الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: العَمل الصالح:
العمل لغة: المهنة والفعل.
أما في الاصطلاح: هو العمل المراعى من الخلل (1).
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
دائرة العمل الصالح واسعة جداً، وجولة فقط في بعض أركان الإسلام تُرِي العاقل الآثار العظيمة في تزكية النفس، فبقدر عقل الإنسان تكون عبادته، وتأمل قول الفجار كما في القرآن الكريم:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} [الملك: 10].
فالصلاة مثلًا تحمل العاقل على البعد عن الفحشاء والمنكر، وتزيد المرء خشوعًا، وتربطه بالخالق، وتحمله على أداء حقوق الغير.
قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا خير فيها هي من أهل النار".
قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار (قطع من الأقط، وهو لبن جامد) ولا تؤذي أحدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هِيَ مِن أَهلِ الجَنَّة"(2).
(1)"التوقيت على مهمات التعاريف"(527).
(2)
صحيح. أخرجه أحمد (2/ 440) والبخاري في "الأدب المفرد"(119) والحاكم في "المستدرك"(4/ 166)، وصححه، ووافقه الذهبي.
وليس هذا فحسب، حتى القادم لها أن يتخلق بالسكينة وهي التأني في الحركة وعدم العجلة، والوقار في الهيئة بخفض الصوت وغض البصر ونحوهما.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أُقِيَمتِ الصلاة، فلا تَأتوهَا تَسعَونَ، وأتُوها وأنتم تمشُونَ، وعليكُمُ السَّكينةُ، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتَكُم فَأتِموا"(1).
والزكاة أُخِذَ اسمها من الزكاء، وهو النماء والطهارة والبركة، والقيام بها تحمل صاحبها على تطهير النفس من الشح والبخل، وتدفع به إلى أبواب الرحمة ومعونة المحتاجين، وتزرع في القلب الصفاء، وترفع منه التعالي على الناس.
قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 264].
وقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
والصيام هو أحد أركان الإسلام، والحكمة من مشروعيته الوصول إلى
(1) أخرجه البخاري (908. فتح)، ومسلم (602) في كتاب المساجد، وانظر "صحيح الجامع"(369).
حقيقة التقوى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
والصوم الحقيقي يمنع صاحبه من الوقوع في المعاصي، ويحجز العاقل عن تسلط الهوى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ، فليسَ للهِ حاجة في أن يَدَع طعامَهُ وشَرابه"(1).
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصِّيامُ جُنَّة، فلا يَرفُث ولا يَجهَل. وإِنِ امرُؤ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ، فليَقُل: إِني صائم -مرَّتين- والذي نفسي بيدِهِ، لَخُلُوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن رِيحِ المسك، يَترُكُ طَعامَهُ وشَرابَهُ وشَهوتَهُ مِن أجلي، الصِّيامُ لي وأنا أجزي به، والحسَنةُ بعَشْرِ أمثالِها"(2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاعَ الباءةَ فليتزوَّج، فإنَّهُ أغضٌّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليهِ بالصَّوم؛ فإنهُ لهُ وجاء"(3).
والصوم يحمل صاحبه على الكرم؛ عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجودَ الناسِ بالخير، وكان أجوَدَ ما يكون في رمضانَ حِينَ يلقاهُ جبريلُ"(4).
والحج شُرع لمنافع كثيرة، وتحقيق مصالح الدين والدنيا، وبه يزكي
(1) أخرجه البخاري في الصوم (1903. فتح)، وأبو داود (2362)، والترمذي (707).
(2)
أخرجه البخاري في الصوم (4/ 1894 - فتح)، وأحمد وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري في الصوم (4/ 119 - فتح)، ومسلم في النكاح (1400) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري في الصوم (4/ 116) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
العاقل نفسه من الرياء، والسمعة ويجتنب الرفث والفسوق والجدال، وهو تدريب عملي على الصبر وكظم الغيظ والتعاون والإيثار والحب والتواضع.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام162: 163].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حجَّ هذا البيتَ، فلم يَرفُث ولم يَفسُق، رجَعَ كما ولَدَتهُ أمُّه"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم موجهًا الناس عند الإفاضة من عرفاتِ إلى مزدلفة: "السَّكينةُ عبادَ اللهِ السَّكينةُ"(2).
وفي العشرة الزوجية:
وقال سبحانه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ
(1) أخرجه البخاري في المحصر (4/ 20 - فتح)، وفي الحج (3/ 382 - فتح).
(2)
صحيح. أخرجه أحمد (3/ 355)، وأبو عوانة في صحيحه (392. القسم المفقود)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(3688).