الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثمانية" رواه مسلم والترمذي وابن ماجة، ورواه البزار من حديث سمرة دون قوله: "وطعام الأربعة يكفي الثمانية" وزاد في آخره: "ويدُ الله على الجماعة".
4 -
ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا جميعاً ولا تتفرقوا (1)، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثمانية" رواه الطبراني في الأوسط.
5 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحبَّ الطعام إلى الله ما كَثُرَتْ عليه الأيدي (2) " رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في كتاب الثواب، كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي داود، وقد وُثِّق، ولكن في هذا الحديث نكارة.
الترهيب من الإمعان في الشبع، والتوسع في المأكل والمشارب شَرَهاً وبطراً
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم يأكلُ في مِعيٍ (3) واحدٍ، والكافر (4)
في سبعة أمعاءٍ" رواه مالك والبخاري ومسلم وابن ماجة وغيرهم.
(1) لا تختلفوا، ولا تتنازعوا: بل اتحدوا، وأحبوا الاجتماع، ولا تهلككم الأثرة، والشره، والنهم والطمع، ويد الله مع الجماعة. 59 - 2 ع.
(2)
اجتمع علي أفراد كثيرون، حي على أهل الفلاح البركة من الله.
(3)
مصارين: أي بطن واحد، والمعنى المسلم يقنع ويرضي بالقليل، يسمي فتحصل البركة من الله، قال في الفتح: وإنما عدى يأكل بفي لأنه يمعنى يوقع الأكل فيها، ويجعلها ظرفاً للمأكول، ومنه قوله تعالى:"إنما يأكلون في بطونهم ناراً" أي ملء بطونهم.
(4)
غير المسلم لشرهه، وحرصه على ملذاتها، واستمتاع نفسه، وعدم قناعته: أي يأكل كثيراً، وكذا الفاسق الفاجر العاصي، وفي رواية البخاري عن عبدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يأكل في معي واحد، وإن الكافر، أو المنافق فلا أدري =
وفي رواية للبخاري: "أن رجلاً كان يأكلُ أكلاً كثيراً فأسلمَ، فكان يأكلُ أكلاً قليلاً، فَذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن المؤمن يأكل في معي واحدٍ، وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء".
وفي رواية لمسلم قال: "أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَيْفاً كافراً، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ فَحُلِبَتْ، فشرب حِلَابَهَا، ثم أخرى فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبعِ شياةٍ، ثم إنه أصبح فأسلمَ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم
= أيهما قال عبيد الله يأكل في سبعة أمعاء" وفي الفتح هذا الشك من عبدة، وقد أخرجه مسلم بغير شك، وورد عند الطبراني من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر، واختلف في معنى الحديث؛ فقيل ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها، واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء فليس المراد حقيقة الأمعااء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الطعام بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهر، وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال، والكافر يأكل الحرام، والحلال أقل من الحرام في الوجود، نقله ابن التين، ونقل الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران، فقال: حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلاً: أي يرغب فيها، ويحرص عليها، فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد: أي يزهد فيها فلا يتناول منها إلا قليلاً، والكفار في سبعة أمعاء: أي يرغب فيها فيستكثر منها، وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر، لقوله تعالى: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" (12 من سورة القتال) انتهى فتح ص 124 جـ 9.
وفي العيني: حكى القاضي عياض عن أهل الطب والتشريح أنهم زعموا أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها: البواب، والصائم، والرقيق، وهي كلها رقاق، ثم ثلاثة غلاظ الأعور، والقولون والمستقيم، وطرفة الدبر، فالمؤمن يكفيه ملء أحدها، والكافر لا يكفيه إلا ملء كلها. أ. هـ. ص 142 جـ 2.
وقال النووي: الصفات السبعة في الكافر، وهي الحرص، والشره، وطول الأمل، والطمع، وسوء الطبع، والحسد، وحب السمن، وقال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع، وفي الفتح في كلام القاضي أبي بكر بن العربي: أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس، والشهوة، والحاجة. قال العلماء: يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا، والحث على الزهد فيها، والقناعة بما تيسر منها، وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل، ويذمون كثرة الأكل. قال حاتم الطائي:
فإنك إن أعطيت بطنك سؤله
…
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وقال ابن التين: إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات: طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب، وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس، وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق. أ. هـ ص 423 جـ 10.
