الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهجه في التفسير
تقديمه بين يدي السورة:
في هذا الكتاب فسر الأستاذ أبو الأعلى السور الثلاث الأُوَل من القرآن الكريم، وقبل البدء بالتفسير يعطي فكرة مجملة عن السورة: اسمها، فترة نزولها، موضوعاتها، حيث يقسم آيات السورة الكريمة إلى مجموعات، ويذكر المعنى الإجمالي بإيجاز لكل مجموعة، ولا ينسى أن يبين البحث الرئيس للسورة، فالبحث الرئيس لسورة البقرة كما يرى، هو الهداية، فهذه السورة دعوة لقبول الهداية الإلهية، وكل القصص والحوادث التي وردت فيها تدور حول هذه الفكرة المركزية.
وفي سورتي البقرة، وآل عمران ربط بين فهم معاني السورة بالخلفية التاريخية التي أحاطت بنزول الآيات الكريمة، فمثلًا قال في الخلفية التاريخية لسورة آل عمران:"اتّقدت نار الانتقام في قلوب قريش بعد هزيمتهم في بدر، وأجّج اليهود هذه النيران وزكّوها، فكانت النتيجة أن وقعت حرب أُحُد، وهزيمة المسلمين في أُحُد كشفت عن نقاط ضعف المسلمين وأخطائهم، وهو أمر طبيعي أن تظهر بعض نقاط الضعف في جماعة تكونت منذ وقت وشيك، ولما تكتمل تربية أفرادها بعد، فباتَ ضروريًا أن يصدر تعليق كامل على الحرب بعد انتهائها بُيِّنَت فيه نقاط الضعف، وأعطيت الإرشادات والتعليمات اللازمة لإصلاحها وتقويمها"(1).
إبرازه هداية القرآن:
وبعد هذه المقدمات الموجزة يبدأ بتفسير الآيات، وتفسيره سهل ميسر واضح التراكيب، لغته عصرية، وألفاظه مستمدة من الواقع، يمكن وصف كتابه بأنه وقوف في ظلال الآيات، وليس تفسيرًا حرفيًا، فهو قد يمرّ بكثير من الآيات دون بيان معناها، بل إن ما يبرز في كتابه هو محاولة إظهار الغرض الأساسي للقرآن
(1) المرجع السابق، ص 197.
الكريم وهو هداية القرآن، فكان دائمًا يربط بين هذا الغرض وبين تفسير الآيات، ولهذا نجده لا يُعنى كثيرًا ببيان معنى الآيات بشكل تفصيلي، أو بيان المفردات الغريبة إلا قليلًا، ولا يقف كثيرًا على أوجه البلاغة والنحو، بل همّه الأكبر هو إنزال الآيات على الواقع، وبث المواعظ واستنباط ما يمكن استنباطه منها مما يَفيد الناسُ منه في حياتهم.
مثلًا عند قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} [البقرة: 29]، قال: "هنا تحذير للناس من عصيان الله؛ لأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السموات أو في الأرض، أو في الألباب أو في القلوب، وليس في مكنة أحد من خلقه أن يحجب عنه شيئًا، أو يداري عن علمه أمرًا.
كذلك تحوي هذه الآية حثًا للناس على اتباع هدى الله والخضوع له، لأنه تعالى أعلم با يناسب خلقه، ومن يحول وجهه عن هدايته، ويعرض عن طريقه، فسوف يضل إلى الجهل لا محالة، لأنه عز وجل نبع المعرفة الحقيقية ومصدر العلم الأصيل، ولا خير يرجى إذا نأى الإنسان عنه، إذ ليس للإنسان نبع آخر غير الله يستقي منه معرفة الحقيقة، ونوره سبحانه وحده هو الذي يأخذ بيد الإنسان وجهديه في الدياجير الحالكة التي تكتنفه من كل جانب" (1).
وعند قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} [البقرة: 134]، قال -بعد أن فسرها تفسيرًا إجماليًا-: "إن أعمالنا وأفعالنا ليست في عين القرآن إلا كسب أيدينا؛ لأن كل فعل وعمل سواء أسفر عن نتيجة خير أم عاقبة سوء، إن خيرًا فسيجزينا ربنا عنه خيرًا، وإن شرًّا فسيعاقبنا به الله
(1) المرجع السابق، ص 58.