الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللهُ لي، فَأحتَسِبُ نَومَتِي كَمَا أَحتَسِبُ قَومَتِى" (1).
وفي رواية أخرى عند البخاري، فقال مُعَاذ لأبِي مُوسَى: كَيفَ تَقرَأُ القرآن؟ قال: قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوقًا، قال: أَما أنا فَأنَامُ وَأَقُومُ، فَأحتسبُ نَومَتِي كَمَا أَحتَسِبُ قَومَتِي".
وعلى هذا قال العلماء: لا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته، ولا أن يفرط في تعاهده، بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه وردًا يوميًا يساعده على ضبطه، ويحول دون نسيانه رجاء الأجر والاستفادة من أحكامه عقيدة وعملًا، ولكن من حفظ شيئًا من القرآن ثم نسيه عن شغل أو غفلة فليس بآثم، وما ورد من الوعيد في نسيان ما قد حفظ لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
6 -
وجوب تدبُّر القرآن الكريم:
تضافرت النصوص على تدبر آيات القرآن الكريم، "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل فيه وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وعلى طرقاتها وأسبابها وغاياتها وثمراتها، ومآل أهلها، وتَتُلّ في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، .. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة، وأهل الشقاوة"(2).
(1) أخرجه البخاري (4341 - فتح) في كتاب المغازي. باب: بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن.
(2)
"مدارج السالكين"(1/ 450).
قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء: 82].
وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص: 29].
قال الشوكاني رحمه الله: "وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانية، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر"(1).
وقال عز وجل: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)} [المؤمنون: 68].
وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد: 24].
وقد امتدح الله سبحانه البكائين في القرآن الكريم فقال {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)} [الإسراء 107: 109].
قال ابن قيم الجوزية: "فلا شيءَ أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتَّدبرِ والتفكر؛ فإنه جامع لجميعِ منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفينَ، وهو الذي يُورثُ المحبةَ والشوقَ والخوفَ والرجاءَ والإنابةَ والتوكلَ والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياةُ القلب وكمالُهُ.
وكذلك يزجرُ عن جميع الصفات والأفعالِ المذمومةِ التي بها فسادُ
(1)"فتح القدير"(4/ 430).