بشاةٍ، فشرب حِلابها، ثم أخرى فلم يسْتَتِمَّهُ (1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن ليشربُ في مِعىً واحدٍ، والكافرَ يشرب في سبعة أمعاء" رواه مالك والترمذي بنحو هذه.
ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنٍ
2 -
وعن المقدام بن مَعْدِ يكرب رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما ملأ (2) آدميٌ وعاءً شراً من بطنٍ، بحسبِ ابن آدم أكيلاتٌ (3)
يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإن كان لا محالة (4)، فثلث لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه" رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه إلا أن ابن ماجة قال: "فإن غلبت الآدميَّ نفسهُ فثلثٌ للطعام" الحديث.
3 -
وعن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال: "أكلتُ ثَرِيدَةً من خُبزٍ ولحمٍ، ثم أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأُ (5)، فقال: يا هذا كُفَّ عَنَّا (6) مِنْ جُشَائِكَ،
(1) فلم يكمله لأن أشعة الإسلام سطعت على قلبه، فملأته قناعة، وزهادة، وأبعدت الشره، قال تعالى:"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم"(2 من سورة فاطر)، (من رحمة) كنعمة، وأمن، وصحة، وعلم، ونبوة.
(2)
لن يملأ إنسان وعاء يعود عليه بالضرر مثل ملء بطنه الذي يعود عليه بالتخمة والأمراض.
(3)
لقيمات كافية الإنسان متصفة بإعانته على أعماله، ومقوية له، ومزيلة الجوع، ويكون منهجه عند الطعام.
(أ) ثلث بطنه يملؤه طعاماً.
(ب) الثلث الثاني لشرابه.
(جـ) الثالث لاستنشاق الهواء العليل البليل المغذي المنمي الجسم، أنعم بك يا رسول الله من حكيم ماهر سننت لأمتك ما يجلب لها العافية، والصحة التامة: عدم الشبع المفرط، وتجنب الإسراف في الطعام، قال تعالى:"وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"(31 من سورة الأعراف). أي ما طاب لكم تمتعوا به، ولا تتغالوا في تحريم الحلال، أو التعدي إلى الحرام، أو بإفراط الطعام، والشره عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:"كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة" وقال علي بن الحسين بن واقد: قد جمع الله الطب في نصف آية، فقال:"وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"(31 من سورة الأعراف) أي لا يرتضى فعلهم، لقد أجمع الأطباء على أن ملء المعدة مهلك مضعف ومسبب الأوجاع المختلفة، ومزيل قوة الشباب، ونضرته، ويصفون العلاج الآن بالإقلال من الطعام ما استطاع الإنسان ليشفى، وقد أخبرني غير واحد أن اكتساب الصحة جاء من عدم الشبع، والأكلة التي يطمع فيها الطامع فيشبع تجلب الوهن في الجسم، وتحرك ما كمن من الأدواء، كان والدي رحمه الله يعالج صحته بالجوع (الحمية) والامتناع عن تناول الطعام ويكتفي بالسوائل.
(4)
فإن حتم على نفسه الغذاء فيتبع طريقة الاقتصاد في أكله على النحو الذي وصفه صلى الله عليه وسلم.
(5)
أحدث صوتاً مع ريح يحصل من الفم عند حصول الشبع، والاسم الجشاء: أي (تترع).
(6)
كف عنا، كذا (ط وع ص 60)، وفي (ن د) أكفف عنا: أي امتنع أو أبعد.
فإن أكثر الناس شِبَعاً في الدنيا أكثرهمُ جوعاً يوم القيامة" رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: بل واهٍ جداً، فيه فهد بن عوف، وعمر بن موسى لكن رواه البزار بإسنادين، رواة أحدهما ثقات، ورواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي، وزادوا:"فما أكَلَ أبو جُحيفة ملْء بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تغدى لا يتعشى، وإذا تعشى لا يتغدى"، وفي رواية لابن أبي الدنيا: قال أبو جُحيفة: فما ملأتُ بطني منذ ثلاثين سنة.
