
2 -
وعن عمران بن حُصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخيرٍ" رواه البخاري ومسلم.
= (د) وقال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون"(10 من سورة الحجرات)، ومن الأخوة قضاء حاجته.
(هـ) وقال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" من سورة الفتح. ومن الرحمة إجابة الداعي والشفاعة في إزالة كربه وتيسير أموره ووجود عمل له يدأب في كسب رزقه.
(و) وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم"(71 من سورة التوبة). أي يختار المؤمن أخاه ولياً يستشيره في بعض أموره وينصحه ويعاونه ويقضي حاجته، فالصغير يحترم الكبير ويوقره ويتخذه رئيساً له، والكبير يرحم الصغير ويحبه ويسعى في مهام أموره، وقد حكى الله عن المنافقين (ويقبضون أيديهم): أي لا يشفعون لأحد في المبار، وقبض اليد كناية عن الشح (نسوا الله فنسيهم): أي أغفلوا ذكر الله وتركوا طاعته فتركهم من لطفه وفضله.
(1)
يعاتبه ويقول إنك لتستحي وينصحه.
(2)
اتركه على هذا الخلق السيئ، ثم زاده في ذلك ترغيباً لحكمة بأنه من الإيمان، وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق لاسيما إذا كان المتروك له مستحقاً، وقال ابن قتيبة: معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان فسمى إيماناً كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، وحاصله أن إطلاق كونه من الإيمان مجاز، والظاهر أن الناهي ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان فلهذا وقع التأكيد. قال الراغب الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع من ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحي فاسقاً وقلما يكون الشجاع مستحياً، وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان انتهى ملخصاً. وقال غيره هو انقباض النفس خشية ارتكاب ما يكره أعم من أن يكون شرعياً أو عقلياً أو عرفياً، ومقابل الأول فاسق. والثاني مجنون والثالث أبله. أهـ فتح ص 56 جـ 1.
3 -
وفي رواية لمسلم: "الحياء خَيْرٌ كُلُّهُ".
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمانُ بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستون شعبةً، فأفضلها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان (1) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
5 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الإيمان، والإيمانُ في الجنة، والبَذَاءُ من الجفاء، والجفاءُ في النار" رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
6 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ من الإيمان، والبَذَاءُ والبيَانُ شُعبتان من النفاق" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف.
[والعي]: قلة الكلام.
[والبذاء]: هو الفحش في الكلام. والبيان: هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام، ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله. انتهى.
ورواه الطبراني بنحوه، ولفظه قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحياء والعِيُّ من الإيمان، وهما يُقَرِّبَانِ من الجنةِ ويُباعدانِ من النار، والفُحْشُ والبَذَاءُ من الشيطان، وهما يُقَربان من النار، ويباعدان من الجنة. فقال أعرابيٌ لأبي أمامة: إنا لنقولُ في الشِّعْرِ: العِيُّ من الحُمْقِ، فقال: إني أقولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتَجِيُنِي بِشِعْرِكَ المُنْتِنِ (2) ".
(1) أي أثر من آثار الإيمان. وقال الحليمي: حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه، وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته، وقد قال بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك واستحي منه على قدر قربه منك، والله أعلم. أهـ فتح.
(2)
القذر غير الثابت على الحقيقة، لأن الشاعر ثرثار يزخرف الكلام ويزينه ويمدح بالباطل ويذم.
ما كان الحياء في شيء إلا زانه
7 -
ورويَ عن قُرَّةَ بن إياسٍ رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ عندهُ الحياء، فقالوا: يا رسول الله الحياءُ من الدين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو الدينُ كُلُّهُ (1)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحياء والعَفَافَ والْعِيَّ: عِيَّ اللسانِ، لا عِيَّ القلبِ، والعفةَ من الإيمان، وإنهنَّ يَزِدْنَ في الآخرة (2): وَيَنْقُصْنَ من الدنيا، وما يَزِدْنَ في الآخرة أكثرُ مما ينقصنَ من الدنيا، وإن الشُّحَّ والْعَجْزَ والْبَذَاءَ من النفاق، وإنهنَّ يزدن في الدنيا، وينقصن من الآخرة، وما ينقصن من الآخرة أكثرُ مما يزدنَ من الدنيا" رواه الطبراني باختصار، وأبو الشيخ في الثواب، واللفظ له.
8 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة لو كان الحياءُ رجلاً كان رجُلاً صالحاً، ولو كان الفُحْشُ رجُلاً لكان رجلَ سَوْءٍ (3) " رواه الطبراني في الصغير والأوسط وأبو الشيخ أيضاً، وفي إسنادهما ابن لهيعة، وبقية رواة الطبراني محتج بهم في الصحيح.
9 -
وعن زيد بن طلحة بن رُكانة يرفعهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكلِّ دينٍ خُلُقاً، وخُلُقَ الإسلام الحياء" رواه مالك، ورواه ابن ماجة، وغيره عن أنس مرفوعاً، ورواه أيضاً من طريق صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظيّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
10 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الفُحْشُ في شيء إلا شَانَهُ (4)، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلا زَانَهُ" رواه ابن ماجة، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ويأتي في الباب بعده أحاديث في ذم الفحش إن شاء الله تعالى.
(1) لأنه يجر إلى الكمالات ويدعو إلى الفضائل.
(2)
يكسبن حسنات.
