الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيرها، عندما سألتها أن تعتذر، غضبت أمّها وقالت: لا أريدك أن تعطي ابنتي درسًا في الأخلاق، فأنا أعرفها جيدًا، وأعرف كيف ربيتها!!
أرأيتم هذه الأم المغرورة الجاهلة كيف تغرس في ابنتها سوء الخلق والكبر.
أحسن الناظم عندما قال:
مشى الطاووسُ يوماً باعوجاجِ
…
فقلدَ شكل مشيته بنوهُ
فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا:
…
بدأت به ونحن مقلدوهُ
فخالف سيركَ المعوجَّ واعدل
…
فإنا إن عدلت معدلوه
أما تدري أبانا كلُّ فرعٍ
…
يجاري بالخطئ من أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا
…
على ما كان عوَّده أبوه
وهناك قصة -كما في حديث رواه مسلم- عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم عرضت له التوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض (1) .. يُتخذ شاهد لهذا الفصل.
والشاهد أننا نعيش في بيئة تؤثر فينا، وتحوطنا العادات فنتشرب منها، ونحن عندما يدركنا الله تبارك وتعالى برحمته، ونفهم الإسلام الفهم الصحيح، ونبدأ بعملية التزكية والتطهير، فالطريق الأول للتخلص من الأخلاق السيئة التي ورثناها، يكون باتباع الخطوات التالية:
أولًا: الأقلاع عن الأخلاق السيئة
.
أحد شروط التوبة، ويحتاج إلى ما يسمى في الأخلاق بالإرادة، والإرادة
(1) أخرجه مسلم في التوبة (2766)، باب: قبول توبة القاتل.
هي القوة الخفية لدى الإنسان، وتعني اشتياق النفس وميلها الشديد إلى فعل شيء ما، أو تركه، وتجد أنها راغبة فيه ومدفوعة إليه، والإرادة قوة مركبة من رغبة بالإضافة إلى حاجة إلى أمل، فلا بد لكل إنسان يريد أن يتطهر من أخلاقه السيئة أن يمتلك الإرادة، وهي تبدأ كرغبة، ثم تتحول إلى عزم في القلب.
والعزم لغةً: الجد كما قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} [محمد: 21]، وعزم عليه: صمم على فعله، وقطع عليه.
أما في الاصطلاح: هو استجماع قِوَى الإرادة على الفِعل (1).
فإذا عزم التحلي بلباس التقوى ينبغي أن ينفذ الإقلاع عن الخلق السيئ، فالإنسان الذي تعلم الكذب من أمه وأبيه -كان أبوه يكذب عليه وأمه تكذب عليه- تشرب بالكذب، وأصبحت خصلة ذميمة لديه ورثها وأمست عادة؛ لأنه تَعَلم الخلق بالاستمرار، فالصدق لا يكون عند الإنسان خلقًا إلا إذا استمر عليه، وأصبح سجية وعادة له يقول الصدق دائمًا، ويمارس ذلك باستمرار، ولا يسمى من يكذب مرة أو مرتين بحياته أنه تخلق بالكذب، ويقال عنه الكذاب، وإنَّما الكذاب هو الذي يُمَارس الكذب، ويصبح الكذب عنده صفة لازمة، فهذا مثال لخلق من الأخلاق، فأولُ شيءٍ أن يملك المرء الإرادة التي تجعله يتحول عن الخلق السيئ، وهذه المرحلة يمكن أن نسميها أيضاً مرحلة (التخلي)، وهي ترك وخلع الأخلاق السيئة، كالغرور، والتعالي، والحسد، والكذب، والغيبة، والسرقة، والتطلع إلي
(1)"مدارج السالكين"(1/ 152).