4 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "تجشأ رجلٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: كُفَّ عنا جُشاءك، فإن أكثرهم شبعاً في الدنيا أطوَلُهُمْ جوعاً يوم القيامة" رواه الترمذي، وابن ماجة والبيهقي كلهم من رواية يحيى البكاء عنه؛ وقال الترمذي: حديث حسن.
5 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الشبعِ في الدنيا هم أهل الجوع غداً في الآخرة" رواه الطبراني بإسناد حسن.
6 -
ورويَ عن عطية بن عامر الجهَنِيِّ قال: "سمعتُ سلمان رضي الله عنه وأُكْرِهَ على طعامٍ يأكلهُ: فقال: حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة" رواه ابن ماجة والبيهقي؛ وزاد في آخره: وقال يا سلمان: الدنيا سجن المؤمن؛ وجنة الكافر.
7 -
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أوَّلُ بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشِّبَعُ (1)، فإن القوم لما شَبِعَتْ بُطُوُنُهمْ سَمِنَتْ (2) أبدانهم، فَضَعُفَتْ قلوبهم (3)، وجمحت شهواتهم (4) " رواه البخاري في كتاب الضعفاء، وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع.
(1) الإكثار من الأكل والحرص على التمتع بأفخر الطعام، فقل عملهم الصالح وقلت الهمم وزاد الفتور.
(2)
قويت أجسامهم.
(3)
قل إيمانها بالله تعالى لعكوفها على الملذات، واستمرارها في الترف، وغفلتها عن الله عز وجل.
(4)
أسرعت وزادت، وكثرت معاصيهم، قال في المصباح وربما قيل جمح إذا كان فيه نشاط وسرعة، وجمح =
8 -
وعن جَعْدَةَ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عظيم (1) البطن، فقال بأُصْبُعِهِ: لو كان هذا في غير (2) هذا لكان خيراً لك" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد جيد، والحاكم والبيهقي.
9 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيُؤتَيَنَّ يوم القيامة بالعظيم، الطويل (3)، الأكول، الشَّروبِ، فلا يزنُ عند الله جناح بعوضةٍ، واقرءوا إن شئتم: "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً"" رواه البيهقي، واللفظ له.
ورواه البخاري ومسلم باختصار قال: "إنه ليأتي الرجلُ العظيمُ السمين يوم القيامة، فلا يزنُ عند الله جناح بعوضةٍ (4) "
= الفرس براكبه: استعصى حتى غلبه، وجمح إذا عار، وهو أن ينفلت فيركب رأسه فلا يثنيه شيء، وجمحت المرأة: خرجت من بيت زوجها غضبي بغير إذن بعلها. أ. هـ، والمعنى أن كثرة النعيم فتنة، ففيه إرخاء العنان للنفس لتطغى، وتضل، وتنسى حقوق الله جل وعلا، قال تعالى:"يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير"(5 - 6 من سورة فاطر)، (وعد الله) بالحشر والجزاء لا خلف فيه (فلا تغرنكم) فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة، والسعي لها (الغرور) الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية، والميل إلى الترف بلا عمل (فاتخذوه عدواً) في عقائدكم، وأفعالكم، وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم وشيدوا الصالحات، "الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون"(7 - 8 من سورة فاطر)، (أفمن زين) أي انتكس رأيه فرأى الباطل حقاً، والقبيح حسناً كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه (حسرات) أي فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب، سبحانه عليم فيجازيهم على ترفهم وأعمالهم.
(1)
ضخم الجسم.
(2)
أي في عقله؛ بمعنى أن فكره يسمو ورأيه يعلو وقوته في ثمرات أعماله لا في ضخامة بطنه. * جسم البغال وأحلام العصافير *
(3)
أي المتصف بالضخامة وكثرة الأكل والشراب قال تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً"(103 - 106 من سورة الكهف)، (ضل) ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم (وزناً) أي نزدري بهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً، أو لا نضع لهم ميزاناً توزن به أعمالهم لانحباطها. أ. هـ. بيضاوي، والمعنى الغذاء يتحول للتقوية على الأعمال الصالحة، أما الحرص على التمتع بأنواع الأطعمة والغفلة عن الله تعالى فمن صفات الكفار وبذا تنطوي صحيفة الخير وعمل البر في حياة المترفين الضالين فتكون عاقبتهم دخول النار ولا وزن لأعمالهم.
