الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام
1 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "قلتُ: يا رسول الله أيُّ المسلمين
= النهي عن السخرية من الخلق والتنابز بالألقاب والغيبة:
(أ) قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم"(11 - 12 من سورة الحجرات).
(ب) وقال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد"(18 - 20 من سورة ق).
(جـ) وقال تعالى: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين"(24 - 25 من سورة النور).
(د) وقال تعالى: "فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير"(14 - 20 من سورة المؤمن).
فيه أمر بإخلاص العبادة والطاعة له وحده والعمل بأوامره واجتناب نواهيه لأن الروحانيات مسخرات لأمره سبحانه بإظهار آثارها، وهي الوحي وتمهيد النبوة، وتخرج الناس من قبورهم (كاظمين): ساكتين على الغم (حميم): قريب مشفق، والله تعالى يعلم النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم، واستراق النظر إليه، أو خيانة الأعين، ويعلم سبحانه ما في الضمائر، وكذا الغيبة ويحاسب عليها عز شأنه هو المالك الحاكم على الإطلاق، فلا يقضى بشيء إلا وهو حقه، فاجتهد أخي أن تجتنب ذكر الناس بما يكرهون.
(هـ) وقال تعالى: "واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"(194 - 195 من سورة البقرة).
(و) وقال تعالى في صفات الصالحين: "وإذا مروا باللغو مروا كراماً"(72 من سورة الفرقان). "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين"(55 من سورة القصص).
(ز) وقال تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً"(36 من سورة الإسراء).
أي لا تتبع ما لم يتعلق به علمك تقليداً أو رجماً بالغيب، قيل إنه مخصوص بالعقائد، وقيل بالرمي وشهادة الزور، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام "من قفا مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج". =
أفضل (1)؟ قال: مَنْ سَلِمَ (2) المسلمون من لسانه ويده" رواه البخاري ومسلم والنسائي.
2 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم (3) من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده
= وقول الكميت:
ولا أرمين البرئ بغير ذنب
…
ولا أقفو الحواصن إن قفينا
كل هذه الأعضاء أجراها مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية. أهـ بيضاوي، قال الشاعر:
أنى يكون أخي أو ذا محافظة
…
من كنت في غيبه مستشعراً وجلا
إذا تغيب لم تبرح تظن به
…
سوءاً وتسأل عما قال أو فعلا
واحذر سموماً في الاغتياب فلن ترى
…
في الخلق مغتاباً صحيح أديم
دار السفيه ولا تمار تكرماً
…
يرجو بأنف راغم مهشوم
وقال آخر:
كم سيد متفضل قد سبه
…
من لا يساوي طعنة في نعله
وإذا استغاب أخو الجهالة عالماً
…
كان الدليل على غزارة جهله
أهل المظالم لا تكن تبلى بهم
…
فالمرء يحصد زرعه من حقله
أرأيت عصفوراً يحارب باشقاً
…
إلا لخفته وقلة عقله
واحرص على التقوى وكن متأدباً
…
وارغب عن القول القبيح وبطله
واستصحب العلم الشريف تجارة
…
واعمل بمفروض الكتاب ونفله
إياك زور القول تلقى إثمه
…
والزور شاهده يبوء بذله
وإذا خدمت لحاكم فاصبر على
…
أخلاقه واشكر سياسة عدله
لا تعصه وتخنه واحفظ سره
…
وعليك في صدق الكلام ونقله
واجف الدنيء وإن تقرب إنه
…
يؤذيك كالكلب العقور لأهله
واحذر معاشرة السفيه فإنه
…
يؤذي العشير بجمعه وبشكله
واحبس لسانك عن رديء مقالة
…
وتوق من عثر اللسان وزله
وقال آخر:
إن شر الناس من يكشر لي
…
حين يلقاني وإن غبت شتم
وكلام سيء قد وقرت
…
أذني عنه وما بي من صمم
ولبعض الصفح والإعراض عن
…
ذي الخنا أبقى وإن كان ظلم
ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة
…
ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
(1)
أكثر درجة عند الله جل وعلا.
(2)
نجا.
(3)
أي الكامل في الرجولية ليكون كاملاً في دينه. قال الخطابي: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوقه تعالى أداء حقوق المسلمين. أهـ. أو علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه، وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده، أو إشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه، لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، والمسلمات يدخلن في ذلك، وخص اللسان بالذكر، لأنه المعبر عما في النفس، وكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها، ويستثنى من ذلك شرعاً تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المستحق لذلك. =
والمهاجرُ (1) من هجر ما نهى الله عنه" رواه البخاري ومسلم.
3 -
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسول اله: أي الأعمال أفضلُ؟ قال: الصلاة على ميقاتها (2). قلتُ ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: أن يَسْلَمَ الناسُ من لسانك (3) " رواه الطبراني بإسناد صحيح، وصدرُه في الصحيحين.
4 -
وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: "جاء أعرابيٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله عَلِّمْنِي عملاً يُدخلني الجنة؟ قال: إن كنت أقْصَرْتَ الخطبة (4) لقد أعْرَضْتَ المسألة (5): أعْتِقِ النَّسَمَةَ (6)، وَفُكَّ الرَّقَبةَ (7)، فإن لم تُطِقْ ذلك، فأطعم الجائع، وَاسْقِ الظَّمْآنَ، وأْمُرْ بالمعروفِ (8)، وَانْهَ عن المنكرِ، فإن لم تُطقْ ذلك، فَكُفَّ لسانك إلا عن خيرٍ (9) " مختصر رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي، وتقدم بتمامه في العتق.
= وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق. (فائدة): فيه من أنواع البديع تجنيس الاشتقاق، وهو كثير. أهـ فتح ص 41 جـ 1.
(1)
التارك. قال في الفتح: وهذه الهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة. فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان. والظاهرة الفرار بالدين من الفتن. أهـ: أي حقيقة الهجرة الآن تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه مع اتباع أوامره.
(2)
تأدية الصلاة كاملة تامة حائزة الشروط في الصحة والأركان في أوقاتها.
(3)
أن تحفظ لسانك من أذى الناس.
(4)
أي إن كنت أفصحت عن غرضك باختصار وبلاغة تعبير وحسن بيان.
(5)
لقد أجدت في إظهار طلبك وأحسنت بياناً.
(6)
النسمة: النفس والروح: أي أعتق ذا روح وكل دابة فيها روح فهي نسمة، وإنما يريد الناس: ومنه حديث علي: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة": أي خلق ذات الروح. أهـ، أي ارحم وارأف.
(7)
أطلقها من الأسر وأزال أغلال حبسها ومدها بالحرية ونعمة الحياة الرغدة، قال تعالى:"فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة"(11 - 16 من سورة البلد). أي فلم يعمل في حياته ما يساعده على اجتياز منطقة الأهوال بإزالة أسر النفس الذليلة، وقد قال عمر: متى تعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحراراً.
(8)
انصح وأرشد إلى سبل الخير وامنع الناس عن ارتكاب المعاصي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
(9)
احذر النطق إلا في البر وفعل الخير والثناء والشكر.
طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته
5 -
وعن عُقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قُلتُ يا رسول الله: ما النجاةُ؟ قال: أمْسِكْ عليك لسانك، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ على خطيئتك" رواه أبو داود والترمذي وابن أبي الدنيا في العزلة، وفي الصمت والبيهقي في كتاب الزهد وغيره، كلهم من طريق عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عنه، وقال الترمذي: حديث غريب.
6 -
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبى (1) لمن مَلَكَ لسانهُ، وَوَسِعَهُ بيتهُ، وبكى على خطيئته (2) " رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسن إسناده.
7 -
ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله (3)، واليوم الآخر، وَيَشْهَدُ أني رسول الله، فَلْيَسَعْهُ بيتهُ (4)، وَلْيَبْكِ على خطيئته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً لِيَغْنَمَ (5)،
وَلْيَسَكُتْ عن شَرٍ فَيَسْلَمَ" رواه الطبراني والبيهقي في الزهد.
8 -
وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمنُ لي (6) ما بين لَحْيَيْهِ (7)، وما بين رجليه (8)
(1) قال العلقمي لفظ النهاية: طوبى اسم الجنة، وقيل هي شجرة فيها، وأصلها فُعلى من الطيب فلما ضُمت الطاء انقلبت الياء واوا، والمراد بها هنا فعلى من الطيب، لا الجنة ولا الشجرة. أهـ. وفي بعض الأحاديث تطلق، ويراد بها الجنة أو الشجرة التي فيها. وقال المناوي: طوبى تأنيث أطيب: أي راحة وطيب عيش حاصل. أهـ جامع صغير. والمعنى نعيم دائم وسعادة لمن حفظ لسانه من فحش القول ولزم داره معتكفاً عن الفتن وشرور الناس، وندم على تقصيره في طاعة الله وتاب إلى الله جل وعلا وأكثر من الصالحات.
(2)
ندم على ما اقترف من الذنوب وعمل خير.
(3)
يصدق بوجود الله وأنه سيحاسب يوم القيامة.
(4)
فليجتنب مخالطة الأشرار، وليتباعد عن السفهاء ويلازم منزله إذا رأى التفريط في حقوق الله وبدا المنكر في المجتمع.
(5)
ليحصل على ثمرة مرجوة.
(6)
يقدم ثقة وكفالة تامة.
(7)
اللسان، فلا يقول ما يغضب الرحمن.
(8)
الفرج فلا يفعل فاحشة.
أضمنُ (1) له الجنة" رواه البخاري والترمذي.
من حفظ لسانه ستر الله عورته
9 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وَقَاهُ الله شر ما بين لَحْيَيْهِ، وشر ما بين رجليه دخل الجنة (2) " رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه، ورواه ابن أبي الدنيا إلا أنه قال: من حفظ ما بين لحييه.
10 -
وعن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّ الأعمال أحَبُّ إلى الله عز وجل؟ قال: فسكتوا، فلم يُجِبْهُ أحدٌ، قال: هو حفظُ اللسان (3) " رواه أبو الشيخ بن حبان والبيهقي، وفي إسناده من لا يحضرني الآن حاله.
11 -
ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دفع غضبهُ (4) دفع الله عنه عذابهُ، ومن حفظَ لسانه ستر الله عورته" رواه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى، ولفظه قال:"من خَزَنَ لسانهُ (5) ستر الله عورته، ومن كَفَّ غضبهُ كَفَّ الله عنه عذابه، ومن اعتذر إلى الله قَبِلَ الله عُذرهُ" ورواه البيهقي مرفوعاً على أنس، ولعله الصواب.
(1) اضمن كذا (ط وع ص 239 - 2)، وفي (ط د): ضمنت، وفي الجامع الصغير من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان وأراد لازمه، وهو أداء الحق الذي عليه، فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام. وقال الداودي: المراد بما بين اللحيين الفم. قال فيتناول الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأتى من الفم من الفعل. قال: ومن تحفظ في ذلك أمن من الشر كله، لأنه لم يبق إلا السمع والبصر كذا قال، وخفي عليه أنه بقي البطش باليدين، وإنما يحمل الحديث على أن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب؛ فإذا لم ينطق إلا في خير سلم. وقال ابن بطال: دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدين لسانه وفرجه فمن وقى شرهما، وقى أعظم الشر. أهـ.
(2)
تمتع بها بلا عذاب سابق.
(3)
الله تعالى يحب من لا ينطق إلا فيما يرضى الله جل وعلا ويبتعد عن بذيء القول ورديئه.
(4)
منع الحمق وأذهب الغيظ.
(5)
صانه عن قول السخط والشتم.
من حفظ ما بين فقميه وفرجه دخل الجنة
12 -
وروى الطبراني في الصغير والأوسط عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَبْلُغُ العبدُ حقيقةَ الإيمان حتى يَخْزُنَ من لسانه".
13 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "والذي لا إله غيرهُ ما على ظهر الأرض (1) من شيء أحوج إلى طول سجنٍ (2) من لسانٍ" رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح.
14 -
وعن عطاء بن يسارٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وقاهُ الله شر اثنين وَلِجَ الجنة (3)، فقال رجلٌ: يا رسول الله ألا تُخبرنا؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتهُ، فقال الرجلُ: ألا تُخبرنا يا رسول الله؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضاً، ثم ذهب الرجلُ يقول مثل مقالته، فأسْكَتَهُ رجلٌ إلى جنبهِ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة: ما بين لَحْيَيْهِ، وما بين رجليه (4) " رواه مالك مرسلاً هكذا.
[ولج]: أي دخل الجنة.
15 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ ما بين فقميه وفرجهُ دخل الجنة" رواه أحمد والطبراني، وأبو يعلى، واللفظ له ورواته ثقات.
16 -
وفي رواية للطبراني: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثك بثنتين من فعلهما دخل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: يحفظُ الرجلُ ما بين فقميه، وما بين رجليه، والمراد بما بين فقميه: هو اللسان، وبما بين رجليه: هو الفرج".
(1) ظهر الأرض كذا (ط وع) من شيء أحوج ص 240 - 2، وفي (ن د): وجه الأرض.
(2)
حبسه وعدم استرساله في الكلام.
(3)
دخل.
(4)
ما بين لحييه وما بين رجليه ذكرت في (ع) مرة واحدة، وفي (ن ط) مرتين، وفي (ن د) ثلاث مرات.
[والفقمان]: بفتح الفاء وسكون القاف: هو اللَّحيان.
من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة
17 -
وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة" رواه الطبراني بإسناد جيد.
18 -
وعن ركبٍ المصري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن عمل بعلمهِ وأنفقَ الفضلَ (1) من مالهِ، وأمسك الفضلَ (2) من قولهِ" رواه الطبراني في حديث يأتي في التواضع إن شاء الله.
