الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من قتل الإنسان نفسه
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تَردَّى (1) من جبلٍ فقتلَ نفسهُ فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مُخلداً فيها أبداً، ومن تَحَسَّى (2)
سُماً فقتل نفسهُ فَسُمُّهُ في يده يَتَحَسَّاهُ في نار جهنم خالداً مُخلداً فيها أبداً، ومن قتلَ نفسهُ بحديدةٍ، فحديدتهُ في يده يتوجأُ بها في نار جهنم خالداً مُخلداً فيها أبداً (3)" رواه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير والنسائي، ولأبي داود: "ومن حَسَا سُماً فَسُمُّهُ في يده يتحساهُ في نار جهنم".
[تردى]: أي رمى بنفسه من الجبل أو غيره فهلك.
[يتوجأ بها] مهموزاً: أي يضرب بها نفسه.
2 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يَخْنُقُ نفسهُ يخنقها في النار، والذي يطعن نفسهُ يطعنُ نفسهُ في النار، والذي يقتحمُ (4) يقتحمُ في النار" رواه البخاري.
(1) أسقط نفسه منه لما يدل عليه قوله فقتل نفسه على أنه تعمد ذلك وإلا فمجرد قوله تردى لا يدل على التعمد. أهـ فتح ص 194
(2)
في باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه. والخبيث: أي الدواء الخبيث قال وكأنه يشير بالدواء السم إلى ما ورد من النهي عن التداوي بالحرام، وقد تقدم حديث:"إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" ثم قال يجوز استعمال اليسير من السم إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع، أشار إلى ذلك ابن بطال، وقد أخرج ابن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم فقال ائتوني به فأتوه به فأخذه بيده، ثم قال باسم الله واقتحمه فلم يضره. قال الخطابي خبث الدواء يقع بوجهين: أحدهما من جهة نجاسته كالخمر ولحم الحيوان الذي لا يؤكل، وقد يكون من جهة استقذاره فيكون كراهته لإدخال المشقة على النفس. أهـ.
(3)
يخبر صلى الله عليه وسلم أن الذي يقدم على الانتحار فيقتل نفسه بسكين أو بتناول مادة سامة أو التعمد أن يرمي نفسه من شاهق مثل جبل أو شجرة أو نافذة أو سطح أو خنق نفسه أو ضرب نفسه برصاص، وهكذا من أفعال السفهاء الجهلاء التي يأباها الدين ويقبحها العقل يعاقبه الله تعالى عقاباً صارماً ويجعل نوع عذابه من جنس فعلته الشنعاء فيخلق الله له حديدة أو سماً أو يهوي في قاع جهنم مستمراً على ذلك زمناً كثيراً مخلداً دائماً كما قال صلى الله عليه وسلم، قال في الفتح وأولى ما حمل عليه الحديث ونحوه من أحاديث الوعيد أن المعنى المذكور جزاء فاعل ذلك إلا أن يتجاوز الله تعالى عنه. أهـ.
(4)
ينزل من جهة مرتفعة، وفي النهاية اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى نفسه فيه من غير روية وتثبت.
جزاء من قتل نفسه
3 -
وعن الحسن البصري قال: "حدثنا جُندبُ بن عبد الله في هذا المسجد، فما نسينا منه حديثاً، وما نخاف أن يكون جُندبٌ كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان برجلٍ جراحٌ، فقتل نفسه، فقال الله: بَدَرَني (1) عبدي نفسه، فَحَرَّمْتُ عليه الجنة".
4 -
وفي رواية: "كان فيمن قبلكم رجلٌ به جُرْحٌ فَجَزِعَ، فأخذ سكيناً، فَحَزَّ (2) بها يدهُ، فما رَقَأ الدمُ حتى مات، فقال الله: بادرني عبدي بنفسه" الحديث. رواه البخاري ومسلم، ولفظه قال:"إن رجلاً كان ممن كان قبلكم خرجت بوجهه قُرحة فلما آذتهُ انتزعَ سهماً من كنانتهِ فنكأها، فلم يرقأ الدمُ حتى مات. قال ربكم: قد حرمتُ عليه الجنة (3) ".
[رقأ] مهموزاً: أي جف وسكن جريانه.
[الكنانة] بكسر الكاف: جعبة النشاب.
[نكأها] بالهمز: أي نخسها وفجرها.
5 -
وعن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه "أن رجلاً كانت به جراحةٌ فأتى قَرَناً له، فأخذ مِشْقَصاً فذبحَ به نفسهُ، فلم يُصَلِّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم " روه ابن حبان في صحيحه.
[القرن] بفتح القاف والراء: جعبة النشاب.
[والمشقص] بكسر الميم وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف: سهم فيه نصل عريض
(1) أسرع وسبقني بنفسه في حالة غضب. بدر وبادر.
(2)
فقطع.
(3)
أبعدته من نعيم الجنة، لأنه يئس من رحمة الله وقنط ودل على جهله وغفلته عن الله الذي يشفي ويزيل الألم ويبعد الكرب ويفك العسر فكم مريض شفى بعد مرضه.
(أ) قال تعالى: "لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"(87 من سورة يوسف).
(ب) وقال تعالى: "ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون"(56 من سورة الحجر).
(جـ) وقال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"(53 من سورة الزمر).
(د) وقال تعالى: "وإذا مسه الشر فيئوس قنوط"(49 من سورة فصلت).
وقيل: هو النصل وحده، وقيل: سهم فيه نصل طويل، وقيل: النصل وحده، وقيل: هو ما طال وعرض من النصال.
