الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر:
أقبلْ معاذير من يأتيك معتذرًا
…
إن برَّ عندك فيما قال أو فجَرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهرهُ
…
وقد أجلك من يعصيك مُستَتِرًا
وقد أحسن القائل:
إذا اعتذرَ الجاني مَحَا العُذْرُ ذَنْبَهُ
…
وكانَ الذي لا يقبَلُ العُذْرَ جَانيا
14 -
النصيحة في السر
.
لا يخلو المرء من قصور ونسيان، وكل ابن آدم خطاء، وأجمل النصائح ما كان في السر، وخليلك أحق الناس بنصيحتك، وأغلى النصائح عنده ما كان سرًا، والصاحب الموفق من يسلك طريق النجوى، وهو السر دون الجهر.
قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء: 114].
عن الحسن البصري قال: "المؤمن مرآة أخيه، إذا رأى منه ما لا يعجبه سدَّده، وقوَّمه، وحاطه، وحفظه في السر والعلانية"(1).
قال ابن حزم:
"إذا نصحتَ فانْصَح سِرًّا لا جهرًا، أو بتَعريضٍ لا بتصريحٍ، إلا لمن لا يفهم، فلا بُد من التَّصريح له، ولا تَنْصح على شرط القبول منك"(2).
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان"(55) بسند جيد.
(2)
"الأخلاق والسير"(122).
وقال ابن حزم: "إذا نَصَحْتَ ففي الخلاء بكلامٍ لَيِّن"(1).
والنفوس تأنف وتتأذى من نشر أخبارها ومشكلاتها، والصاحب البصير يفرق بين النصيحة والتعيير، ويتحرَّى الحِكْمَةَ في نصحه حتى لا تتعقد المسائل، ولا تزيد المشاكل.
قال هارون بن عبد الله الحمال:
"جاءني أحمد بن حنبل بالليل فدق الباب عليّ، فقلت: من هذا. فقال: أنا أحمد، فبادرت أن خرجت إليه، فمساني ومسيته، قلت: حاجة يا أبا عبد الله؟ قال: شَغَلت اليوم قلبي. قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس"(2).
وخلاصة القول:
إن أردت نصح الغير فارفق به وانصحه سرًّا.
وقد قلت في ذلك:
حفظ السرائر حقٌّ لا يفوته
…
إلَاّ اللئيم بسر الغير صدَّاحُ
حبُّ الفضائحِ مسلكهم وشيمتهم
…
والصاحبُ النذل مذياعٌ وفَضَّاحُ
فكن نصوحًا بقولٍ إن رغبت به
…
إياك نصحٌ أمام الناس جراحُ
(1)"الأخلاق والسير"(127).
(2)
"تاريخ بغداد"(14/ 22) للخطب.