19 -
وعن سُفَيْنٍ بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: "قلتُ: يا رسول الله حدثني بأمرٍ أعتصمُ (3) به؟ قال: قُلْ ربي الله (4) ثم استقم. قال: قلتُ: يا رسول الله ما أخوفُ ما تخافُ عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه (5)، ثم قال: هذا" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
20 -
وعنه رضي الله عنه قال: "قلتُ: يا رسول الله أيُّ شيء أتقى؟ فأشارَ بيده إلى لسانه" رواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب بإسناد جيد.
21 -
وعن الحارث بن هشامٍ رضي الله عنه: "أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمرٍ أعتصم به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمْلِكْ هذا، وأشار إلى لسانه" رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد.
22 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيمُ إيمانُ (6) عبدٍ حتى يستقيم قلبهُ (7)، ولا يستقيم قلبهُ حتى يستقيم لسانهُ (8)، ولا يدخلُ الجنة رجلٌ لا يأمنُ جارهُ بوائقه (9) " رواه أحمد وابن أبي الدنيا في الصمت
(1) الزائد عن حاجات أهله، ومن تلزمه نفقته.
(2)
حبس الزائد من القول بلا فائدة، بمعنى أنه لا يتكلم إلا فيما يفيد.
(3)
أتحصن باتباعه.
(4)
آمن بالله وحده واعمل بشريعة حبيبه، ثم تحر طرق الاستقامة ونور قلبك بهديه لتنجح.
(5)
أي الذي أخشاه انزلاق لسانك، واندفاعه في اللغو والباطل والسب والغيبة.
(6)
هدايته وإصلاحه.
(7)
فؤاده الذي يعقل به ويرشده إلى الصالحات.
(8)
يقول الحق دائماً ويتجنب السوء.
(9)
معاصيه وفواحشه ودواهيه المهلكات.
كلاهما من رواية علي بن مسعدة الباهلي عن قتادة عنه.
23 -
وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأصبحتُ يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنة، ويُباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيمٍ، وإنه لِيَسيرٌ (1) على من يَسَّرَهُ الله عليه (2): تعبدُ الله، ولا تُشركُ به شيئاً، وتُقيمُ الصلاة، وتُؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيتَ، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: الصوم جُنَّةٌ (3)، والصدقةُ تُطفئ الخطيئة (4) كما يُطفئ الماء النار، وصلاةُ الرجلِ في جوف الليل شعارُ الصالحين، ثم تلا قوله: "تَتَجَافَى (5) جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ" حتى بلغ يَعْمَلُون، ثم قال: ألا أخبركَ برأس الأمر (6)،
وعموده (7)، وذروة سنامه (8)؟ قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: رأسُ الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاةُ، وذروة سنامه: الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بِمِلَاكِ ذلك كُلِّهِ. قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: كُفَّ (9) عليك هذا، وأشار إلى لسانه. قلتُ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلمُ به؟ قال: ثكلتك أمك (10)، وهل يَكُبُّ الناس (11) في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم: إلا حصائدُ ألسنتهم (12) " رواه أحمد والترمذي والنسائي
(1) لسهل.
(2)
وفقه وألهمه الصواب والحكمة.
(3)
وقاية يتحصن بها من المعاصي ويتدرع بها من ارتكاب الذنوب.
(4)
تزيل شعلتها وتخفف حدتها.
(5)
تترك. تمامها "يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".
(6)
أوله.
(7)
قوامه وعماده ودعامته.
(8)
أعلاه وأرقى جزء فيه.
(9)
احفظه.
(10)
فقدتك وصارت ثكلى إذ فقدت وحيدها.
(11)
يقلب ويرمي.
(12)
أي ما يقتطعونه من الكلام الذي لا خير فيه، مفردها حصيدة تشبيهاً بما يحصد من الزرع، وتشبيهاً للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به. أهـ. استغراب منه صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال إذ اللسان سبب كل عذاب. يريد صلى الله عليه وسلم:
(أ) توحيد الله جل وعلا في العبادة والطاعة.
(ب) أداء الصلوات في أوقاتها.
(جـ) الإنفاق في الخير وأداء الحقوق المالية والجسمية (صدقة تطهرهم).
(د) صيام رمضان. =
وابن ماجة كلهم من رواية أبي وائل عن معاذ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[قال الحافظ]: وأبووائل أدرك معاذاً بالسن، وفي سماعه عندي نظر، وكان أبو وائل بالكوفة، ومعاذ بالشام، والله أعلم. قال الدارقطني: هذا الحديث معروف من رواية شهر بن حوشب عن معاذ، وهو أشبه بالصواب على اختلاف علمه فيه كذا قال: وشهر مع ما قيل فيه لم يسمع معاذاً، ورواه البيهقي وغيره عن ميمون بن أبي شيبة عن معاذ، وميمون هذا كوفي ثقة ما أراه سمع من معاذ بل ولا أدركه، فإن أبا داود قال لم يدرك ميمون بن أبي شيبة عائشة، وعائشة تأخرت بعد معاذ من نحو ثلاثين سنة، وقال عمرو بن علي: كان يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عندنا في شيء منه يقول: سمعت ولم أخبر أن أحداً يزعم أنه سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
24 -
ورواه الطبراني مختصراً قال: "قلتُ: يا رسول الله أكُلُّ ما نتكلمُ به يُكْتَبُ علينا (1)؟ قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس (2) على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لن تزال سالماً ما سَكَتَّ (3)، فإذا تكلمت كُتبَ لك أو عليك (4) ".
25 -
ورواه أحمد وغيره عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن
= (هـ) الحج، تلك أركان الإسلام الخمسة المشهورة؛ ثم بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم فائدة الصوم: الهداية إلى الصراط المستقيم؛ والتباعد عن العصيان، والتحصن من الذنوب كما أن الصدقة تمحو أدران الخطايا وتنظف الصحائف وتجعلها نقية طاهرة بيضاء ناصعة، ومن أسلم فاز وأفلح وأدرك الخير كله، ودعامة البر الصلاة، وأشرف الأعمال الصالحة الدفاع عن دين الله ونصره والذب عنه، وثمرة ما تقدم طيب القول وحلو الحديث.
أ - قال تعالى: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه"(من سورة الزمر).
ب - "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها"(من سورة إبراهيم).
(1)
أي أجميع الذي ننطق به يحسب علينا ونثاب أو نعاقب.
(2)
يقلب على الرأس، من كببت الإناء كباً، وكببته: ألقيته على وجهه.
(أ) قال تعالى: "فكبت وجوههم في النار"(من سورة النحل).
(ب)"أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيم"(22 من سورة تبارك).
(3)
مدة سكوتك وعدم نطقك.
(4)
تعطى الثواب أو تنال العقاب.
عبد الرحمن بن غنم أن معاذاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ فقال: الصلاة (1)
بعد الصلاة المفروضة. قال: لا وَنِعِمَّا هِيَ. قال: الصوم (2) بعد صيام رمضان. قال: لا وَنِعِمَّا هيَ. قال: فالصدقةُ بعد الصدقةِ المفروضة (3)، قال: لا وَنِعِمَّا هي. قال: يا رسول الله أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: فَأَخْرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانهُ، ثم وضع إصبعهُ عليه، فاسترجع (4) معاذٌ، فقال يا رسول اله أنُؤاخذُ بما نقولُ كُلِّهِ، وَيُكْتَبُ علينا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْكِبَ (5) مُعاذٍ مراراً، فقال له: ثكلتك أمك يا معاذ بن جبلٍ وهل يَكُبُّ الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم".
