الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسن الخلق مع الله عز وجل يقبل هذا التكليف، أو بعبارة أخرى: يقبل هذا التشريف، فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة، فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة، لكن سيئ الخلق مع الله يقابل مثل هذه العبادة بالضجر والكراهية، ولولا أنه يخشى من أمر لا تحمد عقباه، لكان لا يلتزم بالصيام (1).
قلت: وعلى هذا يقاس الحج والزكاة والصلاة وتحريم الربا ونحو ذلك، فحسن الأدب مع الله سبحانه التسليم المطلق لآيات الله وأحكامه، بأن يؤمن بأن ما جاء عن الله سبحانه وتعالى فيه الحكمة والعلم، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب: 36]، ثم بعد القبول التنفيذ والتطبيق.
ومنتهى سوء الأدب أن يظن العبد في نفسه العلم، وفي ربه الجهل، أو في نفسه الصواب وفي ربه الخطأ.
3 -
تلقي أقدار الله تعالى بالرضا والصبر:
المسلم العاقل يتلقى أقدار الله بالرضا والصبر، فالمرض مثلًا لا يلائم الإنسان، فالإنسان يحبُّ أن يكون صحيحًا مُعَافى، وكذلك الفقر لا يلائم الإنسان، فالإنسان يحب أن يكون غنيًّا، وكذلك الجهل لا يلائم الإنسان، فالإنسان يحب أن يكون عالمًا، لكن أقدار الله عز وجل تتنوع لحكمة يعلمها الله سبحانه، منها ما يلائم الإنسان ويستريح له بمقتضى طبيعته، ومنها ما لا
(1)"المصدر السابق"(276).
يكون كذلك، فما هو حسن مع الله عز وجل نحو أقدار الله، فهو حسن مع الخلق نحو أقداره سبحانه: أن ترضى بما قدر الله لك، وأن تطمئن إليه، وأن تعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر (1).
قلت: كثيرًا ما يُسأل النَّاس عن أمانيهم في الحياة؟
فإن كان أحدهم فقيرًا معدمًا، لتمنى أن يعيش غنيًا منعمًا، وإن كان مريضًا شل المرض حركته، لتمنى العافية والشفاء، وإن كان طالبًا لتمنى الإجازة العلمية، ثم العمل المرموق.
فالأدب مع الله تلقي أقدار الله تعالى بالرضى والصبر، والرضى: يعني سرور النفس بما يصيب الإنسان من خير أو شر، أو حلو أو مر، أو يفوته من الله سبحانه.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)} [البقرة: 155].
فالابتلاءات كثيرة، هذا بالمرض، وهذا بالموت، وذاك بالجوع، وآخر بالمصائب، وفلانة بحرمان الزوج، وآخر بالعقم.
هذا يسعى ويعلم ولده، ويكدح في توفير العمل المناسب له، ثم يسقط الولد يوم العمل ميتًا.
وذاك يسعى ويكدح لتتخرج ابنته طبيبة، وفي يوم فرحتها بالشهادة، تأتي مركبة مسرعة فتصطدم بها وتموت.
(1) ينظر كتاب "مكارم الأخلاق" للعلامة ابن عثيمين (278) بتصرف.