الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جوهر مجرد عن المادة يتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، وقيل: محله الدماغ في الرأس، وقيل: محله القلب.
والتحقيق أن العقل له تعلق فيهما معًا، حيث يكون الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة والقصد في القلب؛ ولهذا يمكن أن يقال:"القلب موطن الهداية، والدماغ موطن الفكر"(1).
*
نعمة العقل:
والعقلُ نِعْمَة عظيمةٌ من أَجَلِّ النِّعم، ومن خِلالِه يستطيعُ المَرْء أن يدْرِكَ مَا حَوْلَهُ، وما الذي ينبغي عليه أن يأتيه أو يَجتنبُه، وبه يَعرفُ المرء نفسه، ويعرف ربه، وُيبصرُ طريقه ويبني علاقات وطِيدَة، ويَعْقد صِلات حميمة مع من حَولَهُ، والعاقل من اتَّعظَ بِغَيِره، والأَحْمَق أَو الجَاهِل من اتَّعظَ به غيره، والعاقل من يكون حاضر العقل والقلب، فلا طيش ولا ضلال.
والآيات القُرآنية في بيان نِعْمَة من يستخدمون عقولهم ويستدلون بها على الحق كثيرة، ومنها قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4].
وقوله سبحانه: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 28].
وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43].
وأفاض المولى سبحانه في مدح من انتفع بعقله بالمواعظ والعبر
(1) ينظر "التعريفات" للجرجاني (196)، و"مجموع الفتاوى"(303)، و"المختصر الحثيث"(72)، و"منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد"(1/ 163).
والآيات، فقال سبحانه:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} [البقرة: 269].
وقال سبحانه: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)} [المائدة: 100].
وذم الله سبحانه قومًا عطلوا عقولهم، وفي ذلك آيات كثيرة، ومنها قوله عز وجل:{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} [يس: 62].
وقال عز وجل: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} [الملك: 10].
وقال سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)} [الأنفال: 22].
أمَّا الأحاديث النَّبوية عُمُومًا، فكُلّها يُسَلَّم لها العقل السليم الذي تَربَّى على الإسلام، ويَنقَادُ لها، كيف لا وهي العَافية للناس، والسَّعادة في الدارين؟! ولا ينقاد للسنة إلا عاقلٌ، ومن نبذ السنة النبوية فإنه أحمق لا عقل له.
قال أبو حاتم: "وأفضل ما وهب الله لعباده العقل"، ولقد أحسن الذي يقول:
وأفضل قسم الله للمرء عقلهُ
…
فليس من الخيرات شيء يُقَاربُه
إذا أكمل الرحمنُ للمرءِ عقلهُ
…
فقد كمُلَت أخلاقهُ ومآربه
يعيش الفتى في الناس بالعقل إنه
…
وإن كانَ محظورًا عليه مكاسبُه