الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما انتهاكُ عرض رسول الله فإنه منافٍ لدين الله بالكلية، فإن العرض متى انُتهِكَ سقط الاحترام والتعظيم، فسقط ما جاء به من الرسالة، فبطل الدينُ، فقيامُ المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيامُ الدين كله، وسقوط ذلك سقوطُ الدين كله، وإذا كان كذلك وجب علينا أن ننتصر له مما انتهك عرضه، والانتصار له بالقتل؛ لأن انتهاك عرضه انتهاك لدين الله" (1).
ومن النصرة، التمسك بسنته، والدفاع عنها، وإحياء ما مات منها، ورفض البدع بجميع صورها، والاحتجاج بالصحيح من حديثه، ورفض المكذوب والضعيف.
ومن النصرة، التخلق بأخلاقه، وشمائله، والدفاع عن أهل بيته وأصحابه.
13 - تحرى صحة الأحاديث ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الكذب عليه، أو الزيادة على حديثه
.
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نَضَّرَ الله امرأ سمعَ منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فربَّ مُبلَّغ أوعى من سامعٍ"(2).
وعن سمره رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديثٍ يُرى أنهُ كذبٌ فهو أحدُ الكاذبِينَ"(3).
(1)"الصارم المسلول"(170 و171).
(2)
أخرجه أبو داود (3660)، والترمذي (2657)، وابن حبان في صحيحه، وانظر "الصحيحة"(404).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 20)، ومسلم في المقدمة (1/ 9)، وابن ماجه (39).
وعن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ كَذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعدهُ من النار"(1).
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: ما يمنعني أن أحدث عن رسول الله أن لا أكون أوعى أصحابه عنه، ولكني أشهد لسمعته يقول:"من قال علي ما لم أَقُل؛ فليتبؤأ مقعده من النار"(2).
عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حَدثتكُم حديثًا؛ فلا تَزيدنَّ علي"(3).
ومن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم عدم التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة حتى مع اصطلاح بعض العلماء في قولهم: (رُوي)(4) المشعر بالتضعيف؛ وذلك لعدم فهم هذا الاصطلاح الخاص عند أكثر الناس، فهو لا يكفي إلا مع بيان درجة الحديث بأنه ضعيف أو لا يصح؛ لأن ترك البيان يوهم بأنه مقبول وصحيح.
(1) أخرجه مسلم في المقدمة (4).
(2)
حسن. أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 209)، وأحمد (1/ 65)، وحسنه الألباني في "الصحيحة"(3100).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 11)، وأورده الألباني في الصحيحة (346).
(4)
هذا اصطلاح علماء الحديث في الأحاديث التي لا يتبين فيها الصحة، قال ابن الصلاح رحمه الله:"إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وإنما تقول فيه: رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو وردَ عنه، جاء عنه، أو روى بعضهم وما أشبه ذلك، وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر لك صحته" ينظر "علوم الحديث"(94).
قال العلامة المحدث أحمد شاكر: "والذي أراهُ أن بيانَ الضعفِ في الحديث الضعيف واجبٌ في كل حالٍ؛ لأن ترك البيان يُوهم المطلع عليه أنه حديث صحيحٌ، خصوصاً إذا كان الناقلُ من عُلماءِ الحديثِ الذين يُرجَعُ إلى قولهم في ذلك، وأنه لا فرقَ بين الأحكام وبين فضائل الأعمالِ ونحوها في علم الأخذِ بالرواية الضعيفة، بل لا حُجة لأحدٍ إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديثٍ صحيحٍ أو حسنٍ"(1).
قلت: الكذب رذيلة، وكبيرة، ومن قلة الأدب، ويعظم الكذب إذا كان في حق الله سبحانه، أو حق رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا النوع يسميه الإمام ابن تيمية رحمه الله تحريف التنزيل يحرفون ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، ويروون الحديث بروايات منكرة (2).
ومن الأدب عند إيراد الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرى الدقة في الألفاظ عند الأداء، وعدم التهاون في ذلك، ويطيش عقل المؤمن من تساهل بعض المتحدثين عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا هيبة ولا توقير، يورد الكلام يغير فيه المعنى، ويصرفه عن الصواب، في تقليل وتسهيل، فمن أراد ذكر الحديث بالمعنى فعليه بيان ذلك بقوله:(أو كما قال).
