الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
أشار إليه البيضاوي (1) لا سيما وقد خاطب الله بها قومًا كافرين منكرًا عليهم كفرهم فكيف يعلمون إباحة أو منعًا، وإنما محل الموعظة هو ما خلقه الله من الأشياء التي لم يزل الناس ينتفعون بها من وجوه متعددة. وذهب جماعة إلى أن أصل الأشياء الحظر، ونقل عن بعض أهل الحديث وبعض المعتزلة، فللمعتزلة الأقوال الثلاثة كما قال القرطبي. قال الحموي في شرح كتاب الأشباه لابن نجيم نقلًا عن الإمام الرازي: وإنما تظهر ثمرة المسألة في حكم الأشياء أيام الفترة قبل النبوة، أي فيما ارتكبه الناس من تناول الشهوات ونحوها، ولذلك كان الأصح أن الأمر موقوف، وأنه لا وصف للأشياء يترتب من أجلها عليه الثواب والعقاب. وعندي أن هذا لا يحتاج العلماء إلى فرضه لأن أهل الفترة لا شرع لهم وليس لأفعالهم أحكام إلا في وجوب التوحيد عند قوم. وأما بعد ورود الشرع فقد أغنى الشرع عن ذلك فإن وُجِدَ معنى لم يدل عليه دليل من نص أو قياس أو استدلال صحيح؛ فالصحيح أن أصل المضار التحريم والمنافع الحل، وهذا الذي اختاره الإمام في المحصول فتصير للمسألة ثمرة باعتبار هذا النوع من الحوادث في الإسلام (2).
وقد خالف ابن عاشور جمهور العلماء في بعض القضايا الفقهية، من ذلك:
نكاح المتعة:
يرى ابن عاشور أنه يجوز رخصة لمسافر ونحوه من أحوال الضرورات، وهاك تفصيل كلامه، قال: ونكاح المتعة: هو الذي تعاقد الزوجان على أن تكون العصمة بينهما مؤجلة بزمان أو بحالة، فإذا انقضى ذلك الأجل ارتفعت العصمة، وهو نكاح قد أبيح في الإسلام لا محالة، ووقع النهيُ عنه يوم خبير أو يوم حنين على الأصح. والذين قالوا: حُرِّم يوم خبير، قالوا: ثم أبيح في غزوة الفتح، ثم نُهي عنه في
(1) انظر تفسيره: 1/ 131 مع الكازروني.
(2)
1/ 381 - 382. وانظر: 2/ 102.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
اليوم الثالث من يوم الفتح، وقيل: نُهي عنه في حجة الوداع، قال أبو داود: وهو أصح. والذي استخلصناه أن الروايات فيها مضطربة اضطرابًا كبيرًا.
وقد اختلف العلماء في الأخير من شأنه: فذهب الجمهور إلى أن الأمر استقر على تحريمه، فمنهم من قال: نسخته آية المواريث؛ لأن فيها {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]، فجعل للأزواج حظًّا من الميراث، وقد كانت المتعة لا ميراث فيها، وقيل: نسخها ما رواه مسلم عن سبرة الجهني أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى الكعبة ثالث يوم من الفتح يقول: أيها الناس إني قد كنت أذنت في الاستمتاع من النساء وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة (1).
وانفراد سبرة في مثل ذلك اليوم مغمز في روايته. على أنه ثبت أن الناس استمتعوا. وعن علي بن أبي طالب وعمران بن الحصين، وابن عباس وجماعة من التابعين والصحابة أنهم قالوا بجوازه. قيل مطلقًا وهو قول الإمامية، وقيل: في حال الضرورة عند أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لولا عمر نهي عن المتعة ما زنَى إلا شفىً (2).
وعن عمران بن حصين في الصحيح أنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم ينزل بعدها آية تنسخها، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال رجل برأيه ما شاء، يعني عمر بن الخطاب حين نهى عنها في زمن خلافته بعد أن عملوا بها في معظم خلافته،
(1) الحديث رواه الإمام مسلم في الصحيح، 9/ 186، الحديث رقم 1406 (21) مع النووي. وأبو داود في السنن، 2/ 186. وابن ماجه في النكاح، 1/ 631، حديث رقم 1962.
(2)
قال ابن عاشور: بفاء بعد الشين، أي إلا قليل، وأصله من قولهم: شفيت الشمس إذا غربت، وفي بعض الكتب شقي.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
وكان ابن عباس يفتي بها فلما قال له سعيد بن جبير: أتدري ما صنعت بفتواك فقد سارت بها الركبان حتى قال القائل:
قد قلت للركب إذ طال الثواء بنا
…
يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
في بضة رخصة الأطراف ناعمة
…
تكون مثواك حتى مرجع الناس (1)
أمسك عن الفتوى وقال: إنما أحللت مثل ما أحل الله الميتة والدم، يريد عند الضرورة.
واختلف العلماء في ثبات علي على إباحتها، وفي رجوعه. والذي عليه علماؤنا أنه رجع عن إباحتها، أما عمران بن حصين فثبت على الإباحة، وكذلك ابن عباس على الصحيح. وقال مالك: يفسخ نكاح المتعة قبل البناء وبعد البناء، وفسخه بغير طلاق، وقيل بطلاق ولا حدّ فيه على الصحيح من المذهب، وأرجح الأقوال أنها رخصة للمسافر ونحوه من أحوال الضرورات، ووجه مخالفتها للمقصد من النكاح ما فيها من التأجيل.