26 -
وعن أسودَ بن أصْرَمَ رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله أوصني قال: تَمْلِكُ يَدَكَ (6). قلتُ: فماذا أمْلِكُ إذا لم أملكْ يدي؟ قال: تَمْلِكُ لسانك. قلت: فماذا أملكُ إذا لم أملك لساني؟ قال: لا تَبْسُطْ يدك إلا إلى خيرٍ، ولا تقل بلسانك إلا معروفاً (7) " رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن والبيهقي.
27 -
وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: "دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله إلى أن قال: قلت يا رسول الله أوصني. قال: أوصيك بتقوى (8)
الله، فإنها زَيْنٌ لأمرِكَ كُلِّهِ. قلت: يا رسول الله زدني قال: عليك بتلاوة القرآن (9) وذكر الله عز وجل (10)، فإنه ذِكْرٌ لك في السماء، ونُورٌ لك في الأرض. قلت:
(1) النوافل والركعات المسنونة والتهجد.
(2)
التطوع في صوم النفل كصوم يومي الاثنين، والخميس، والأيام الفضيلة المحبوبة كتاسوعاء وعاشوراء.
(3)
الإنفاق في وجوه البر والإحسان إلى الناس.
(4)
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. استلام لفعل الله جل وعلا وشعور خوفه.
(5)
مجتمع رأس العضد والكتف، لأنه يعتمد عليه.
(6)
لا تؤذي أحداً بيدك.
(7)
قولاً حسناً وكلاماً طيباً، يريد صلى الله عليه وسلم إلى ما يزيد الثواب: نوافل الصلاة والصوم والصدقات ويحذر من إرخاء العنان للسان، قال تعالى:"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"(17 من سورة ق).
(8)
اتباع أوامره واجتناب مناهيه.
(9)
قراءته وترتيله.
(10)
تسبيح الله وتحميده وتكبيره، والاستغفار والصلاة على النبي المختار.
يا رسول الله زدني، قال: عليك بطول الصمت (1)، فإنه مَطَردَةٌ للشيطان، وعونٌ لك على أمر دينك. قلت: زدني. قال: وإياك وكثرة الضحك، فإنه يميتُ القلب (2)، ويذهبُ بنور الوجه. قلتُ: زدني، قال: قل الحق (3)، وإن كان مُراً. قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائمٍ (4). قلتُ: زدني. قال: لِيَحْجُزْكَ (5)
عن الناس ما تعلم من نفسك" رواه أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد، وقد أملينا قطعة من هذا الحديث أطول من هذه بلفظ ابن حبان في الترهيب من الظلم، وفيها حكاية عن صحف إبراهيم عليه السلام.
28 -
وعلى العاقلِ أن يكون بصيراً بزمانه (6)، مُقبلاً على شانهِ (7) حافظاً للسانه (8)، ومن حَسِبَ كَلَامَهُ (9) من عمله قَلَّ كلامهُ إلا فيما يعنيه (10). الحديث.
(1) السكوت والرزانة والتؤدة والتروي في النطق.
(2)
يبعده عن الاتعاظ فلا يتأثر، ويجعله جامداً قاسياً لا يعمل صالحاً ولا يرتدع عن منكر ولا ينزجر عن قبيح.
(3)
الموافق للصواب والعدل.
(4)
عتب عاتب أو عقاب جبار خاسر.
(5)
ليمنعك عن غيبة الناس وأذاهم الذي تعلمه من تقصيرك وعدم تكميلك وأنك في حاجة إلى تكميل وطاعة وصحة. يشير صلى الله عليه وسلم إلى:
أ -
…
خشية الله في جميع الأحوال.
ب -
…
قراءة القرآن وذكر الله عز وجل.
جـ -
…
اعتقال اللسان وحبسه إلا في القول الحميد.
د -
…
تجنب الهزء والسخرية والازدراء.
هـ -
…
قول الحق وحبه ونصره.
و-
…
العمل لوجه الله وحده وعدم الخوف إلا منه جل وعلا.
ز -
…
الإقبال على تجميل النفس بالاستزادة في الطاعات وعدم العيب والتحلي بمكارم الأخلاق وترك الغيبة والنميمة، وفي النهاية احتجز الرجل بالإزار: إذا شده على وسطه فاستعاره للاعتصام والالتجاء والتمسك بالشيء والتعلق به، ومنه حديث "والنبي آخذ بحجزة الله" أي بسبب منه. ليحجزك كذا (د وع ص 242 - 2)، وفي (ن ط): ليحجز.
(6)
أي يعد وقته قصيراً قليلاً، فلا يضيعه في لهو ولعب ومزاح، ويجد في عمله، ويكثر من الصالحات.
(7)
موجهاً همته لإصلاح حاله.
(8)
ضابطاً لسانه عن الشر.
(9)
عد أقواله محسوبة عليه.
(10)
يهمه أمره ويفيد ويقدمه ويرقيه، فإن الثرثرة لا تجلب إلا مقتاً وضياعاً والله تعالى يكره الثرثارون المتفيهقون، ولعمر بن الوردي رحمه الله:
زيادة القول تحكي النقص في العمل
…
ومنطق المرء قد يهديه للزلل
إن اللسان صغير جرمه وله
…
حرم عظيم كما قد قيل في المثل
29 -
وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني قال: عليك بتقوى الله (1)، فإنها جماعُ كل خيرٍ، وعليك بالجهاد في سبيل الله، فإنها رهبانية المسلمين (2)، وعليك بذكر الله (3) وتلاوة كتابه، فإنه نورٌ لك (4) في الأرض، وذكرٌ لك (5) في السماء، واخْزُنْ لسانك (6) إلا من خيرٍ، فإنك بذلك تغلبُ الشيطان (7) " رواه الطبراني في الصغير وأبو الشيخ في الثواب كلاهما من رواية ليث بن أبي سليم، ورواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ أيضاً مرفوعاً عليه مختصراً.
30 -
وعن معاذٍ رضي الله عنه قال: "يا رسول الله أوصني. قال: اعْبُدِ الله كأنك تراه (8)، واعْدُدْ نفسك في الموتى (9)، وإن شئت أنبأتُكَ بما هو أمْلَكُ بك من هذا كُلِّهِ؟ قال: هذا، وأشار بيده إلى لسانه" رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد.
31 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "لقيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍ
(1) في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي "الحلال بين والحرام بين ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه". قال الله تعالى:"فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"(35 من سورة الأعراف). "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"(128 من سورة النحل). "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا"(من سورة الزمر). "واتقوا الله حق تقاته"(من سورة آل عمران). يقال اتقى فلان بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه. أهـ غريب.
(2)
غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة. والرهبة والرهب: مخافة مع تحفظ. والمعنى الدفاع عن دين الله ونصره، وجهاد الأعداء زيادة قربان من الله تعالى للمسلمين ويدل على شدة خوفهم منه جل وعلا.