(4)
المعنى أن أعمال هؤلاء الكفرة الفجرة الفسقة لا تعادل جناح البعوضة مع حقارتها وخفتها مع ضخامة جسمهم وملذاته.
ما كان عليه اصحاب النبي خير مما نحن عليه الآن
10 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوعِ في وجوهِ أصحابه، فقال: أبشروا! فإنه سيأتي عليكم زمانٌ يُغْدَى (1) على أحدكم بالقصعة من الثَّرِيدِ، وُيُراحُ عليه بمثلها. قالوا: يا رسول الله نحن يومئذٍ خيرٌ؟ قال: بل أنتم اليوم خيرٌ منكم يومئذٍ" رواه البزار بإسناد جيد.
11 -
وعن عليٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم اليوم خيرٌ أم إذا غُدِيَ على أحدكم بِحِفْنَةٍ (2)
من خُبزٍ ولحمٍ وريحَ عليه بأخرى، وغدا في حُلَّةٍ، وراح في أخرى، وسترتم بيوتكم كما تُستَرُ الكعبة؟ قلنا: بل نحن يومئذٍ خيرٌ نتفرغُ للعبادة، فقال: بل أنتم اليوم خيرٌ (3) " رواه الترمذي في حديث تقدم في اللباس وحسنه.
12 -
وروي عن ابن بُجيرٍ رضي الله عنه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أصابَ (4) النبي صلى الله عليه وسلم جُوعٌ يوماً فَعَمَدَ (5) إلى حجرٍ فوضعهُ
(1) تزف إليكم الأطعمة صباحاً ومثلها مساءً: أي تقدم صباحاً ومساءً.
(2)
إناء كالقصعة، يبشرهم صلى الله عليه وسلم بوفرة الأغذية وكثرة الخير وزيادة النعيم والرفاهية في المستقبل ولكن الآن هم في حالة أحسن لتفرغهم لعبادة الله تعالى. قال تعالى:"يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم"(56 - 60 من سورة العنكبوت)، (أرضي واسعة) إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك (لنبوئنهم) لننزلنهم (صبروا) على أذى المشركين والمحن والمشاق ولا يتوكلون إلا على الله تعالى. إن شاهدنا طلب الصبر والاعتماد على الله، وفيه ترك الترف والرضا بالفقر واستقبال الشدائد بصدر رحب وعدم الركون إلى زخارف الدنيا رجاء ثواب الله تعالى القائل جل شأنه "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون"(64 من سورة العنكبوت)، (الحيوان) دار الحياة لا موت فيها.
(3)
حالتكم الآن على ما هي عليه من قلة المال أكثر ثواباً عند الله تعالى وأخف في الحساب "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" وكما قال صلى الله عليه وسلم "وأصحاب الجد محبوسون" أي أصحاب الغنى واقفون في المحشر يقدمون دفاتر إنفاق هذا المال أو اكتنازه والبخل به، والشح في حقوق الله فيه والفقراء يدخلون الجنة بلا حساب مطمئنين منعمين ترفرف عليهم راية النعيم، لا يحتاجون إلى محاسب الضرائب الآن.
(4)
لحق به.
(5)
قصد: فانعمد.
على بطنه (1)، ثم قال: ألا رُبَّ نفسٍ طاعمةٍ (2) ناعمةٍ (3) في الدنيا جائعةٌ (4) عاريةٌ (5) يوم القيامة. ألا رُبَّ مُكْرِمٍ (6) لنفسهِ، وهو لها مُهِينٌ (7)
ألا رُبَّ مُهينٍ (8) لنفسهِ وهو لها مُكرمٌ (9) " رواه ابن أبي الدنيا.
13 -
وعن اللجلاج رضي الله عنه قال: "ما ملأتُ بطني طعاماً منذ أسلمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلُ حَسْبي (10)، وأشربُ حسبي، يعني قوتي" رواه الطيراني بإسناد لا بأس به، والبيهقي. وزاد: وكان قد عاش مائة وعشرين سنةً: خمسين في الجاهلية، وسبعين في الإسلام.
