الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2862 -
(6647) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ". قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ! مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ذَاكِراً وَلَا آثِراً.
(ما حلفت بها منذ سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذاكراً ولا آثراً): هذا منه رضي الله عنه مبالغةٌ في الاحتياط، وأن لا يُجرى على اللسان ما صورتُه (1) صورةُ الممتنع شرعاً.
* * *
باب: مَنْ حَلَفَ بِملَّةِ سِوَى الإِسْلَامِ
2863 -
(6652) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلَامِ، فَهْوَ كَمَا قَالَ، قَالَ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِناً بِكُفْرٍ، فَهْوَ كَقَتْلِهِ"
(ولعنه (2) كقتله): قد تقدّم فيه عن الطبري ما علمته.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: فيه سؤال، وهو أن يقال: إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا، أو في (3) أحكام الآخرة، لا سبيلَ إلى الأول؛ لأن قتلَه يوجب القصاصَ، ولعنه لا يوجبُ ذلك، وأما أحكام الآخرة، فإما أن
(1)"صورته" ليست في "ع" و"ج"، وفي "م":"ما صور به صورته".
(2)
في المتن: "ولعنُ المؤمِن".
(3)
في "ج": "وفي".
يراد: التساوي في الإثم، أو في العقاب، وكلاهما مُشْكِل؛ لأن الإثم يتفاوتُ بتفاوتِ مفسدةِ الفعل، وليسَ إذهابُ الروح في المفسدةِ كمفسدةِ الأذى باللعنة (1)، وكذلك العقابُ يتفاوت بحسب تفاوتِ الجرائم، قال الله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، وذلك دليلٌ على التفاوت في العقاب والثواب بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد؛ فإن الخيراتِ مصالحُ، والمفاسدَ شرورٌ.
قال القاضي عياض: قال الإمام - يعني: المازري -: الظاهرُ من الحديث تشبيهُه في الإثم، وهو تشبيهٌ واقع؛ لأن اللعنةَ قطعٌ عن الرحمة، والموتَ قطعٌ عن التصرف.
قال القاضي: وقيل: لعنُه يقتضي قصدَ إخراجه من المسلمين، ومنعَهم منافعَه، وتكثيرَ عددهم به، كما لو قتله، وقيل: لعنُه يقتضي قطعَ منافعه الأُخروية عنه (2)، وبُعدَه بإجابة لعنِه، وهو كمن قُتل (3) في الدنيا، وقُطعت عنه منافعُه (4) فيها، وقيل: معناه: استواؤهما في التحريم (5).
وأقول: هذا يحتاج إلى تخليص ونظر.
أما ما حكاه عن الإمام؛ من أن الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم،
(1) في "ع" و"ج": "باللعن".
(2)
في "ع" و"ج": "وقيل: لعنه يقتضي قصدَ إخراجه من المسلمين، ومنعهم منافعه الأخروية عنه".
(3)
في "ج": "لعن".
(4)
في "ج": "منفعة".
(5)
انظر: "المعلم" للمازري (1/ 306)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 390).
وكذلك ما حكاه من أن معناه: استواؤها في التحريم، فهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يقع التشبيهُ والاستواءُ في أصل التحريم والإثم.
والثاني: أن يقع في مقدار الإثم.
فأمَّا الأوّل: فلا ينبغي أن يُحمل عليه؛ لأن كل معصية قلّت أو عَظُمت فهي مشابهةٌ ومساوية للقتل في أصل التحريم، ولا يبقى في الحديث كبيرُ فائدة، مع أن المفهوم منه (1) تعظيمُ أمرِ اللعنة بتشبيهها بالقتل.
وأما الثاني: فقد بَيَّنَّا ما فيه من الإشكال؛ وهو التفاوتُ في المفسدة بين إزهاق الروح، وبين (2) الأذى باللعنة.
وأما ما حكاه عن الإمام، من أن اللعنةَ قطعُ الرحمة، والموتَ قطعُ التصرف، فالكلام عليه من وجهين:
أحدهما: أن تقول: اللعنةُ قد تُطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعلُ الله، وعلى هذا يقع فيه التشبيه.
والثاني: أن تُطلق اللعنة على فعل اللاعنِ (3)، وهو طلبُه لذلك الإبعاد، فقوله: لعنه الله - مثلًا - ليس يقطع عن الرحمة بنفسه ما لم تتصلْ به إجابة، فيكون حينئذ سبباً إلى قطع التصرف، ويكون نظيره التسبب إلى القتل، غير أنهما يفترقان في أن التسبب (4) إلى القتل بمباشرة مقدمات
(1) في "م": "من".
(2)
في "ع" و"ج": "بين".
(3)
"اللاعن" ليست في "ع" و"ج".
(4)
في "ع": "أن السبب".
تفضي إلى الموت بمطَّرِد العادة، فلو كانت مباشرةُ اللعنة مقتضيةً إلى الإبعاد الذي هو اللعن دائماً، لاستوى اللعنُ مع مباشرةِ مقدماتِ القتل، أو زاد عليه.
وبهذا يتبين لك الإيرادُ على ما حكاه القاضي: من أن لَعْنَهُ له يقتضي قصدَ إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتلَه؛ فإن قصدَ إخراجه لا يستلزمُ إخراجَه، كما تستلزم مقدماتُ القتل، وكذلك أيضاً ما حكاه من أن لعنه يقتضي قطعَ منافعه الأُخروية عنه، إنما يحصلُ ذلك بإجابة الدعوة، وقد لا تُجاب في كثير من الأوقات، فلا يحصلُ انقطاعُه عن منافعه كما يحصل بقتلِه، ولا استواء القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدمات القتل المفضيةِ إليه في مطَّرِدِ العادة.
والذي يمكن أن يقرر به ظاهرُ الحديث في استوائهما في الإثم.
ثم (1) إنا نقول: لا نسلم أن مفسدة اللعنة مجرد (2) أذاه، بل فيها مع ذلك تعريضُه لإجابة الدعوة فيه بموافقة ساعة (3) لا يُسأل اللهُ فيها شيئاً إِلَّا أعطاه، كما دلَّ عليه الحديث من قوله عليه السلام:"لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ (4) لا تُوَافِقُوا سَاعَةً"، الحديث (5).
وإذا عَرَّضَه باللعنة لذلك، ووقعتِ الإجابة، وإبعادُه من رحمة الله، كان ذلك أعظمَ من قتله؛ لأن القتلَ تفويتُ الحياةِ الفانيةِ قطعاً، والإبعادُ من
(1)"ثم" ليست في "ع" و"ج".
(2)
في "م": "مفسدة مجردة".
(3)
"ساعة" ليست في "ع".
(4)
"أموالكم" ليست في "ج".
(5)
رواه مسلم (3006) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.