(3)
تسبيحه وطاعته والإكثار من قراءة قرآنه.
(4)
هداية ونبراس يضيء لك سبل السعادة والاستقامة.
(5)
تصعد سيرتك الطاهرة وتظهر على ألسنة الملائكة المقربين الأبرار ويدعون لك بالمغفرة والرضوان.
(6)
احفظ، يقل خزن يخزن السر، من باب قتل: كتمه.
(7)
تكسر حدة الشرور وتخزيه وتبعده من الإفساد.
(8)
أي قف بذلة وخشوع وتصور أمامك ذا الجلال والإكرام الرب القادر القهار.
(9)
انتهز جودك في الدنيا، واعمل صالحاً، وأقلل من الآمال الكاذبة فإنك لا محالة ميت، ودليل قبولك حفظ لسانك عن كل باطل وسوء.
فقال: يا أبا ذرٍ ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان (1)
على الظهر وأثقلُ في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: عليك بِحُسْنِ الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائقُ بمثلهما" رواه ابن أبي الدنيا والبزار والطبراني وأبو يعلى ورواته ثقات والبيهقي بزيادة، ورواه أبو الشيخ ابن حبان من حديث أبي الدرداء قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا الدرداء ألا أنبئك بأمرين خفيفٍ مؤنتهما (2) عظيمٍ أجرهما لم تلقَ الله عز وجل بمثلهما؟ طول الصمتِ، وحُسنُ الخلق" ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً عن صفوان بن سليم مرسلاً قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن؟ الصمتُ، وحسنُ الخلق".
32 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رفعه قال: "إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تفكر (3) اللسان فتقولُ: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك، فإن
(1) العمل بهما خفيف، ولكن يجلبان حسنات جمة، هما:
(أ) التحلي بالمكارم.
(ب) التمسك بالسكوت.
وما الحسن في وجه الفتى شرف له
…
إذا لم يكن في فعله والخلائق
قال الشاعر:
تفكره علم ومنطقه حكم
…
وباطنه دين وظاهره ظرف (1)
أمات رياح اللؤم وهي عواصف
…
ومغنى (2) العلا يؤدي (3) ورسم الندى يعفو (4)
كالبدر من حيث التفت رأيته
…
يهدي إلى عينيك نوراً ثاقبا
كالبحر يقذف للقريب جواهرا
…
جوداً ويبعث للبعيد سحائبا
كالشمس في كبد السماء وضوؤها
…
يغشى البلاد مشارقا ومغاربا
الأديب المهذب الأصيد (5) الضرب (6)
…
الذاكي الجعد السرى الهمام
حسبك الله ما تضل عن الحق
…
ولا تهتدي إليك آثام
ولقد جال بفكري هذه الأبيات الشعرية فذكرتها لأستعير من صفاتها محاسن من اتصف بالخلق الحسن وطول الصمت المأخوذتين من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
(2)
تكاليفهما وثوابهما كثير.
(3)
تذكره أن يخشى الله فلا يقول هجراً.
_________
(1)
سياسة.
(2)
دار.
(3)
يهلك.
(4)
ينمي ويكثر.
(5)
الملك الرزين.
(6)
الماضي في الأمور الكريم الشريف الملك العظيم.
استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا" رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وغيرهما، وقال الترمذي: رواه غير واحد عن حماد بن زيد ولم يرفعوه قال: وهو أصح.
يا لسان قل خيراً تغنم
33 -
وعن أبي وائلٍ عن عبد الله رضي الله عنهما: "أنه ارتقى الصفا (1)، فأخذ بلسانه، فقال: يا لسانُ قل خيراً تغنم (2)، واسكت عن شرٍ تَسْلَمْ (3) من قبل أن تندم (4)، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثرُ خطأ ابن آدم في لسانه" رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.
34 -
وعن أسلمَ: "أن عمر دخل يوماً على أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما وهو يُجْبِذُ لسانهُ، فقال عمر: مَهْ، غفر الله لك، فقال له أبو بكرٍ: إن هذا أوردني شرَّ المواردِ" رواه مالك وابن أبي الدنيا والبيهقي.
35 -
وفي لفظ البيهقي قال: "إن هذا أوردني شر المواردِ. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذَرَبَ اللسان على حِدَّتِهِ".
[مَهْ]: أي اكفف عما تفعله.
[وذرب اللسان] بفتح الذال المعجمة والراء جميعاً: هو حِدَّتُهُ وَشَرُّهُ وَفُحْشُهُ.
36 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ لا يُصبنَ إلا بِعَجَبٍ (5): الصمت (6)، وهو أول العبادة (7)، والتواضعُ (8)، وذكر الله (9) عز وجل، وقِلَّةُ الشيء (10) " رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
(1) صعد الجبل الصفا.
(2)
تكسب خيراً وتجن فائدة.
(3)
تنج من الوقوع فيه.
(4)
تؤنب نفسك من الوقوع في الضرر وجلب السيئات من جراء نطقه.
(5)
أي لا توجد وتجتمع في إنسان إلا على وجه عجيب: أي قل أن تجتمع فيه.
(6)
السكوت عما لا يعني: أي ما لا ثواب فيه إلا بقدر الحاجة.
(7)
أساسها ومبناها.
(8)
أي لين الجانب للخلق لله، لا لأمر دنيوي.
(9)
لزوم الدوام عليه.
(10)
الذي ينفق منه على نفسه وممونه، فإنه لا يجامع السكوت والتواضع ولزوم الذكر، بل الغالب على المقل الشكوى، وإظهار الضجر وشغل الفكرة الصارف عن الفكر. أهـ جامع صغير. وقال الحفني: أي مع عجب ووجه العجب أن قلة الشيء الآتي يقتضي كثرة اللجاج، فكيف بجامع الصمت. أهـ ص 180
يرشدك صلى الله عليه وسلم إلى صفات أربعة عنوان الأدب ومعين المكارم ومجلب المحامد والمحاسن: =
[قال الحافظ] في إسناده العوّام، وهو ابن جويرية. قال ابن حبان: كان يروي الموضوعات، وقد عدّ هذا الحديث من مناكيره، وروي عن أنس موقوفاً عليه، وهو أشبه أخرجه أبو الشيخ في الثواب وغيره.
37 -
ورويَ أيضاً عن رهيب قال: "قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه: أربعٌ لا يجتمعن في أحدٍ من الناس إلا بعَجَبٍ" الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وأبو الشيخ وغيرهما.
38 -
ورويَ عن مجاهدٍ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "سمعته يقول: خمسٌ لهن أحسنُ من الدُّهْمِ (1) المُوقَفَةِ: لا تكلم فيما لا يعنيك (2)، فإنه فَضْلٌ، ولا آمنُ عليك الوزرَ (3)، ولا تكلم فيما يعنيك (4) حتى تجد له موضعاً، فإنه رُبَّ مُتكلم في أمرٍ يعنيهِ قد وضعهُ في غير موضعهِ فَعِيبَ، ولا تُمَارِ (5) حليماً، ولا سفيهاً، فإن الحليم يَقْلِيكَ (6)، وإن السفيهَ يُؤذيك (7)، واذكرْ أخاك إذا تَغَيَّبَ عنك بما تُحِبُّ أن يذكركَ به، وَأَعْفِهِ (8) مما تُحِبُّ أن يُعفِيكَ منه، واعمل عمل رجلٍ (9) يرى
= (أ) إطالة السكوت والرزانة والأناة والحلم والتؤدة والإتقان وعدم كثرة الكلام.
