الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا يحق لنا أن نتساءل، أي التفسيرين كان أسبق إلى الوجود؟ وهل تأثر اللاحق بالسابق؟ وهذه مسألة معقدة لأنهما طبعا في أوقات متقاربة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن كلًّا منهما يدعي أنه لم يسبق إلى طريقته هذه. إلا أننا من مطالعتنا لمقدمتي الكتابين، ندرك أن "بيان المعاني" كان أسبق، لأن مؤلفه بدأه كما يقول سنة 1355 هـ / 1936 م. ولعله تأخر كثيرًا في إتمامه، لأنه في تفسير سورة الطارق -وهي من أوائل السور عنده حيث جاءت في الجزء الأول- يحيل القارئ إلى مقال نشرته مجلة التمدن الإسلامي سنة 1374 هـ. وهذا معناه أن تفسير سورة الطارق قد كتب بعد عشرين سنة من بدئه بالتفسير ومع هذه التعقيدات كلها فإنني أرى أنه كان سابقًا في فكرته لصاحب التفسير الحديث، كما لا أظن أن الأستاذ دروزة قد تأثر به أو نقل عنه فكرته، وأغلب الظن أن هذه الفكرة كانت تسيطر على كلا الرجلين، دون اتصال أحدهما بالآخر. ومع أن الأستاذ دروزة حاول أن يسوغ عمله مستشهدًا بغيره، فإنه لم يشر إلى صاحب بيان المعاني. وحينما اتصلت به أخبرني بأنه كان مرتاحًا لهذه الطريقة، وأنه لم يسبق إليها، ولم يشر من قريب ولا من بعيد إلى بيان المعاني مع سؤالي له عنه.
ومع مخالفتي للرجلين في طريقهما، إلا أنني لا أود هنا أن أناقش صاحب بيان المعاني في طريقته التي اتبعها، مكتفيًا بما ذكرته عند كتابتي عن الأستاذ دروزة فالرد على أحدهما، رد على الآخر ولا داعي للتكرار.
3. منهجه في التفسير:
الحاجة إلى تفسير جامع مانع:
يشرح الشيخ عبد القادر منهجه في مقدمته "
…
أما بعد فإن القرآن العظيم، جمع ورتبت سوره وآياته في المصاحف التي بأيدينا، طبق مراد الله تعالى، بأمر من رسوله الأعظم، ودلالة من الأمين جبريل المكرم، وحينما تشاور الأصحاب رضي الله عنهم على نسخه على الوجه المذكور، أراد الإمام علي كرم الله وجهه، ترتيب آيه وسوره
بحسب النزول، لا لأنه لم ير صحة ما أجمعوا عليه، ولا لأنه حاشاه لم يعلم أن ذلك توقيفي لا محل للاجتهاد فيه، بل أراد أن تعلم العامة تاريخ نزوله، ومكانه وزمانه وكيفية إنزاله، وأسباب تنزيله، ووقائعه وحوادثه، ومقدمه ومؤخره، وعامه وخاصه، ومطلقه
…
بادئ الرأي دون تكلف لمراجعة، أو سؤال، ولمقاصد أخرى ستظهر للقارئ إن شاء الله
…
واعلم أن الخليفة عثمان رضي الله عنه ومن معه من الأصحاب، إنما لم يأخذ برأيه؛ لأن السور والآيات كانت مرتبة ومجموعة على ما هو في المصاحف الآن. وهو أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه، وليعلم أن تفسيره على رأي الإمام علي كرم الله وجهه، لا يشك أحد بأنه كثير الفائدة عام النفع، لأن ترتيب النزول غير التلاوة، ولأن العلماء رحمهم الله لما فسروه على نمط المصاحف، اضطروا لأن يشيروا لتلك الأسباب بعبارات مكررة، إذ بيَّن ترتيبه في المصاحف وترتيبه بحسب نزوله بعد، يرمي للزوم التكرار مما أدى لضخامة تفاسيرهم، ومن هذا نشأ الاختلاف بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، والأخذ والرد فيما يتعلق فيهما، وقد علمت بالاستقراء، أن أحدًا لم يقدم تفسيره بمقتضى ما أشار إليه الإمام رضي الله عنه.
ويكفي القارئ مؤنة تلك الاختلافات وتدوينها، ويُعرِّفه كيفية نزوله، ويوقفه على أسباب تنزيله، ويذيقه لذة معانيه، وطعم اختصار مبانيه بلغة سهلة يسرة موجزة خالية عن الرد والبدل، سالمة من الطعن والعلل، مصونة من الخطأ والزلل فعنَّ لي القيام بذلك، إذ لا مانع شرعي يحول دون ما هنالك، وأراني بهذا متبعًا لا مبتدعًا، مؤملًا أن يكون عملي هذا سنّة حسنة
…
مبينًا أوَّل ما نزل إلى الفترة والفترة، وسببها ومدتها وأول ما نزل بعدها، وسبب وتاريخ كل منها، ومكانه وزمانه وقصصه وأخباره وأمثاله وأحكامه، والآيات المكررة وسبب التكرار، ونظائرها مما يناسبها باللفظ والمعنى، والكلمات التي لم تكرر فيه، (عدا ما كان بين سورة (ق) إلى (الحديد) وجزْءَي (تبارك) و (عم) لأن كثيرًا من كلماتها، لم تكرر لما هي عليه من السجع العجيب واللفظ الغريب). وما هو موافق لشرع من قبلنا منه
…
وخلاصة القصص المعقولة والغزوات المرموقة.