الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجردًا، بل يقول: يا شيخنا، أو يا شيخي، فلا يسميه، لأنه أرفع في الأدب، وأرق في الخطاب، ولا يناديه من بُعدٍ من غير اضطرارٍ، ويخاطبه بصيغةِ الجمعِ توقيرًا، نحو؛ ما تقولون في كذا، وما رأيكم في كذا.
واقرأ أخي -أحسن الله إليك- ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، وهذا أصل في تمييز ذي المنزلة، ويفرق بينه وبين من لم يلحق بطبقته.
وقال الخطيب رحمه الله: "يقول: أيها العالمُ وأيها الحافظ ونحو ذلك، وما تقولون في كذا؟ وما رأيكم في كذا؟ ولا يسميه في غيبته أيضاً باسمه إلا مقرونًا بما يشعر بتعظيمه كقوله: قال الشيخ أو الأستاذ كذا"(1).
3 -
أدب الطالب عند سؤال شيخه:
من التوقير حسن المسألة، فينبغي لطالب العلم أن يلاطف الشيخ في مسألته، ويجتنب المراء، فمن حرم الرفق فاته من العلم ما يتحسر عليه، ومن تعنت في طلب الدليل لقي ما لا يسره.
قال الإمام الشعبي (عامر بن شراحيل): كان أبو سلمة يماري ابن عباس رضي الله عنه، فحرم بذلك علمًا كثيرًا.
وها هو أبُو سَلَمَةَ يعترف فيقول: "لو رفقتُ بابن عباسٍ لأصبتُ منهُ عِلمًا"(2).
(1)"تذكرة السامع والمتكلم"(91).
(2)
حسن. أخرجه الآجري في "أخلاق حملة القرآن"(65)، والدارمي (412، 568).
قلت: وهنا مسألة مهمة جداً، وتعتبر من خوارم التوقير، وهي السؤال عما لا ينفع، وعما لا يقع، وتأمل ذاك الرجل الذي سأل الإمام مالكًا عن مسألة فلم يجبه، فقال له: لم لا تجيبني؟ فقال: لو سألت عما تنتفع به لأجبتك. وسئل عمار بن ياسر الصحابي رضي الله عنه عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا. قال: دعونا حتى تكون، فإذا كانت تجشمناها لكم.
فتوليد الأسئلة والإيغال فيها لمجرد المراء أمر مذموم، لا سيما السؤال عن علة الحكم في أمر تعبدي، أو السؤال عن مسائل نادرة الوقوع جداً، بل ربما لا تقع أبدًا، أو السؤال عن المتشابهات، أو عما شجر بين السلف الصالح، قال المرُّوذي قال أبو عبد الله: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج: أمسلمون هم؟ فقلت له: أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا؟!
قلت: سئل في يوم من الأيام العلامة محمد صالح العثيمين رضي الله عنه عن رجل مات وانفصل رأسه عن جسده، فكيف يكون سؤال الملكين للرأس أم الجسد؟ فغضب الشيخ من هذا السؤال، ووجه السائل في التوجه لما ينفعه عما لا ينفعه.
وبعد: يُسمَعُ في بعض حلقات العلم، أن بعض الطلبة يسأل سؤالًا فيه تكلف وتنطع واضح، والأدهى والأمرُّ أن يكون الجواب معلومًا لديه، لكنه يسأل الشيخ من باب التعجيز، ومن باب الإفحام، ومن باب إظهار أنه يعلم، ثم تشعر أن ذلك السائل يظهر الجواب للشيخ من طرف خفي، فقد أساء الأدب في طرح السؤال، وأساء الأدب في قصده، وأيضًا أساء الأدب مع الله في سوء نيته.