(ب) لين الجانب وخفض الجناح والبشاشة وطلاقة الوجه ونزع رداء الكبر والعجب.
(جـ) طاعة الله وعبادته وتمجيده وتسبيحه وتكبيره.
(د) الرضاع والقناعة "ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".
(1)
العدد الكثير من النوق الواقفة بذخاً وترفاً ونعيماً.
(2)
لا يهمك أمره فإنه زيادة ولغو وفضول وتطفل.
(3)
الذنب، وخشية الزلل.
(4)
ولا تكلم فيما يعنيك كذا (ط وع ص 244 - 2)، وفي (ن د): فيما لا يعنيك، وهو خطأ، والمعنى إذا تحادثت في مهام أمورك فأصب المرمى وابحث عن الإجادة واختر الموقع الذي ينجحك.
(5)
ولا تجادل ولا تخاصم، يقال ماريته: جادلته وماريته: طعنت في قوله تزييفاً للقول وتصغيراً للقائل، ولا يكون المراء إلا اعتراضاً، بخلاف الجدال، فإنه يكون ابتداء واعتراضاً، وامترى في أمره شك. أهـ مصباح، ولصلاح الصفدي:
ولا تمار سفيهاً في محاورة
…
ولا حليماً لكي تنجو من الزلل
ولا يغرنك من تبدو بشاشته
…
إليك مكراً فإن السم في العسل
(6)
يبغضك ويكرهك، وفي (ن د): يغلبك.
(7)
الجاهل المستخف بالحق، وأن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة.
(8)
اقبل عذره وارج منه الخير.
(9)
يرغب في الخير ويكره الشر. =
أنهُ مُجَازَى بالإحسانِ مأخوذٌ بالإجرام" رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً.
39 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صَمَتَ (1) نجا" رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، والطبراني، ورواته ثقات.
40 -
ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَرَّهُ أن يَسْلَمَ فليلزم الصمت" رواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وغيرهما.
41 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد ليتكلمُ بالكلمةِ ما يتبينُ فيها يَزِلُّ بها في النار (2) أبعدَ ما بين المشرقِ والمغرب" رواه البخاري ومسلم والنسائي، ورواه ابن ماجة والترمذي إلا أنهما قالا:"إن الرجل ليتكلمُ بالكلمة لا يرى بها بأساً (3) يهوي بها سبعين خريفاً (4) ".
[قوله ما يتبين فيها]: أي ما يتفكر هل هي خير أو شر؟
42 -
ورويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلمُ بالكلمة من رضوان الله تعالى (5) ما يُلقي لها بالاً (6) يرفعهُ الله بها درجاتٍ في الجنة، وإن العبدَ ليتكلمُ بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم" رواه مالك والبخاري واللفظ له، والنسائي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولفظه:
= يشير صلى الله عليه وسلم إلى نصائح خمسة أجدى من النعم والجياد المرسلة والعز المقيم:
(أ) الاجتهاد في الكلام فيما فيه فائدة خشية ضياع الوقت واكتساب الذنوب.
(ب) انتهاز فرصة النجاح للكلام.
(جـ) ترك محاربة العاقل اللبيب الفطن الأريب والأحمق المغفل القبيح.
(د) ذكر الصديق الغائب بكل ثناء طيب.
(هـ) الجري في مضمار المحسنين المجيدين المتقين الذين يخشون الله تبارك وتعالى.
(1)
سكت.
(2)
يسقط في جهنم واسعة القرار.
(3)
يلقي الكلمة بلا عناية، ويظن أنها لا تحسب عليه ويأمن أي تهمة وشدة.
(4)
سنة.
(5)
أي كلام طيب حسن بديع.
(6)
عناية وقصداً، والبال التي يكترث بها، يقال ما باليت بكذا باله: أي ما اكترثت به، قال تعالى:"كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم"(2 من سورة محمد). ويعبر عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان: خطر ببالي. أهـ.
"إن الرجل ليتكلمُ بالكلمة مايظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها سبعين خريفاً في النار" ورواه البيهقي، ولفظه:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليقولُ الكلمة لا يقولها إلا لِيُضْحِكَ (1) بها المجلس يهوي بها أبعدَ ما بين السماء والأرض، وإن الرجلَ لَيَزِلُّ عن لسانهِ أشدَّ مما يزلُّّ عن قدميه".
إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث يهوي بها سبعين خريفاً في النار
43 -
وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتحدثُ بالحديث ما يريدُ به سوءاً إلا لِيُضْحِكَ به القومَ يهوي به أبعدَ من السماء" رواه أبو الشيخ عن أبي إسرائيل عن عطية. وهو العوفيّ عنه.
44 -
وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا هل عسى رجلٌ منكم أن يتكلمَ بالكلمةِ يُضْحِكُ بها القوم فَيَسْقُطُ بها أبعد من السماء، ألا هل عسى رجلٌ منكم يتكلمُ بالكلمة يُضحِكُ بها أصحابهُ، فيسخطُ الله بها عليه لا يرضى عنه حتى يُدخِلَهُ النار" رواه أبو الشيخ أيضاً بإسناد حسن، ورواه عن علي بن زيد عن الحسن مرسلاً.
45 -
وعن بلالِ بن الحارث المُزَنِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلمُ بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغَ ما بلغت يكتبُ الله له بها رضوانهُ إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلمُ بالكلمةِ من سخطِ الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتبُ الله بها سخطهُ إلى يوم يلقاه" رواه مالك والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
46 -
وعن أمَةَ بنتِ الحكمِ الغفارية رضي الله عنه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها
(1) أي يقولها بلا قصد، وغرضه السخرية.
إلا قيدُ رُمْحٍ فيتكلمُ بالكلمة (1) فيتباعدُ منها أبعدَ من صنعاء" رواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كلاهما من رواية محمد بن إسحق.
47 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوةٌ (2) للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي" رواه الترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله
48 -
وعن مالكٍ رضي الله عنه: "بلغه أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يقول: لا تُكثروا الكلام بغير ذكر الله، فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسيَ بعيدٌ من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أربابٌ (3)، أو انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيدٌ (4)،
فإنما الناس مُبتلىً (5) ومعافىً (6)، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية" ذكره في الموطأ.
49 -
وعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ كلامِ ابن آدم عليهِ لا لهُ إلا أمرٌ بمعروفٍ أو نهيٌ عن منكرٍ، أوذكرُ الله" رواه الترمذي وابن ماجة وابن أبي الدنيا، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن يزيد بن خنيس.
[قال الحافظ]: رواته ثقات، وفي محمد بن يزيد كلام قريب لا يقدح، وهو شيخ صالح.