ليس على المرء نذر فيما لا يملك .. إلخ
6 -
وعن أبي قلابةَ رضي الله عنه أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره بأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرةِ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف على يمينٍ بِملَّةٍ (1) غير الإسلام كاذباً مُتعمداً فهو كما قال (2)، ومن قتلَ نفسه بشيءٍ عُذِّبَ به يوم القيامة، وليس على رجلٍ نذرٌ فيما لا يملك (3)، وَلَعْنُ (4) المؤمنِ كقتله، ومن رَمَى مؤمناً بكفرٍ (5) فهو كقتلهِ، ومن ذبح نفسه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي باختصار، والترمذي وصححه، ولفظه:"إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المرء نذرٌ فيما لا يملكُ، وَلَاعِنُ المؤمن كقاتلهِ، ومن قذف مؤمناً بِكُفْرٍ فهو كقاتلهِ، ومن قتل نفسه بشيء عَذَّبَهُ الله بما قتلَ به نفسهُ يوم القيامة".
7 -
وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكرهِ، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ (6)
لا يَدَعُ لهم
(1) بأن أقسم باليهودية أو النصرانية أو غيرهما مثلاً.
(2)
فهو كاذب لا كافر إلا أنه لما تعمد الكذب الذي حلف عليه والتزم الملة التي حلف بها، قال عليه الصلاة والسلام: فهو كما قال من التزام تلك الملة إن صح قصده بكذبه إلى التزامها في تلك الحالة، لأنه وقت ثان إذا كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له. قال ابن حجر: وحاصله أنه لا يصير بذلك كافراً، وإنما يكون كالكافر في حال حلفه بذلك خاصة. أهـ ص 394 جـ 10
(3)
أي لا يصح النذر في شيء لا تملكه ولا يلزمك الوفاء به.
(4)
الدعاء بطرده من رحمة الله مثل إعدامه.
(5)
الذي ينسب إليه الخروج من الملة الحنيفية السمحاء مثل إعدامه وفقدان روحه.
(6)
قال القسطلاني: هو قزمان. أهـ. لا يترك للمؤمنين صغيرة ولا كبيرة إلا عاقبهم ورد كيدهم وحاربهم بجد وشجاعة وإذ به يثأر وينتقم من المشركين وينافق في الباطن فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه في جهنم لعدم إخلاصه للجهاد في سبيل الله ونصر دينه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتلك معجزة له صلى الله عليه وسلم إذ رأى على وجه قزمان الرياء والاندفاع إلى الأذى والدفاع بنية الرياء والسمعة والشهرة والصيت ولا يقصد بذلك وجه الله ونصر دينه، قال تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد =
شَاذَّةً، وفاذَّةً إلا اتبعها يَضْرِبُهَا بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلانٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار".
إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار .. إلخ
8 -
وفي رواية فقالوا: "أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟ فقال رجلٌ من القوم (1). أنا صاحبهُ أبداً قال: فخرج معه كلما وقف وقف معهُ، وإذا أسرعَ أسرعَ معه. قال: فَجُرحَ الرجلُ جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت فوضع سيفهُ بالأرضِ وذُبَابَهُ بين ثَدْيَيْهِ، ثم تحاملَ على سيفهِ، فقتلَ نفسهُ، فخرجَ الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهدُ أنك رسول الله. قال: وما ذاك؟ قال: الرجلُ الذي ذكرتَ آنفاً أنه من أهل النار، فأعظمَ الناس ذلك، فقلتُ: أنا لكم بهِ، فخرجتُ في طلبهِ حتى جُرِحَ جُرْحاً شديداً، فاستعجل الموتَ، فوضع نصل سيفهِ بالأرض وذَبَابَهُ بين ثدييهِ، ثم تحامل عليه، فقتل نفسهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل لَيَعْمَلُ عَمَلَ أهل الجنة فيما يبدو (2)
للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل
= وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً" (100 من سورة النساء). سبب نزول هذه الآية حادثة جليلة تبين لك الثمرة المرجوة ينالها من أخلص لله في نيته وأحسن ضميره لله وأزال عن نفسه كل رياء وأبعد كل نفاق وتاجر مع الله فقط فلا يكون مثل (قزمان) ذلك الذي أبلى بلاءً حسناً وجاهد وجالد، ولكن حرم من أعماله لريائه. قال البيضاوي (وقع أجره) أي ثبت أجره عند الله تعالى ثبوت الأمر الواجب، والآية الكريمة نزلت في جندب بن ضمرة حمله بنوه على سرير متوجهاً إلى المدينة فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله فقال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايع عليه رسولك صلى الله عليه وسلم فمات. أهـ.
(1)
قال القسطلاني هو أكثم الخزاعي.
(2)
يظهر. قال النووي: فيه التحذير عن الاغترار بالأعمال، وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة انقلاب الحال للقدر السابق، وكذا ينبغي أن لا يقنط العاصي من رحمة الله تعالى. أهـ ص 350 جواهر البخاري.
(أ) قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"(6 من سورة البينة).
(ب) وقال تعالى: "ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون"(20 من سورة الأحقاف). (درجات): مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، أو من أجل ما عملوا (وليوفيهم): جزاءها بلا نقص ثواب أو زيادة عقاب (مخلصين): موحدين يعملون العمل لله وحده (حنفاء): مائلين عن جميع الأديان إلى دين الإسلام مجاهدين في نصره (القيمة): الملة المستقيمة.
(جـ) وقال تعالى: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"(36 من سورة الحج). =