الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكل امرئ من دهره ما تعودا، إلا أن الذي ينبغي أن نقف عنده وقفة غير قصيرة، هو الترتيب الذي سلكه المؤلف في تفسيره، فلقد كان بدعًا من المفسرين، ولا نعلم أن أحدأ قبله سلك هذا المسلك. وهذا هو المؤلف يبين سبب هذا المسلك بقوله: "ولقد رأينا أنْ نجعلَ ترتيب التفسير، وفق ترتيب نزول السورة، بحيث تكون أولى السور المفسرة العلق
…
لأننا رأينا هذا يتسق مع المنهج الذي اعتقدنا أنه الأفضل لفهم القرآن وخدمته، إذ بذلك يمكن متابعة أطوار التنزيل ومراحله بشكل أدق وأوضح، وبهذا وذاك يندمج القارئ في جو نزول القرآن، وجو ظروفه ومناسباته ومداه ومفهوماته، وتتجلى له حكمة التنزيل" (1).
وهذا على فرض التسليم به، يصح لو أن كلّ سورة نزلت دفعة واحدة، غير مفصول بين آياتها بآيات أخرى من سور أُخر أو بسور كاملة، مع أننا نعرف أن الأمر ليس كذلك، والمؤلف الفاضل يعرف هذا ويقرره. فسورة البقرة مثلًا نزلت في قرابة عشر سنين، ففيها آيات تحويل القبلة، وهي في السنة الثانية للهجرة، وفيها آيات الربا وهي من أواخر الآيات نزولًا، بل فيها آية نزلت قبل انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، بثمان ليال، وهي قوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} [البقرة: 281]، ومعنى هذا أن سورة البقرة استوعبت العهد المدني كله، فتكون السور المدنية جميعها قد نزلت في أثناء نزول سورة البقرة.
الأدلة التي اعتمدها ومناقشتها:
ولقد حاول المؤلف أنْ يستند في ما ذهب إليه إلى أدلة وفتاوى من بعض العلماء، فترتيب السور ليس توقيفيًا كما يقول، ولقد كان لعلي مصحف حسب ترتيب النزول كذلك، ولبعض العلماء تفسيرات لم يراعوا فيها ترتيب المصحف،
(1) التفسير الحديث، ص 8.
كهشام الكلبي الذي ألّف تفسيرًا في آيات أنزلت في أقوام بأعيانهم، وشيخ الإسلام ابن تيمية الذي ألف تفسيرًا لسورة الإخلاص ولبعض السور، وكذلك الفتاوى التي استند إليها المؤلف، ومنها فتوى لمفتي سورية السابق، الدكتور الطبيب الشيخ أبو اليسر عابدين، ومنها فتوى للشيخ عبد الفتاح أبي غدة من علماء حلب. ويقول هذا الأخير في فتواه إنه لا مانع من ذلك، ويستدل بما فعله ابن قتيبة في كتابه تأويل مشكل القرآن - وبكتاب المؤلف "القرآن دستور الحياة".
هذا باختصار ما استند إليه المؤلف، وهو لا ينهض دليلًا على ما اتبعه في تفسيره، أما كون ترتيب المصحف ليس توقيفيًا، فهو مع أنه مسلَّم له، إلا أنه حجة عليه، لا حجة له. وأما مصحف علي كرم الله وجهه، فمع أنَّها رواية، إلا أن مصحف عثمان رضي الله عنه قد أجمع عليه الصحابة، ولو كان لعلي رأي في مخالفته لظهر في وقته. وأما استناد المؤلف لعمل بعض العلماء، فإن من الواضح أنه لا حجية فيه أبدًا، وذلك لأن هؤلاء العلماء الفوا في موضوعات خاصة، أو تفسيرًا لسورة بعينها وأما ما ذهب إليه عالم الشهباء، واستدلاله بابن قتيبة فإنه استدلال بعيد لأن ابن قتيبة لم يؤلف تفسيرًا، وخير دليل على ذلك كتاب ابن قتيبة نفسه، وهذه موضوعات هذا الكتاب نذكرها، لندرك منهج ابن قتيبة في كتابه.
• باب العرب وما خصهم الله به.
• باب ما ادعي على القرآن.
• باب اللفظ الواحد للمعاني.
• باب تفسير حروف المعاني وما شاكلها من الأفعال التي لا تنصرف.
• باب دخول بعض حروف الصفات مكان بعض.
هذا هو كتاب ابن قتيبة، فهل يصلح أن يستشهد به على تفسير القرآن؛ لكل سوره وآياته حسب ترتيب النزول؛ وهذا الإمام البخاري رضي الله عنه، يذكر في باب تفسير السور كما يعرفها المسلمون جميعًا، وهو الترتيب الذي سار عليه المفسرون من بعده، ومن قبله كذلك.