الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على مشقة الطاعة، ولا صبر له على داعي هواه إلى ارتكاب ما نُهِيَ عنه، ومنهم من تكون قوة صبره عن المخالفات أقوى من صبره على مشقة الطاعات، ومنهم من لا صبر له على هذا ولا ذاك، وأفضل الناس أصبرهم على النوعين، فكثير من الناس يصبر على مكابدة قيام الليل في الحر والبرد وعلى مشقة الصيام، ولا يصبر على نظرة محرمة" (1).
وعلى هذا يمكن للعبد أن يلاحظ الأعمال التي تشق على نفسه، فيجعلها عقوبة له يؤدب بها تلك النفس إذا وقعت في معصية، أو فرطت في طاعة.
فإذا ضيع صلاة الفجر بسبب مشقة الاستيقاظ، وترك لذيذ المنام، فليقم بإحياء ساعات من إحدى الليالي، يهجر فيها مضجعه، وإن قصر في حق غيره بخلًا بالمال، فليتصدق ليلزم نفسه بالإقلاع عن تلك الآفة.
فالتشديد على النفس ومنعها مما تحب لفترة محدودة ترويض لها، وتليين لطبعها، وعلاج لأمراضها، وهو بمنزلة الدواء الذي يشربه المريض وهو كارهٌ له، رجاء أن يكون سبباً في الشفاء بإذن الله تعالى.
5 - التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق:
التفكر: "تصرف القلب في معاني الأشياء لِدَرْك المطلوب، وسراج القلب، يرى به خيره وشره، ومنافعة ومضاره، وكل قلب لا تفكرَ فيه فهو في ظُلمات يتخبط".
وقيل: هو إحضار ما في القلب من معرفة الأشياء (2).
(1)"عدة الصابرين"(26).
(2)
"التعريفات"(88) للجرجاني.
قلت: فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها؛ من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثلها، والسعي إليها. والمرء إذا رغب في مكارم الأخلاق، وأدرك أنها من أولى ما اكتسبته النفوس، وأجل غنيمة غنمها الموفقون؛ سهل عليه نيلها واكتسابها.
فعلى المرء أن يستذكر دائمًا ويحتسب ثواب حسن الخلق.
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن البِرِّ والإثمِ؟ فقال: "البِرِّ حُسنُ الخلقِ، والأثمُ ما حَاكَ في صدرِكَ، وكرهتَ أَن يَطَّلعَ عليه النَّاسُ"(1).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَثقَلُ شيءٍ فِي المِيزَانِ حُسنُ الخُلقِ"(2).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أكملَ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهنم خُلقًا، وإن حُسنَ الخُلقِ لَيبلُغُ درجةَ الصومِ والصلاةِ"(3).
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "صِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسنُ الخُلُقِ وَحُسنُ الجِوَارِ، يُعَمرنَ الدِّيَارَ، وَيَزِيدانَ فِي الأَعمَارِ"(4).
(1) أخرجه مسلم في البر والصلة (2553)، باب: فضل صلة أصدقاء الأب والأم.
(2)
صحيح. أخرجه ابن حبان (1/ 350 - الإحسان)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(134).
(3)
صحيح، أخرجه البزار (35 - الكشف)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1590).
(4)
صحيح. أخرجه أحمد (6/ 159)، وقال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات، وصححه شيخنا الألباني في "الصحيحة"(519).