الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحالة الرابعة:
أن تكون كل أحواله فاسدة في كل الأحوال، فتنقلب إلى الصلاح في كل الأحوال، فما ذاك إلا لداع غلب على الطبع، فاجتذبه، وقوي عليه حتى قلبه، فيراعي حفظ أسبابه، وتقوية مواده، ولا يغفله؛ فيجذبه الطبع السابق كما اجتذبه، فإن نوازع الطباع أجذب، وهي إلى ما ناسبها أقرب، وقليل الفساد صلح أن يكون محفوظ الصلاح.
قال بعض الحكماء: "كل متأدب من غيره متى لم يدم عليه الأدب، اختل ما يستفيد منه، ورجع إلى طبعه".
وملاك صلاحها أن تكاثر من وافقه في الصلاح، وتجانب من خالفه فيه، فإن للصحبهَ تأثيرًا في اكتساب الأخلاق.
قال بعضُ البُلَغاءُ: صلاح الشيم بمعاشرة الكرام، وفسادها بمخالطة اللئام.
والحالة الخامسة:
أن تكون أخلاقه صالحة في كل الأحوال، وبعضها فاسدة، فقد أعطته نفسه من صلاحها شطرًا، ومنحته من فسادها شطرًا، وهما متنافران، وفيما أعطت عون على ما منعت إن روعيت، وفيما منعت فساد لما أعطت إن أهملت.
والحالة السادسة:
أن تكون كل أخلاقه صالحة في بعض الأوقات، وبعضها فاسدة في بعض الأوقات الأخرى، فقد ترددت النفس بينهما، وتواطأت لهما،
والفساد داخل عليها، وليس منها، والعقل مساعد، والهوى معتدٍ، وكل واحد منهما جاذب للنفس، وهي تنقاد إلى ما وافقها، فإن توفرت فضائلها انقادت للعقل في صلاح الأخلاق، وإن زادت رذائلها اتبعت الهوى في فساد الأخلاق؛ لأن العقل علم روحاني يقود إلى الخير، والشهوة خلق بهيمي يقود إلى الشر، فأطلق عنان النفس إذا انقادت للعقل، واقبضه إذا اتبعت الهوى، تجدها على الصلاح مساعدة، وللفساد معاندة، فحسبك بها للعقل عونًا وظهيرًا.
قال الرشيد: "قبح الله المرء لا واعظ له من عقله، ولا مطيع له من نفسه"(1).
قلت:
أخي -يحفظك الله تعالى- هذه الأحوال الستة المذكورة، والعاقل اللبيب من كان دائمًا على الحالة الأولى، فإن حاد عنها، رجع إلى ربه وتاب وأناب، وعاد إلى عقله ورشده، نسأل الله السلامة، والله الهادي إلى الصواب.
…
(1) ينظر كتاب "تسهيل النظر وتعجيل الظفر" للماوردي (9). (بتصرف).