قال ابن الصلاح: "ينبغي لمن يروي حديثاً بالمعنى أن يتبعه بأن يقول: "أو كما قال، أو نحو هذا" وما أشبه ذلك من الألفاظ .. ، وإذا اشتبه على القارئ فيما يقرؤه لفظة فقرأها على وجه يشك فيه ثم قال: "أو كما قال"
(1)"الباعث الحثيث"(11/ 278) تحقيق المحدث الشيخ علي بن حسن الحلبي.
(2)
"اقتضاء الصراط المستقيم"(30).
فهذا حسن، وهو الصواب في مثله" (1).
ذكر ابن عبد البر رحمه الله في كتابه: "جامع بيان العلم وفضله"(2) بابًا ساق فيه آثارًا عن أبي الدرداء وأنس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم:
فقد ذكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه: كان إذا حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فرغ منه قال: اللهم إن لم يكن هكذا فَكَشَكلِهِ.
وذكر كذلك عن أنس رضي الله عنه أنه: إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه: حدث يومًا بحديث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أرعد وأرعدت ثيابه، وقال: أو نحو هذا، أو شبه هذا.
والعاقل من إذا ساق حديثاً يعلم أنه غاب عنه بعضه، أو شرد ذهنه في إحكام لفظه، ولم يتمكن من أدائه كما ورد، أن يقول بعد إيراده:(أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وما ذاك إلا توقيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم الزيادة أو التقول عليه.
قلت: ومن الأمثلة لذلك حديث أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول: "اللهم إني أحبهما فأحبهما"، أو كما قال (3).
وحديث معاوية بن الحكم السُّلَمِيٌّ مرفوعاً قال: "إن هذه الصلاةَ لا يصلحُ فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآنِ" أو
(1)"علوم الحديث"(192).
(2)
ينظر (1/ 339).
(3)
أخرجه البخارى في كتاب فضائل الصحابة (3747 - فتح).
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1).
وليس هذا فحسب، بل كان الإمام مالك رحمه الله يعظم وتعظيمه لحديث رسول الله، فكان إذا جلس للفقه جلس كيف كان، وإذا أراد الجلوس للحديث اغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جُدُدًا، وتعمم وقعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار، ويبخر المجلس من أوله إلى فراغه تعظيمًا للحديث (2).
قيد مهم:
الأوراد والأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيفيه كأذكار الركوع والسجود، أو الطعام والشراب، أو دخول المسجد والخروج منه، ونحو ذلك، فلا يجوز فيها التصرف بالزيادة أو النقص، ولو بلفظ لا يفسد المعنى، لأنها توقيفيه.
عن البَراءِ بنِ عازِبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذا أتيتَ مَضجَعَكَ فتَوَضأ وُضوءَكَ للصلاة، ثم اضطَجِع على شِقكَ الأيمَنِ، ثم قل: اللهمَّ أَسلمتُ وَجهي إِليكَ، وفَوَّضتُ أمري إِليكَ، وأَلجَأتُ ظَهرِي إِليكَ، رَغبةً ورهبةَ إِليكَ، لا مَلجَأ ولا مَنْجا منكَ إِلا إِليكَ. اللهم آمنتُ بكِتابكَ الذي أنزَلتَ، وبِنَبِيكَ الذي أَرسلتَ. فإن مُتَّ مِن لَيلَتِكَ فأنتَ على الفِطرةِ. واجعلهنَّ آخِرَ مما تتكلمُ به". قال: فردَّدتُها على النبيِّ، فلما بَلغتُ "اللهم آمنتُ بكتابِكَ الذي أنزلتَ" قلت: وَرسولِكَ. قال: "لا. وبنبيِّكَ الذي أرسلتَ"(3).
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد (537).
(2)
ينظر "تذكرة الحفاظ"(1/ 196)، و"الشفا"(2/ 601)، "علوم الحديث"(217).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الوضوء (247)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء (2710).