والذي يستخلص من مختلف الأخبار أن المتعة أذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، ونهى عنها مرتين، والذي يفهم من ذلك أن ليس ذلك بنسخ مكرر، ولكنه إناطة إباحتها بحال الاضطرار، فاشتبه على الرواة تحقيق عذر الرخصة بأنه نسخ، وقد ثبت أن الناس استمتعوا في زمن أبي بكر وعمر ثم نهى عنها عمر في آخر خلافته. والذي استخلصناه في حكم نكاح المتعة أنه جائز عند الضرورة الداعية إلى تأجيل مدة العصمة. مثل الغربة في سفر أو غزو إذا لم تكن مع الرجل زوجه. ويشترط فيه ما يشترط في النكاح من صداق وإشهاد وولي حيث يشترط، وأنها تبين منه عند انتهاء الأجل، وأنها لا ميراث فيها بين الرجل والمرأة إذا مات أحدهما في مدة الاستمتاع، وأن عدتها حيضة واحدة، وأن الأولاد لاحقون بأبيهم المستمتع. وشذ
(1) هذه الأبيات مذكورة في كتب التفسير والأحكام دون تعيين قائلها.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
النحاس فزعم أنه لا يلحق الولد بأبيه في نكاح المتعة. ونحن نرى أن هذه الآية بمعزل عن أن تكون نازلة في نكاح المتعة، وليس سياقها سامحًا بذلك. ولكنها صالحة لاندراج المتعة في عموم (ما استمتعتم) فيُرجع في مشروعية نكاح المتعة إلى ما سمعت آنفًا (1).
هذا هو رأي الشيخ في هذا الأمر وهو متابعٌ فيه بعضًا ممن يرى جواز مثل هذا النكاح من علماء المالكية كما نص على ذلك الونشريسي، وأن ناكح المتعة لا يرجم؛ لأن نكاح المتعة ليس بحرام في رواية عن مالك (2)، ونقل مثل ذلك الباجي في المنتقي (3) غفير أن أبا بكر بن العربي شدد النكير على إباحته كما في كتابه الأحكام، وقال: إنه من غرائب الشريعة (4).
ونقل الونشريسي عنه في القبس التشديد في ذلك أيضًا (5) وذهب ابن عبد البر في الكافي إلى أنه نكاح باطل (6).
ونقل الإمام النووي في المنهاج الإجماع على تحريم نكاح المتعة عن القاضي عياض (7) ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح الإجماع على تحريم نكاح المتعة عن ابن المنذر والقاضي عياض وابن بطال (8) وذهب القرطبي إلى تحريم هذا النكاح كما في تفسيره (9) وذهب الكوثري إلى أن ما يُنسب إلى مالك في ذلك هو خطأ (10).
(1) 5/ 10 - 11.
(2)
المعيار، 3/ 395.
(3)
3/ 335.
(4)
1/ 389.
(5)
المعيار، 3/ 395.
(6)
2/ 533.
(7)
شرح مسلم، 9/ 181.
(8)
الفتح، 9/ 173
(9)
5/ 130 - 133.
(10)
المقالات، ص 257.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
بقي عندنا مسألتان، الأولى: رجوع ابن عباس عن فتواه تلك.
الثانية: حديث سبرة الجهني، فأما ابن عباس فقد قال القاضي أبو بكر بن العربي: إن القول بإباحة المتعة لم يصح عنه (1).
وقال الحافظ في الفتح: وأما ابن عباس فروي عنه أنه أباحها وروي عنه أنه رجع عن ذلك، قال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح (2). وقال الكوثري: وقد صح رجوع ابن عباس رضي الله عنه إلى قول الجماعة بعد أن حدثه علي كرم الله وجهه بحديث التحريم (3)، وقال الشيخ رشيد رحمه الله في شأن فتوى ابن عباس ما نصه:
…
فالإنصاف أن مجموع الروايات تدل على إصرار ابن عباس رضي الله عنه على فتواه بالمتعة لكن على سبيل الضرورة، وهو اجتهاد منه معارض بالنصوص، ويقابله اجتهاد السواد الأعظم من الصحابة والتابعين وسائر المسلمين (4).
وأما قول ابن عاشور بشأن حديث سبرة أن انفراده بروايته مغمز إذ هو مما تتوافر الدواعي على نقله، فنقول: لو صح حصر السنّة والاطلاع على جميعها وأن سبرة هو منفرد بالرواية في الواقع ونفس الأمر لكان الاعتراض سائغًا ومقبولًا، ولكن أين لنا هذا، وكثير من دواوين السنّة لم يطبع، وليس يصح الادعاء بأن ما جاوز الصحيحين ينظر فيه، فإن الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين كثيرة جدًّا، وعلى هذا نقول: إن رد الرواية لانفراد الراوي بها إذا كان غير مجروح ليس من مذهب أهل السنّة ولا من أصول أهل الحق (5).
(1) انظر: الأحكام، 1/ 389.
(2)
الفتح، 9/ 173.
(3)
المقالات، ص 257.
(4)
تفسير المنار، 5/ 13.
(5)
راجع: مقالات الكوثري، ص 61.