الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا الإمام الألباني رحمه الله:
"من فوائد الحديث:
1 -
أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك، وأن ذلك لا ينافي بُغضه إياه لشركه، ألا ترى أن عليًا رضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه؛ معللًا ذلك بقوله:"إنه مات مشركًا"؛ ظنًّا منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يُدخله في التولي الممنوع في مثل قوله تعالى: {لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13]، فلما أعاد النبي صلى الله عليه وسلم عليه الأمر بمواراته بادر لامتثاله، وترك ما بدا له أول الأمر، وكذلك تكون الطاعة: أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم.
ويبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة الوالد المشرك في الدنيا، وأما بعد الدفن؛ فليس له أن يدعو له أو يستغفر له؛ لصريح قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: 113].
2 -
أنه لا يشرع له غسل الكافر ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولو كان قريبه؛ لأن النبي لم يأمر بذلك عليًّا، ولو كان ذلك جائزًا لبينه، لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهذا مذهب الحنابلة وغيرهم.
3 -
أنه لا يشرع لأقارب المشرك أن يتبعوا جنازته .. " (1).
6 -
الانتفاع بما عندهم من علوم:
يتسامح الإسلام في أن يتلقى المسلم من غير المسلم ما ينفعه في علم
(1)"الصحيحة"(161).
الطب والكيمياء والفيزياء والصناعة والزراعة، والأعمال الإدارية.
وأدلة الانتفاع بعلم الكفار كثيرة، عن عائشة أُم المُؤمنين رضي الله عنها قَالَتْ: استَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكرٍ رَجُلًا من بَنِي الدَّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا (أي ماهرًا بالطريق)، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفارِ قُرَيشٍ، وَدَفَعَا إلَيهِ رَاحِلَتَيهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَورٍ بَعدَ ثَلاثِ لَيَالٍ (1).
وكذلك مزارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود من خيبر على أن يعملوا ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها.
قال ابن عمر: أَعْطَى النبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ بِالشطرِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهدِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكرٍ وَصدرٍ من خِلافَةِ عُمَرَ، وَلَم يَذكُر أَن أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ جَدَّدَا الإجَارَةَ بَعدمَا قُبِضَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم (2).
قال الشوكاني: "الحديث فِيه دَليلٌ على جوازِ استِئجَارِ المُسلم للكَافر علَى هداية الطَّريقِ، إذا أَمن إليه، وقد ذكر البُخاريُّ هذا الحديث في كتاب الإجارة، وترجم عليه: بابُ استئجارِ المشركينَ عند الضرُورة وإِذا لم يُوجد أَهلُ الإسلام، فكأنهُ أَراد الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "أَنا لا أَستعِينُ بمشركٍ" أَخرجه مسلم وأصحابُ السنن، قال ابنُ بطَّال: الفقهاءُ يُجيزُونَ استئجارَهُم -يعني: المُشركين- عند الضرُورة وغيرها؛ لما فِي ذلك من الذِّلةِ لهم، وإنما المُمتنعُ أَن يُؤجَّر المُسلمُ نَفسهُ من المُشرك لما فيه من
(1) الرجل هو عبد الله بن أريقط، والحديث أخرجه البخاري (2264 - الفتح).
(2)
أخرجه البخاري (2285 - الفتح) في كتاب الإجارة، باب: إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما.
الإذلالِ" اهـ (1).
أما تأجير المرء نفسه عند الكافر فيكون بشروط:
1 -
أن يكون العمل حلالًا.
2 -
ألا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين.
3 -
عدم التعظيم لدينهم، أو مهانة المسلم وإذلاله.
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: جُعْتُ يَومًا مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجتُ لِطَلَبِ العَمَلِ فِي عَوَالِي المَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامرَأَةٍ قَد جَمَعَت مَدَرًا فَظَنَنتُهَا تُرِيدُ بَلَّهُ، فَقَاطعتُهَا كُل ذَنُوبِ عَلَى تَمْرَةٍ، فَمَدَدتُ ستةَ عَشَرَ ذَنُوبًا حتى مَجَلَت يَدَايَ، ثم أَتَيتُهَا، فَعَدت لِي سِتَّ عَشرَةَ تَمرَةً، فَأتَيتُ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأخبَرتُهُ، فَأكَلَ مَعِي مِنهَا.
قال الشوكاني:
"حديثُ عَلِيّ جَوَّدَ الحافظُ إسنادهُ، وأَخرجهُ ابنُ ماجة بسندٍ صححهُ ابن السكن، وأَخرج البيهقِي وابن ماجه من حديث ابن عَبَّاسٍ بلفظ "إن عَليًا رضي الله عنه آجَرَ نَفسَهُ من يَهُودِي يَسقِي لَهُ كُل دَلوٍ بِتَمرَةٍ، وَعِندَهُم أَنَّ عَدَدَ التمرِ سَبعَةَ عَشَرَ" وفِي إسنَادهِ حَنَشٌ راويهِ عن عكرمةَ وهو ضعيف.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَتْ الصحَابَةُ عَلَيهِ من الحَاجَةِ وشِدةِ الفَاقَةِ، وَالصبرِ عَلَى الجُوعِ، وَبَذلِ الأنفُسِ وإتعَابِهَا فِي تحصِيلِ القِوَامِ من العيشِ لِلتعَفُّفِ عَن السؤَالِ وَتَحَملِ المِنَنِ، وأَن تَأجِيرَ النفسِ لا يُعَد دَنَاءَةً، وإن كَانَ المستأجِرُ غَيرَ شَرِيفٍ أَو كَافِرًا، والأجِيرُ من أَشرَافِ الناسِ وَعُظَمَائِهِم".
(1)"نيل الأوطار"(6/ 19) كتاب الإجارة، باب: ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح.