الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك" (1).
قال القاضى عياض رحمه الله: "وأما نصيحةُ المسلمينَ لهُ بعد وفاتهِ فالتزامُ التَّوقيرِ والإجلالِ، وشدَّةُ المحبَّةِ له، والمثابَرَةُ على تعلمِ سنتهِ، والتفقهُ في شريعتِهِ، ومحبةُ آل بيتهِ وأصحابهِ، ومجانبَةُ من رغِبَ عن سنتهِ وانحرَفَ عنها، وبُغضُهُ والتَّحذيرُ منهُ، والشفقةُ على أُمتهِ، والبحثُ عن تَعَرفِ أخلاقِهِ وسيرهِ وآدابِهِ، والصبرُ على ذَلكَ"(2).
5 - توقيره صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإجلال شخصه
.
وقال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)} [الفتح8: 9].
قلت: وبسط الحليمي رحمه الله في بيان الفرق بين المحبة والتعظيم فقال:
(1)"صحيح مسلم بشرح النووي"(2/ 38).
(2)
"الشفا"(2/ 33).
"وهو باب في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره
…
، وهذِه منزلة فوق المحبة؛ لأنه ليس كل محب معظمًا، ألا ترى أن الوالد يحب ولده فيجمع بين التكريم والتعظيم، والسيد قد يحب مماليكه ولكن لا يعظمهم، والمماليك يحبون ساداتهم ويعظمونهم، فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبة فوق المحبة
…
، وإذا كان هذا هكذا فما بين العبد وسيده، والوالد وولده، فمعلوم أن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم والإماء على أولادهم؛ لأن الله تعالى أنقذنا من النار في الآخرة، وعصم به أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلنا وأولادنا في العاجلة، فهذا إثابة لما أطعناه فيه إلى جنات النعيم، فأية نعمة توازي هذِه النعمة؟ وأية منه إلى هذا الشيء؟ ثم إنه عز وجل ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة، فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة؟ وأي درجة؟ فحق علينا القول إذًا أن نحبه ونجله ونعظمه أكثر من إجلال كل عبد سيده، وكل ولد والده" (1).
والتوقير: يعني الإجلال والإكرام، والتشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه أي النبي صلى الله عليه وسلم تعظموه وتفخموه (2).
والمراد بالتعظيم عند الإطلاق كل ما سبق، وفي اللغة، ولفلان عظمةٌ عند الناس، أي حُرمه يُعظمُ لها (3).
(1)"المنهاج في شعب الإيمان"(2/ 124).
(2)
"الصارم المسلول"(422).
(3)
"لسان العرب"(2/ 2675).
قلت: ومن أمثلة التوقير والتقدير والإجلال عند الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعًا- ما يلي:
1 -
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في حديث إسلامه وفيه: "وَمَا كَانَ أَحَدٌ أحبَّ إِلَيَّ من رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَجَلَّ فِي عَينِي مِنهُ. وَمَا كنتُ أُطِيقُ أن أَملأَ عَينَيَّ مِنهُ إِجلالًا لَهُ. وَلَو سئلتُ أن أَصِفَهُ مَا أَطَقتُ، لأني لَم أَكُن أَملأُ عَينَيَّ مِنهُ"(1).
2 -
عن المِسوَرِ بنِ مَخرَمة ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية، وفيه أن عروة بن مسعود جَعلَ يَرمُقُ أصحابَ النبَّيِّ صلى الله عليه وسلم بعَينَيهِ، قال: فوَاللهِ ما تَنَخمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُخامةً إِلا وَقعَت في كفِّ رجُلٍ منهم، فدَلكَ بها وَجهَهُ وجِلدَه، وإِذا أمرَهُم ابتَدَرُوا أمرَه، وإذا تَوَضأ كادُوا يَقتَتِلونَ على وَضُوئِه، وإِذا تَكلموا خَفَضوا أصواتَهم عندَه، وما يُحِدُّونَ إِليهِ النظرَ تَعظيمًا لهُ.
فرجعَ عُروةُ إِلى أصحابهِ فقال: أي قَومٍ، والله لقَد وفَدتُ علي المُلوكِ، ووَفدتُ على قَيصَرَ وكِسرَى والنجاشيّ، واللهِ إِن رأيتُ مَليكًا قطُّ يُعظِّمهُ أصحابهُ ما يعظم أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم محمدًا، واللهِ إن يَتنَخَّمُ نُخامةً إِلا وَقَعَت في كف رجُلٍ منهم فدَلَكَ بها وَجهَه وجِلده، وإذا أمرَهم ابتَدروا أمرَه، وإذا تَوَضأ كادوا يَقتَتِلونَ على وَضوئِه، وإِذا تكلموا خَفَضوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدونَ إليهِ النظرَ تَعظيمًا له (2).
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (121).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الشروط (2731 - فتح).