50 -
وعن المغيرة بن شُعبةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ينطق بسخط فتقصيه من الجنة مسافة ما بين المدينة المنورة وصنعاء باليمن بمعنى يلفظ ويقذف بعيداً.
(2)
تلهيه عن التأثر وتجعله لا ينتفع بالمواعظ ولا يفكر في عمل الصالحات، ولا يذكر صاحبه الله كثيراً.
(3)
أصحاب قدرة على شفاء هذه العيوب، وإزالة هذه الأوصاف.
(4)
طالبو إحسان من الله جل وعلا، وأذلاء له وراجون وآملون وراغبون في المغفرة والرضوان.
(5)
مصاب بأمراض: وسقيم.
(6)
ممتلئ صحة ونضارة وقوة جسم؛ فالعاقل من رأف بالمريض وشكر الله على نعمة الصحة واجتهد في طاعته سبحانه.
يقولُ: إن الله كَرِهَ لكم ثلاثاً (1): قيل وقال (2)،
وإضاعة المال (3)،
وكثرة
(1) أي الله تعالى يحاسب الإنسان على جميع ألفاظه الصادرة منه ويؤاخذه عليها إلا إذا صرفت في ثلاثة فينال من جرائها أجراً عظيماً:
(أ) النصيحة والإرشاد إلى الخير.
(ب) النهي عن المعاصي وإزالة ما يغضب الله جل وعلا.
(جـ) تسبيح الله وطاعته وتمجيده.
(2)
قال المحب الطبري: في قيل وقال ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنهما مصدران للقول، تقول قلت قولاً وقالا، والمراد في الأحاديث الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام، لأنها تئول إلى الخطأ، قال وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه.
ثانيها: إرادة حكاية أقاويل الناس، والبحث عنها ليخبر عنها فيقول قال فلان كذا وقيل كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، وإما لشيء مخصوص منه، وهو ما يكرهه المحكي عنه.
ثالثها: أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين كقوله قال فلان كذا وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك أن يكثر من ذلك بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل، وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت، ولكن يقلد من سمعه ولا يحتاط له. أهـ. قال في الفتح ويؤيد ذلك الحديث الصحيح "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع" أهـ ص 314 جـ 10
(3)
الإسراف في الإنفاق، أو الإنفاق في الحرام، وفي الفتح الأقوى: أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد، وفي تبذيره تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها، وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقاً أخروياً أهم منه.
والحاصل في كثرة الإنفاق:
(أ) إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعاً فلا شك في منعه.
(ب) إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعاً.
(جـ) إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين: أحدهما أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله فهذا ليس بإسراف، والثاني ما لا يليق به عرفاً، وهو ينقسم إلى قسمين أحدهما ما يكون لدفع مفسدة: إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف. والثاني ما لا يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف. وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال لأنه تقوم به مصلحة البدن، وهو غرض صحيح، وإذا كان في غير معصية فهو مباح له. قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال. أهـ.
قال تعالى: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً"(67 من سورة الفرقان).
وفي البخاري في باب ما ينهى عن إضاعة المال وقول الله تبارك وتعالى: "والله لا يحب الفساد". "إن الله لا يصلح عمل المفسدين". وقال تعالى: "أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء"(من سورةهود). وقال تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"(من سورة النساء).
والحجر في ذلك وما ينهى عن الخداع: وقال في الفتح: السفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره، والحجر المنع من التصرف في المال والجمهور على جواز الحجر على الكبير، ومن حجتهم حديث ابن عباس أنه كتب إليَّ نجدة وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم، فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم. أهـ ص 43 جـ 5.
السؤال (1) " رواه البخاري واللفظ له ومسلم، وأبو داود، ورواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة بنحوه.
51 -
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه" رواه أبو الشيخ في الثواب.
52 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حُسنِ إسلامِ المرء تركهُ ما لا يعنيه (2) " رواه الترمذي، وقال: حديث غريب.
[قال الحافظ]: رواته ثقات إلا قرة بن حيويل ففيه خلاف، وقال ابن عبد البر النمري هو محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات انتهى، فعلى هذا يكون إسناده حسناً لكن قال جماعة من الأئمة: الصواب أنه عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل كذا قال أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم، وهكذا رواه مالك عن الزهري عن علي بن حسين، ورواه الترمذي أيضاً عن قتيبة عن مالك به. وقال: وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، والله أعلم.
53 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "تُوفيَ رجلٌ فقال رجلٌ آخرُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسمعُ: أبْشِرْ بالجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) سؤال المال أوالسؤال عن المشكلات والمعضلات أو كثرة السؤال، وحمله بعض العلماء على أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكرهه المسئول غالباً، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود من حديث معاوية، وثبت عن جميع السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جداً، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ. أهـ. قال تعالى:"لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"(من سورة المائدة). وقال تعالى: في مدح من لا يلحف في السؤال: "لا يسألون الناس إلحافاً"(من سورة البقرة).
وفي صحيح مسلم "المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو غرم مفظع أو جائحة"، وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس "إذا سألت فاسأل الله"، وفي سنن أبي داود "إن كنت لابد سائلاً فاسأل الصالحين". قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة. قال واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث، والثاني يجوز مع الكراهة بشروط ثلاثة: أن لا يلح، ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد شرط من ذلك حرم أهـ.
(2)
في الذي لا يهمه، وفي الجامع الصغير: أي خوفاً من الوقوع في الإثم لا ينطق إلا بما له فيه الثواب في شرح قوله صلى الله عليه وسلم "من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه".
أولا تدري (1)؟ فلعله تكلمَ فيما لا يعنيه (2) أو بَخِلَ بما لا ينقصه (3) " رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
[قال الحافظ]: رواته ثقات.
54 -
وروى ابن أبي الدنيا، وأبو يعلى عن أنسٍ أيضاً رضي الله عنه قال:"استشهد رجلٌ منا يوم أحد (4) فوجد على بطنه صخرةٌ مربوطةٌ من الجوع فمسحتْ أمهُ التراب عن وجهه، وقالت: هنيئاً لك يا بُنَيَّ الجنةُ (5)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يُدْريكِ (6)؟ لعلهُ كان يتكلمُ فيما لا يعنيه، ويمنعُ ما لا يَضُرُّهُ (7) ".
55 -
وروى أبو يعلى أيضاً والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قُتِلَ رجلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً، فَبَكتْ عليه باكيةٌ، فقالت: وَا شهيداهُ، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يُدريكِ أنه شهيدٌ؟ لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، أو يبخلُ بما لا ينقصه (8) ".
56 -
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: "أن امرأةً كانت عند عائشة، ومعها نسوةٌ، فقالت امرأةٌ منهن: والله لأدخُلَنَّ الجنة، فقد أسلمتُ، وما سرقتُ، وما زَنَيْتُ، فَأُتِيَتْ في المنامِ، فقيل لها: أنتِ المُتَألِّيَةُ (9) لَتَدْخُلِنَّ الجنة؟ كيف وأنتِ تَبْخَلينَ (10)
بما
(1) أتقول ولا تعلم.