(3)
كان مثال الشرور والأذى والنقائص.
(4)
قبحه وعابه وأوجد به نقصاً.
الحياء شعبة من الإيمان
11 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء، والإيمانُ قُرناء (1) جميعاً، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخرُ" رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس.
12 -
وعن مُجَمِّعِ بن حارثةَ بن زيد بن حارثة عن عمه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحياء شُعبةٌ من الإيمان، ولا إيمان لمن لا حياء له" رواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب، وفي إسناده بشر بن غالب الأسدي مجهول.
13 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا يا نبي الله: إنا لنستحي، والحمد لله. قال ليس ذلك، ولكن الاستحياءُ من الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرأس (2)، وما وَعَى، وتحفظَ البطنَ (3) وما حَوَى، ولْتَذْكُرِ الموتَ وَالبِلَى (4)، ومَنْ أراد الآخرةَ ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حقَّ الحياء" رواه الترمذي، وقال: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحق عن الصباح بن محمد.
[قال الحافظ]: أبان بن إسحق فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وتكلم فيه لرفعه هذا الحديث، وقالوا: الصواب عن ابن مسعود موقوف، ورواه الطبراني مرفوعاً من حديث عائشة، والله أعلم.
14 -
ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل إذا أراد أن يُهلكَ عبداً نزع منه الحياء فإذا نُزِعَ منه الحياء لم تُلْفِهِ (5) إلا مَقِيتاً (6)
(1) أصحاب.
(2)
تفكر فيما يرضي الله بنية صالحة وتحفظ الفم أن يأكل حراماً، واللسان من الغيبة والنميمة.
(3)
لا يدخل فيه حرام وتحفظ الفرج من الزنا.
(4)
الفناء (كل شيء هالك إلا وجهه) فتعمل صالحاً في دنياك.
(5)
لم تلفه: أي لم تجده ص 192 - 2، وفي (ن ط ود): لم تلقه بالقاف.
(6)
واقع عليه المقت وأشد القبح والبغض، من مقت إلى الناس بالضم مقاتة فهو مقيت، وكذا ممقت من أمقته ومقته: أي أبغضته أشد البغض عن أمر قبيح، والمعنى قليل الأدب بغيض مذموم مكروه سيرته رديئة، وفعله دنيء، وإذا صار على هذه الحالة سلبت منه الأمانة فأصبح خائناً سارقاً مجرماً سفاكاً متشرداً متعوداً الشرور، =
فإذا لم تُلْفِهِ إلا مقيتاً ممقتاً نُزعتْ منه الأمانة، فإذا نُزعتْ منه الأمانة لم تُلْفِهِ إلا خائناً مُخَوَّناً، فإذا لم تُلْفِهُ إلا خائناً مُخَوَّناً (1) نُزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمةُ لم تُلْفِهِ إلا رجيماً (2) مُلْعَناً (3)،
فإذا لم تُلْفِهِ إلا رجيماً مُلعناً نُزعت منه رِبْقَةُ الإسلام" رواه ابن ماجة.
[الربقة] بكسر الراء وفتحها: واحدة الربق: وهي عرى في حبل تشد به البهم، وتستعار لغيره.
= وفي المصباح: الخائن: هو الذي خان ما جعل عليه أميناً، والسارق من أخذ خفية من موضع كان ممنوعاً من الوصول إليه؛ وربما قيل كل سارق خائن دون العكس، والغاصب من أخذ جهاراً معتمداً على قوته. أهـ.
(1)
متصف بالخيانة واقعة عليه مغموس في أدرانها فلا يؤتمن.
(2)
مطروداً عن الخيرات وعن منازل الملأ الأعلى، قال تعالى:"فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم"(98 من سورة النحل). وقال تعالى: "فاخرج منها فإنك رجيم"(34 من سورة الحجر). أهـ غريب.
(3)
مطروداً مبعداً، وفي الغريب اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره قال تعالى:"ألا لعنة الله على الظالمين"(18 من سورة هود). أهـ.
والمعنى أن التبجح وقلة الحياء سبب المصائب تجلب عليه غضب الله والناس وسوء سيرة، ويوجد عنده الاستعداد لارتكاب الموبقات والإجرام ويخلو قلبه من الرأفة وتحل به القسوة والجفوة فتزول عنه مظاهر الإسلام جميعها نسأل الله السلامة، قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما"(53 - 54 من سورة الأحزاب). (إناه): أي غير منتظرين وقته أو إدراكه (فانتشروا): تفرقوا ولا تمكثوا (لا يستحي): يعني أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء كما لم يتركه الله ترك الحيي فأمركم بالخروج (متاعاً): شيئاً ينتفع به (حجاب): ستر، روي "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت. وقيل إنه عليه الصلاة والسلام كان يطعم ومعه بعض أصحابه فأصابت يد رجل يد عائشة رضي الله عنها فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت:(أطهر): من الخواطر النفسانية الشيطانية. أهـ بيضاوي.
خلاصة فضائل الحياء كما بَيَّنَها صلى الله عليه وسلم في باب الأدب:
أولاً: المستحي يدل على شدة إيمانه وكمال دينه وعنوان تقواه "شعبة".
ثانياً: السباب الصخاب فاجر فاسق شتام قاس منافق "الجفاء".
ثالثاً: عاقبة الاستحياء النجاة والنجاح والسلامة من أدران النقائص ودخول الجنة "الحياء والعي". =