الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
من معاني التدبر
ومن معاني التدبر النظر في العواقب:
أخي القارئ -رعاك الله- تعال معي نتأمل التطبيق العملي للتدبر عند النبي صلى الله عليه وسلم وأثره على حياته، ثم شيئًا من فعل السلف، والطريقة المحمودة في القراءة.
أولًا: التطبيق العملي للتدبر عند النبي صلى الله عليه وسلم
-:
1 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قال: قال أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ قَد شِبتَ؟ قال: "شَيَّبَتنِى هُودٌ، وَالوَاقِعَةُ، وَالمُرسَلاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذا الشمسُ كُورَت"(1).
واشتملت هذه السور على بيان مصارع الأقوام الذين كذبوا بالرسل، وفيها نهاية قوم هود، ونوح، وقوم شعيب، وصالح عليهم السلام، وفيها عقاب الله للقرى الظالمة، وفيها بيان ما عليه يوم القيامة من الأهوال {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)} [المزمل: 17].
(1) صحيح. أخرجه الترمذي (3297) في كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة الواقعة، وصححه العلامة الألباني في "صحيح الجامع"(3723)، وينظر (صحيح الجامع) أيضاً الأرقام التالية (3720، 3721، 3722).
وفيها من التوجيهات والأوامر للنبي صلى الله عليه وسلم تصريحًا وتلميحًا، مع الحذر من سلوك قريش المشين وإيذائها للنبي صلى الله عليه وسلم.
كقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)} [هود: 12].
أي فلعلك -لعظم ما تراه منهم من الكفر بنعم الله والتكذيب لآياته، واقتراح الآيات التي يقترحونها عليك على حسب هواهم وتعنتهم- تارك بعض ما أنزله عليك وأمرك بتبليغه مما يشق عليهم سماعه أو العمل به، أي: لا يمكن منك ذلك، بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك، سواء أحبوا ذلك أو كرهوه (1).
وقوله سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)} [هود: 35].
وهكذا تسلسلت الآيات في بيان إيذاء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه افترى الأخبار الكاذبة، والحق أنها من عند الله سبحانه؛ لأنها غيب لا علم لأحد بها سوى الله تعالى، من أخبار الأمم السابقة، سواء القائم منها بمبانيها أم التي خربت وسقطت وبادت.
وقال سبحانه: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)} [هود: 49].
وقوله سبحانه: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)} [هود: 100].
(1)"زبدة التفسير"(222).
وهذه عبر ومواعظ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)} [هود: 103].
وهكذا يستمر التوجيه الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر سورة هود بالحث على إقامة الصلاة، والصبر والاستقامة، فما تلك البراهين من أخبار الأمم السابقة إلا موعظة لكل متعظ، وذكرى لكل متذكر.
وأما سورة الواقعة، والمُرسَلاتُ، وعَم يَتَسَاءَلُونَ، وإِذَا الشمسُ كُورَت فالغالب عليها أحداث يوم القيامة التي تتحرك لها القلوب اليقظة.
2 -
عن أَبي ذر رضي الله عنه قال: قَامَ النبِيّ صلى الله عليه وسلم حَتى إِذَا أَصبَحَ بِآيَةِ، وَالآيَةُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 118] (1).
3 -
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبِيّ صلى الله عليه وسلم: "اقرَأ عَلَيَّ". قُلتُ: أقرَأُ عَلَيكَ وَعَلَيكَ أُنزِلَ؟ قَالَ: "فَإني أُحِب أَن أَسمعَهُ من غيرِي"، فَقَرَأتُ عَلَيهِ سُورَةَ النسَاءِ حَتى بَلَغتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} [النساء: 41] قَالَ: "أَمسِك" ، فَإِذا عَينَاهُ تَذرِفَانِ (2).
4 -
عن مُعاذ بن عبد اللهِ الجُهَنِيِّ أَن رَجُلًا من جُهَينَةَ أَخبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقرَأُ فِي الصبحِ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} فِي الركعَتَينِ كِلتَيهِمَا، فَلا أَدرِي
(1) حسن. تقدم تخريجه، وأخرجه النسائي فى "السنن الصغرى"(1010)، وفي الكبرى (1083). وقال البوصيري (1/ 437) في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وحسنه العلامة الألباني في "صحيح النسائي"(966).
(2)
أخرجه البخاري (4582 - فتح) في كتاب التفسير، باب: فَكَيفَ إِذَا جِئنَا من كل أُمةِ بِشَهِيدٍ.