(2)
في الأمور التي تشغله ولا تهمه.
(3)
كان غنياً ولم ينفق، وشح في إخراج حقوق الله ومنع الزكاة التي تنمي ماله.
(4)
غزوة خرج فيها المشركون والكفار نحو ثلاثة آلاف مقاتل منهم سبعمائة دارع، وفي المسلمين مائة، وفرسان فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي برة وقاتل المسلمون واشتد القتال.
(5)
أبشر بالجنة.
(6)
ما يعلمك، أكان ثرثارا كثيرا القول واللغو؟
(7)
لا يصد عنه ما يؤذيه: أي أنه غير شجاع وغير كريم، وأقواله لا فائدة فيها ويتتبع أخبار الناس وينصت إلى ما لا يهمه.
(8)
يضن بالذي لا يجعله فقيراً محتاجاً: أي أنه بخيل شحيح مناع للخير معتد أثيم. لم ينفعه هذا الاستشهاد، والدفاع عن الدين، لأنه لم يصمت ولم يعمل بآداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاليمه، ويمكن أن دفاعه كان لغير الله تعالى وجهاده هذا يقصد به دنيا أي لعلة.
(9)
الحاكمة على الله الذي يحلف به، من الألية أي اليمين، يقال آلى يولي إيلاء وتألى يتألى تألياً، ومنه "ويل للمتألين من أمتي" يعني الذين يحكمون على الله.
(10)
على أي حال تمنعين الخير وتشحين في إخراج القليل الواجب، قليلة الإنفاق؟ =
لا يُغْنِيكِ، وتتكلمينَ فيما لا يَعْنيكِ، فلما أصبحت المرأةُ دخلت على عائشة، فأخبرتها
= فضائل الصمت كما بَيَّنَها صلى الله عليه وسلم في أحاديثه:
أولاً: يعد الصامت من أفاضل المسلمين.
ثانياً: يدخل الجنة من لم يؤذ مسلماً بقول ولا فعل.
ثالثاً: يكسب محبة الله، ويدفع غضبه ويسبب الستر ويبعد الفضيحة.
رابعاً: يوصل إلى حقيقة الإيمان.
خامساً: يعد الصامت من أصحاب العزيمة القوية والإرادة الصارمة والهمة السامية.
سادساً: الصامت في ظل الله وينضر وجهه وتشرق طلعته، والثرثار يكب على وجهه في النار.
سابعاً: الصامت العامل بسنة خير الخلق صلى الله عليه وسلم بعيد منه الشيطان قريب من رضا الرحمن.
ثامناً: يسلم الساكت من الأخطاء ويفر من الذنوب بصمته ولا يرد مواطن السوء بكلامه.
تاسعاً: يكسو الصامت المهابة والرزانة والوقار "يصبن بعجب".
عاشراً: ينجو الساكت من كل معصية ولا يهوي من سقطاته.
الحادي عشر: يبعد الساكت من اللغو والرفث والفسوق "أكثر الناس ذنوباً".
الثاني عشر: يضيع الكلام الكثير الحسنات، ودرجة الجهاد تمحوها لفظة من سخط الله تعالى "الشهداء".
قال ابن المقري:
زيادة القول تحكي النقص في العمل
…
ومنطق المرء قد يهديه للزلل
فكم ندمت على ما كنت فهت به
…
وما ندمت على ما لم تكن تقل
وأضيق الأمر أمر لم تجد معه
…
فتى يعينك أو يهديك للسبل
عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة
…
كعفة الخود لا تغني عن الرجل
إن المشاور إما صائب غرضا
…
أو مخطئ غير منسوب إلى الخطل
لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به
…
فالنحل وهو ذباب طيب العسل
بيان آفات اللسان كما في إحياء علوم الدين:
أولاً: الكلام فيما لا يعنيك.
ثانياً: فضول الكلام أي الزيادة على قدر الحاجة قال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس"(من سورة النساء).
ثالثاً: الخوض في الباطل: أي الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق، وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المكروهة وأحوالهم المذمومة. قال صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل ليتكلم بالكلمة".
رابعاً: المراء والجدل. قال مالك بن أنس رحمه الله: المراء يقسي القلوب ويورث الضغائن، والمراء طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير، وإظهار مزية الكياسة. والجدال عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها.
خامساً: الخصومة أي لجاج في الكلام ليستوفي به مال أو حق مقصود، وذلك تارة يكون ابتداءً أو اعتراضاً، والمراء لا يكون إلا باعتراض على كلام سبق. =
بما رأت، وقالت: اجمعي النسوة اللاتي كُنَّ عندك حين قلتُ ما قلتُ، فأرسلتْ إليهنَّ عائشة رضي الله عنها فَجِئنّ فحدثتهن المرأة بما رأت في المنام". رواه البيهقي.
= سادساً: التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات والمقدمات وما جرت به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة "الثرثارون المتفيهقون".
سابعاً: الفحش والسب وبذاءة اللسان ومصدره الخبث واللؤم.
ثامناً: اللعن إما لحيوان أو إنسان أو جماد.
تاسعاً: الغناء والشعر: أي اللذان فيهما مستكره وكذب.
عاشراً: المزاح.
الحادي عشر: السخرة والاستهزاء: أي الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء.
الثاني عشر: إفشاء السر.
الثالث عشر: الوعد الكاذب، فإن اللسان سباق إلى الوعد، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد خلفاً، وذلك من أمارات النفاق قال الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"(من سورة المائدة).
الرابع عشر: الكذب في القول واليمين، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. أهـ ص 116 جـ 3
ولأبي العتاهية:
اسلك بني مناهج السادات
…
وتخلقن بأشرف العادات
لا تلهينك عن معادك لذة
…
تفنى وتورث دائم الحسرات
إن السعيد غداً زهيد قانع
…
عبد الإله بأخلص النيات
أقم الصلاة لوقتها بشروطها
…
فمن الضلال تفاوت الميقات
وإذا اتسعت برزق ربك فاجعلن
…
منه الأجل لأوجه الصدقات
في الأقربين وفي الأباعد تارة
…
إن الزكاة قرينة الصلوات
وارع الجوار لأهله متورعاً
…
بقضاء ما طلبوا من الحاجات
واخفض جناحك إن منحت إمارة
…
وارغب بنفسك عن ردى اللذات
وللعميد الطغرائي:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل
…
وحلية الفضل زانتني لدى العطل
حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت
…
بشدة البأس منه رقة الغزل
حلو الكلام كأن رجع حديثه
…
در يساقطه إليك لسانه
وقال ابن السكيت:
يصاب الفتى من عثرة بلسانه
…
وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته بالقول تذهب رأسه
…
وعثرته بالرجل تبرى على مهل
ولزهير بن أبي سلمى:
وكائن ترى من صامت لك معجب
…
زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
…
ولم يبق إلا صورة اللحم والدم
أي اللسان أهم جوارح الإنسان نفعاً إذا صلح وأعظمها ضرراً إذا فسد "المرء بأصغريه قلبه ولسانه". =