الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَسِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَم قَرَأَ ذَلِكَ عَمداً" (1).
قال الشوكاني رحمه الله:
"تَرَدَّدَ الصحَابِيُّ في إِعَادَة النبِي صلى الله عليه وسلم للسورةِ هل كَانَ نِسيَانًا؛ لكونِ المُعتَاد من قِرَاءَته أن يَقرَأ في الركعَة الثانِيَة غير ما قَرَأَ به في الأُولَى، فلا يكون مشروعًا لأُمَّتِهِ، أَو فَعَلَهُ عَمداً لبَيَانِ الجَوَاز، فَتَكُون الإعَادَة مُتَرَددَة بَين المَشرُوعِية وَعَدَمهَا، وإذا دارَ الأمر بَين أن يَكُون مشرُوعاً، أَو غَير مَشرُوع، فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشرُوعِية أَولَى؛ لأن الأصل في أَفعاله التشرِيع، والنسيَان على خلاف الأصل"(2).
قلت: والظاهر فعل ذلك عمداً للتشريع، وما هذا الفعل إلا من باب تدبر عظم السورة لما عليه الحال يوم القيامة.
ثانيًا: فعل السلف الكرام وتطبيقهم العملي للتدبر:
سار السلف الصالح على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التدبر من الوقوف على معاني الآيات والبكاء عندها، والعمل بمقتضاها.
عن أَبي سعيدِ الخُدريّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقرَأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} يُرَددُهَا، فَلَمَّا أَصبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَن الرجُلَ يَتَقَالُّهَا، فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالذي نَفسِى بِيَده، إِنهَا لَتَعدِلُ ثُلُثَ
(1) أخرجه أبو داود (816) في كتاب الصلاة، باب: الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين.
قَالَ الشوكاني فِي "نيل الأوطار"(2/ 254): لَيس فِي إِسناده مَطعَن، بَل رِجَاله رِجَال الصحِيح.
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 254).
القُرآنِ" (1).
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه رقيق القلب، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"كان أبو بكرٍ رجُلًا بكاءً لا يملِكُ دمعَهُ حين يقرأُ القُرآنَ"(2).
وهذا تميم الداري رضي الله عنه صلى في المسجد بعد العشاء، فمر بهذه الآية {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104]، فما خرج منها حتى سمع أذان الصبح (3)
والكُلوح: أن تتقلص الشفتان عن الأسنان من الأعلى والأسفل، حتى تنكشف في عبوس من الهول والعذاب.
ومع متدبر آخر هو جبير بن مطعم رضي الله عنه.
عن جُبير بن مُطعم رضي الله عنه قال سمعتُ النبِي صلى الله عليه وسلم يَقرَأُ فِي المَغرِبِ بِالطورِ، فَلَمَّا بَلَغ هَذِهِ الآيَةَ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)} [الطور 35: 37]، قَالَ: كَادَ قَلبِي أن يَطِيرَ (4).
قال الخطابي: "كأنه انزعج عند سماع هذه الآية، لفهمه معناها ومعرفته بما تضمنته، ففهم الحجة فاستدركها بلطيف طبعه"(5).
(1) أخرجه البخاري (5013 - فتح) في كتاب فضائل القرآن، باب: فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
(2)
"أخرجه البخاري"(2297 - فتح) في كتاب الكفالة، باب: جوار أبي بكر.
(3)
"صفة الصفوة"(1/ 739) في ترجمة تميم بن أوس الداري رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (4854 - فتح) في كتاب تفسير القرآن.
(5)
"فتح الباري"(8/ 603).
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قُرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله، تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم"(1).
وعن ابن أبي مليكة قال: سافرتُ مع ابن عباس من مكة إلى المدينة وهم يسيرون إليها وينزلون بالليل، فكان ابن عباس يقوم نصف الليل فيقرأ القرآن حرفاً حرفاً، ثم يبكي حتى نسمع له نشيجًا (2).
وعن عُبيد المُكَتِّب قال: سُئلَ مجاهد عن رجلٍ قرأ البقرةَ وآل عمرانَ، ورجلِ قرأ البقرةَ قراءتهما واحدةٌ، وركوعُهُمَا وسجودهما وجلوسُهُما أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرةَ، ثم قرأ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)} [الإسراء: 106] (3).
* ولتحقيق التدبر يرجي مراعاة الآتي:
1 -
تعظيم كلام الله تعالى.
2 -
معايشة الآيات.
3 -
البعد عن الذنوب والمعاصي.
4 -
مراعاة أحكام التلاوة.
5 -
البعد عن الصوارف التي بينك وبين التدبر.
(1)"الجامع لأحكام القرآن"(15/ 249).
(2)
"مختصر قيام الليل"(56) للمروزي.
(3)
صحيح. أخرجه الآجري في "أخلاق حملة القرآن"(91).