14 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكلتُ في اليوم مرتين، فقال: يا عائشة أما تُحبينَ أن يكون لك شُغلٌ إلا جوفكِ (11)، الأكلُ في اليوم مرتين من الإسراف، والله لا يحب المسرفين" رواه البيهقي، وفيه ابن لهيعة. وفي رواية فقال: يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك، أكثرُ من أكلةٍ كلَّ يومٍ سَرَفٌ (12)، والله لا يحب المسرفين.
15 -
ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) شده على بطنه ليمنع عنه غائلة الجوع ويطرد عنه الفتور، والوهن والإغماء ويقويه على عبادة الله وفعل الصالحات، هل لك في رسول الله أسوة حسنة؟ يرغب عن زخارف الدنيا ويضع على بطنه حجراً اتقاء الجوع وقد قال البوصيري:
وراودته الجبال الشم من ذهب
…
عن نفسه فأراها أيما شمم
(2)
متمتعة بأصناف الطعام ولذيذه وشهيه.
(3)
مترفة فائزة بأنواع البذخ.
(4)
متألمة بألم الجوع.
(5)
غير مستورة تفضح على رءوس الأشهاد وتذم وتعذب أمام الخلائق يوم القيامة والله تعالى لا يستر قبائحها ولا يدخلها في زمرة من رضي عنهم فغفر لهم.
(6)
مقدم لها أنواع البذخ.
(7)
معرضها للحساب وكثرة السؤال عما اقترفت وتمتعت.
(8)
معذبها بالزهد والورع واجتناب الشهوات والتفاني في طاعة الله والصبر والجوع.
(9)
معظم مرق منعم لأن العمل الصالح شاق في نفسه ومحمود العاقبة مسبب الثواب الكثير.
(10)
كفايتي: حساب كاف.
(11)
ملء بطنك، اشتغلي بذكر الله وطاعته ليبقى ثواب ذلك في الآخرة.
(12)
تبذير.
"من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيتَ" رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، والبيهقي، وقد صحح الحاكم إسناده لمتن غير هذا، وحسنه غيره.
16 -
وعن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أخشى عليكم شهوات (1) الْغَيِّ (2)
في بطونكم، وفروجكم (3)، ومُضِلَاّتِ (4) الهوى" رواه أحمد والطبراني والبزار، وبعض أسانيدهم رجاله ثقات.
17 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لقيني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ابتعتُ (5) لحماً بدرهم، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلتُ: قَرِمَ أهلي فابتعتُ لهم لحماً بدرهمٍ، فجعل عمر يُردد: قَرِمَ أهلي حتى تمنيتُ أن الدرهم سقط مني ولم ألقَ عمر" رواه البيهقي.
18 -
وروى مالك عن يحيى بن سعيد: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك جابر بن عبد الله، ومعه حاملُ لحمٍ، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطويَ بطنه لجاره، وابن عمه، فأين تذهبُ عنكم هذه الآية "أذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بها" قال البيهقي: وروى عن عبد الله بن دينار مرسلاً وموصولاً.
قوله [قرم أهلي]: أي اشتدت شهوتهم للحم، قال الحليمي رحمه الله: وهذا الوعيد من الله تعالى، وإن كان للكفار الذين يقدمون على الطيبات المحظورة، ولذلك قال:"فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ" فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة لأن من يعودها مالت نفسه إلى الدنيا، فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات والملاذ كلما أجاب نفسه إلى واحد
(1) ملذات.
(2)
أمور الجهل من اعتقاد فاسد وإرخاء العنان للتمتع بالطعام والفروج وجميع أنواع الموبقات أي الشهوات المسببة للغي والفسق والجالبة العذاب قال تعالى: "فسوف يلقون غيا" أي عذاباً فسماه الغي لما كان الغي هو سببه، وذلك كتسمية الشيء بما هو سببه كقولهم للنبات ندى، وقيل معناه فسوف يلقون أثر الغي وثمرته، قال تعالى:"وبرزت الجحيم للغاوين" أي غوى فاتبع الضلال والخيبة: أي آكل الحرام.
