الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وقع في "الإفهام" ما يدفع هذا التوهيم، ففيه في تفسير المبهم في قوله: فقال رجل من القوم: اللهمَّ العنه ما نَصُّه: هذا الرَّجل مسمًّى في رواية البيهقي، وهو عمرُ بنُ الخطاب راوي الحديث رضي الله عنه، أخرجه عن عبد الحميد بنِ جعفرٍ، عن أبيه، عن جده، في قصة خيبر، وقال: خرجَ في حصنِ الصَّعْبِ بنِ مُعاذٍ مالٌ وزِقاقُ خمر، فأهريقت، وعمدَ يومئذ رجلٌ من المسلمين، فشرب من ذلك الخمر، فرُفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكره حين رُفع إليه، فخفَقَه بنعله، وأمر من حَضَرَ، فخفقوه بنعالهم، وكان يقال له: عبد الله الحمار، وكان رجلاً لا يصبر عن الشراب، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، فقال عمر: اللهمَّ العنه، ما أكثرَ ما يُضرب! فقال رسول (1) الله صلى الله عليه وسلم:"لا تَفْعَلْ يا عُمَرُ (2)؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ"(3).
* * *
باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]
(4)
(باب: قول الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}): يتعلّق بهذه الآية بحثٌ أصولي رأيتُ أن أذكره هنا، وذلك أن خصوصَ السبب لا يُخَصِّصُ عمومَ اللفظ، ومن الناس من أطلقَ الكلامَ في هذه المسألة؛ كالبيضاوي،
(1) في "ج": "يا رسول".
(2)
"يا عمر" ليست في "ع" و"ج".
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 103).
(4)
قدَّم المؤلف رحمه الله الكلام عن هذا الباب، وحقه أن يكون بعد باب: كراهية الشفاعة.
والحقُّ التفصيلُ، وهو أن الخطاب إمّا أن يكون جواباً لسؤال سائل، أو لا، فإن كان جواباً، فإما أن يَستقلَّ بنفسه، أو لا، فإن لم يستقل، فلا خلاف أنه على حسب السؤال، إن عامّاً، فعامٌّ، وإن خاصّاً، فخاصٌّ، وإن استقل (1)، فهو أقسام؛ لأنه إما أن يكون أخصَّ، أو مساوياً، أو أعمَّ، فالأخصُّ مثلُ قول القائل: من جامعَ في نهار رمضانَ، فعليه ما على المظاهر، في جوابِ مَنْ سأله عَمَّنْ أفطرَ في نهار رمضان.
قيل: وهذا جائز بشروط:
أحدُها: أن يكون فيما خرجَ من الجواب تنبيهٌ على ما لم يخرجْ منه.
الثاني: أن يكون السائل مجتهداً، وإلا لم يُفِدْ.
التنبيه الثالث: أن لا تفوت المصلحةُ باشتغال السائل بالاجتهاد.
وأما المساوي، فظاهر.
وأما الأعَمُّ، فهو منقسم إلى قسمين؛ لأنه إما أن يكون أعمَّ فيما سُئل عنه؛ كقوله عليه السلام لما سئل عن ماء بئر بضاعة:"إِنَّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" رواه أبو داود، والترمذي (2).
وإما أن يكون عاماً في غير ما سُئل عنه؛ كقوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن التوضؤ بماء البحر: "هُوَ (3) الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُه"(4)، وحكم هذا القسم: التعميمُ بالنسبة إلى ما سُئل عنه، وإلى غيره، من غير خلاف.
(1) في "ع": "وإن اشتغل".
(2)
رواه أبو داود (67)، والترمذي (66) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
"البحر هو" ليست في "ع" و"ج".
(4)
رواه أبو داود (83)، والترمذي (69) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما القسم الأول، فقد جعلوه من محل الخلاف.
قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله: الذي يتجه القطعُ بأن العبرةَ بعمومِ اللفظ؛ لأن عدولَ المجيب عن الخاص المسؤولِ عنه (1) إلى العام، دليلٌ على إرادة العموم.
وأما الخطاب الذي لا يَرِدُ جواباً لسؤال سائل، بل وردَ بسبب (2) واقعةٍ وقعت، فإما أن يرد في اللفظ قرينةٌ تُشعر؛ كقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38]، والسبب: رجلٌ سرقَ رداءَ صفوان، فالإتيانُ بالسارقة معه قرينةٌ تدلُّ على عدم الاقتصار على المعهود، وكذلك العدول عن الإفراد إلى الجمع (3)؛ كما في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، نزلت في عثمانَ بنِ طلحةَ، أخذَ مفتاحَ الكعبة، وتَغَيَّبَ به، وأبى أن يدفعَه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن علياً رضي الله عنه أخذه منه، وأبى أن يدفعه إليه، فنزلت، فأعطاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إياه، وقال:"خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ مُخَلَّدَةً فِيكُمْ، لا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ"(4).
وإن لم يكن ثَمَّ قرينةٌ، فمقتضى كلامهم الحملُ على المعهود، إِلَّا أن يُفهم من نفسِ الشرعِ تأسيسُ قاعدة، فيكون دليلًا على العموم؛ وإن كان العمومُ لفظاً آخر، فحسنٌ أن يكون ذلك محلَّ الخلاف (5).
(1) في "ج": "عن خلاف".
(2)
في "ع" و"ج": "سبب".
(3)
"إلى الجمع" ليست في "ع".
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11234)، وفي "المعجم الأوسط"(488) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
انظر: "الإبهاج" للسبكي (2/ 183).