الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ندري أيكون لهذا أثر على كتاباته العلمية، وذلك ما لا نريد أن نستعجل في الحكم عليه الآن.
ونرى لزامًا علينا قبل أن نتحدث عن تفسيره، أن نتحدث عن كتابه
القرآن المجيد
؛ لأنه في رأيي يلقي الضوء على كثير من آرائه في علوم القرآن وقضايا التفسير.
القرآن المجيد:
ولقد سافرت إلى دمشق لزيارة الرجل والتحدث معه، فكان حسن المقابلة كريم اللقاء. ودار الحديث حول التفسير والمفسرين، وعن طريقه وبعض آرائه، ولما كان هذا النقاش العملي لا تكفيه هذه الجلسة مع طولها، اقترح عليّ أن أقرأ كتابه، القرآن المجيد، قبل البدء بدراسة تفسيره؛ لأنه مقدمة لتفسيره - كما يقول - ضمنه آراءه وانتقاداته واعتراضاته. ولذلك لا بد من التحدث عن هذا الكتاب قبل البدء بالحديث عن التفسير.
يشتمل هذا الكتاب الذي تربو صفحاته عن الثلاثمائة، على أربعة فصول:
الأول: في أسلوب القرآن ووحيه وأثره.
الثاني: في جمع القرآن وتدوينه وقراءاته ورسم المصحف وتنظيماته.
الثالث: في الخطة المثلى لفهم القرآن وتفسيره.
الرابع: في نظرات وتعليقات على كتب المفسرين ومناهجهم.
والذي يهمنا بالطبع الفصلان الأخيران، وقد شغلا أكثر من نصف صفحات الكتاب. ولا بأس قبل ذلك أن نشير إلى ما ذكره في الفصلين الأول والثاني.
فقد تحدث في الفصل الأول عن أسلوب القرآن الكريم وأثره، وقد عرض في هذا الفصل لما ذكره المستشرقون والمبشرون من أن السيرة في العهد المدني قد تطورت، فقد انقلب النبي صلى الله عليه وسلم من نبي إلى حاكم أو صار سلطانًا، وأن النبي قد نقض المبادئ التي بشر بها ودعا إليها في مكة وخالفها، وهو يقول إن السيرة قد
تطورت بالفعل، ولكن هذا لا يقتضي أن يكون قد انقلب إلى حاكم أكثر منه نبيًّا، والقول بأنه قد خالف المبادئ التي بشّر بها في مكة خطأ فاحش لا يستند إلى حق أو شبهة من حق. ويقول: "إن ما كان من تطور في السيرة النبوية المدنية في المرامي القرآنية المدنية، ليس هو تطورًا في معنى الانحراف عن الأصل المكي سيرةً وقرآنًا، وإنما هو في حدود هذا الأصل ونطاقه. فالقرآن، وإن كان دعا إلى ما دعا إليه ونهى عن ما نهى عنه بأسلوب الحث والتحريض والترغيب والترهيب
…
فإنه انطوى على نواة الأمر والنهي والتشريع، ويأتي بأمثلة لذلك من القرآن الكريم" (1).
وفي الفصل الثاني يذكر أن هناك روايات عديدة في تدوين القرآن:
الأول: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يكن القرآن قد جُمع في شيء، وأن جمعه وترتيبه إنما كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ما دُوِّن في زمنه صلى الله عليه وسلم إنما دُوِّن على وسائل بدائية كأكتاف العظام، ويذكر بعض الروايات في ذلك، منها ما يشير إلى أن ترتيب سور القرآن قد تم زمن الصحابة".
الثاني: أن هناك روايات كثيرة عن وجود اختلاف في ترتيب مصاحف بعض الصحابة وعن كلمات زائدة كتبت في بعض المصاحف، وتُكتب في المصحف المتداول، وعن آيات كانت تُقرأ ولم تُكتب، وهذا يفيد أن القرآن الكريم لم يُجمع ويُرتَّب إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وينقل روايات أوردها السيوطي، ومن هذه الروايات ما يدل على أن مصحف أبيّ بن كعب كان فيه سورتان هما سورة الخلع والحفد، وهناك روايات عديدة تفيد أن بعض الصحابة كانوا يقرؤون كلمات بدل كلمات، مثل (أيمانهما) بدل (أيدجهما) في آية السرقة.
(1) ص 41.
ويورد أحاديث نسخ المصاحف في عهد عثمان بن عفان؛ لأن فيها ما يفيد أن المسلمين كانوا يختلفون في قراءة القرآن، حتى أفزع اختلافهم عثمان وغيره من كبار الصحابة، وبالتالي هذا يفيد أن القرآن لم يكن في كتابته ومصاحفه وصحفه المتداولة وفي قراءته محررًا بحيث يؤمن معه ذلك الخلاف، ويورد بعض الروايات التي تتحدث عن النسخ زمن عثمان، منها ما رواه البخاري ومنها ما رواه غيره.
الثالث: هناك روايات وأقوال يستفاد منها أن القرآن الكريم كان يُدوَّن ويُرتَّب آياته وسوره في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره، وأن ترتيب المصحف العثماني متصل بعهد النبي وتوقيفه. ويذكر روايات تدل لذلك.
ثم يعلق على تلك الأقوال والروايات التي ذكرها، ويرجح أن تدوين وترتيب القرآن الكريم، إنما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ويذكر أن السورتين اللتين ورد ذكرهما في مصحف أبيّ (الحفد والخلع) هما دعاءا قنوت، وقد ورد أن عمر قنت بهما بعد قيامه من الركوع، وقد يكون أبيّ وَهَم - وهو يشك في ذلك - وظن أنهما من القرآن ثم رجع بعد ذلك لما ثبت له أنهما ليستا من القرآن الكريم.
ويرد كذلك رواية مصحف علي ومخالفته لترتيب المصحف، ويقول لو ثبت هذا القول لعضّ عليه الشيعة بالنواجذ.
وأورد بعد ذلك بعض المباحث الموجزة التي تتصل بالموضوع، منها ما يتعلق بأسماء السور، حيث يرى أنه كان للسور كلها أو كثير منها منذ عهد النبي أسماء تُذكر، وتُعرف بها (1) وتحدث عن الأسلوب المكي، والأسلوب المدني، وشكل المصاحف ونقطها وعلامات الوقف والوصل، ورسم المصحف العثماني والقراءات المشهورة (2).
(1) وقد ذكر في كتابنا (إتقان البرهان) أن أسماء السور توقيفية.
(2)
ص 116 - 140.