(3)
الزنا.
(4)
طرق الغواية.
(5)
اشتريت فيردد سيدنا عمر هذه الجملة لانتباهه إلى التمتع بالمباح فما بالك الآن بمن يتمتع بما حرم الله وما أحل، ومع هذه النعمة الجمة تراه مقصراً في حقوق الله فلا يصلي ولا يصوم ولا يتصدق ولا يفعل خيراً، شكراً لنعم الله تعالى.
منها دعته إلى غيرها، فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط، وينسد باب العبادة دونه، فإذا آل به الأمر إلى هذا لم يبعد أن يقال:"أذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ"، فلا ينبغي أن تعود النفس ربما تميل به إلى الشره ثم يصعب تداركها، ولْتُرَضْ من أول الأمر على السداد، فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح، والله أعلم.
قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى من اللحمِ المهزول، وجعل عليه سَمْناً، فرفع عمر يده، وقال: والله ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا أكل أحدهما، وتصدق بالآخر، فقال ابن عمر: اطعم يا أمير المؤمنين، فوالله لا يجتمعان عندي أبداً إلا فعلت ذلك.
19 -
وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلوا، واشربوا، وتصدقوا ما لم يُخالطهُ إسْرافٌ (1) ولا مَخيلةٌ (2) " رواه النسائي وابن ماجة، ورواته إلى عمر ثقات يحتج بهم في الصحيح.
20 -
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث به إلى اليمن قال له: إياك والتنعم (3)، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين" رواه أحمد والبيهقي، ورواة أحمد ثقات.
21 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشرار أمتي الذين غُذُوا بالنعيم (4)، ونبتت عليه أجسامهم" رواه البزار، ورواته ثقات إلا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم.
22 -
ورويَ عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون رجالٌ من أمتي يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب،
(1) تبذير.
(2)
كبرياء.
(3)
الترفه وزيادة الرفاهية الجالبة الغفلة عن الله وضياع الأعمال الصالحة.
(4)
تمتعوا بالخيرات ونسوا حقوق الله فيها فسببوا لأنفسهم العذاب الأليم من جراء الإنفاق في غير الحلال.
ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون (1) في الكلام، فأولئك شرار أمتي" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط.
23 -
ورويَ عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شرار أمتي الذين ولدوا (2) في النعيم، وغُذُوا به يأكلون من الطعام ألواناً، ويتشدقون في الكلام" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في حديث.
24 -
وعن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مَطْعَمَ ابن آدم (3) جُعِلَ مثلاً للدنيا، وإن قَزَّحَهُ ومَلَحَهُ، فانظر (4)
إلى ما يصير" رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد جيد قوي، وابن حبان في صحيحه والبيقي، وزاد في بعض طرقه، ثم يقول الحسن: أو ما رأيتهم يطبخونه بالأفواه والطيب، ثم يرمون كما رأيتم.
[قوله قزحه]: بتشديد الزاي: أي وضع فيه القزح، وهو التابل، وملحه بتخفيف اللام معروف.
25 -
وعن الضحاك بن سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا ضحاك ما طعامك؟ قال: يا رسول الله اللحم واللبنُ. قال: ثم يصير إلى ماذا؟ قال: إلى ما قد علمتَ، قال: فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا" رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح إلا علي بن زيد بن جدعان.
[قال الحافظ]: ويأتي في الزهد ذكر عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إن شاء الله تعالى.
(1) يكثرون من القول اللغو، ويقولون ما لا يفعلون.
(2)
ترعرعوا في النعم الكثيرة وشبوا ولم يشيدوا منها الصالحات.
(3)
أي طعام ابن آدم، فإنه مثل الدنيا ومآله الزوال مهما خزنه تلف وإن وضع فيه ما يبقيه مدة فلابد أن يعطب.
(4)
فانظر، كذا (ط وع ص 63 - 2)، وفي (ن د) فانظروا: أي تأمل أيها الإنسان فكل شيء زائل وكذا الطعام فالأحسن أن تختار العمل الصالح وذكر الله، قال تعالى:"واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً" كذلك الطعام يزول.