الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أمثلة ذلك أنه:
1 -
تحدث في سورة المائدة عن أحكام القصاص بالقتل عند الآية (32) في 1/ 394 - 373 وكان الأوْلى به أن يتحدث عن ذلك عند موضع وروده الأول في سورة البقرة عند قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178].
2 -
ولم يتحدث عن الحروف المقطعة عند ورودها الأول في سورة البقرة وإنما تحدث عنها في بداية سورة هود وقدم عذرًا ضعيفًا هناك وهو أن "الحروف المقطعة في القرآن المكي غالبًا، والبقرة وآل عمران مدنيتان، والغالب له الحكم، واخترنا لبيان ذلك سورة هود لأن دلالتها على المعنى المقصود في غاية الظهور والإيضاح"(1).
3 -
وعرض للفرق بين {ضَيِّقًا} [الأنعام: 125]{وَضَائِقٌ} [هود: 12] عرض لذلك في الفرقان (2)، ولم يعرض لها عند ورودها الأول في سورة الأنعام.
4 -
وعرض لقوله تعالى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} في سورة الرحمن (3)، عند قوله تعالى:{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)} [الرحمن: 12]. ولم يعرض لتفسيرها عند أول ورود لها في سورة النساء في آيتي سورة النساء (22 و 23).
وهذا وصفٌ دقيق التزمنا فيه الوضوعية لهذا التفسير وأرجو أن يعطيَ القارئَ فكرة جيدة عن هذا التفسير الكبير.
ثالثا: ملاحظات على القضايا المنهجية في التفسير:
1 -
موقفه من الأحاديث النبوية الشريفة: يفسر الآيات أحيانًا أو يرجح رأيًا على رأي من خلال الاستشهاد بالأحاديث النبوية الشريفة، ومنهجه في ذلك ليس
(1) أضواء البيان، 2/ 168.
(2)
المرجع السابق، 6/ 28.
(3)
أضواء البيان، 7/ 498.
واحدًا، فأحيانًا يطيل في التخريج والحكم على الأحاديث بما ليس له ضرورة، وأحيانًا لا يخرج هذه الأحاديث، وقد يستدل بها أحيانًا مع عدم صحتها.
فمثلًا: عند قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26]، قال:"إن الشاهد هو صبي - مستدلًا بحديث ابن عباس الذي يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم"(1) لكن الرواية الصحيحة في الصحيحين لم يُذكر فيها شاهد يوسف (2)، والحديث الذي ذكره رواه أحمد (3) في مسنده والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الدلائل والبزار في كشف الأستار من قول ابن عباس وليس مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم. والشاهد في الآية الكريمة {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} هو هو رجل عاقل تدل شهادته على رجاحة عقله، ولو كان طفلًا ما احتاج إلى هذا التفضيل في شهادته، على أن الحديث في صحيح الإمام مسلم الذي ذكر فيه من تكلموا في المهد (4)، لم يعرض للشاهد ببراءة يوسف عليه السلام، وحديث مسلم مقدم على الحديث الذي ذكره الشيخ.
وعند قوله تعالى في السورة نفسها {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)} [يوسف: 28]، قال:"إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان - مستدلًا بحديث نقله عن القرطبي - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان" (5)، والحديث لم يروه أحد إلا القرطبي، ويحيى بن أبي كثير لم يسمع من أبي هريرة كما قال أبو حاتم وغيره (6). ومقاتل لم أتبين من هو هل هو ابن سليمان أو ابن حيان وأظنه
(1) أضواء البيان، 2/ 217.
(2)
البخاري 3436، ومسلم 2550 (8).
(3)
مسند الإمام أحمد، 5/ 30، رقم 2821، طبعة مؤسسة الرسالة.
(4)
صحيح مسلم 2550 (8).
(5)
المصدر السابق، 2/ 217. وانظر: تفسير القرطبي، 9/ 150.
(6)
انظر: العلائي، جامع التحصيل، ص 299.
ابن سليمان المفسر الذي رمي بالتجسيم، كذبوه وهجروه كما في التقريب (1)، ثم إن يحيى بن أبي كثير لا يروي عن الصحابة.
وعند قوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} [الكهف: 48]، استدل على أن {صَفًّا} هي بمعنى (صفوفًا) بحديث نقله عن القرطبي: "إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع
…
" (2). والحديث عند التحقيق إن لم يكن موضوعًا فهو ضعيف لا يصح (3).
وعند قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)} [مريم: 62]، يستدل بحديث أنه ليس في الجنة ليل، يرويه عن الترمذي الحكيم، وليس هو الترمذي صاحب السنن في نوادر الأصول، والحديث:"ليس هناك ليل إنما هو ضوء ونور، يَرُدُّ الغدوَّ على الرواح، والرواحَ على الغدوِّ"(4). والحديث عزاه صاحب كنز العمال للحكيم الترمذي مرسلًا (5).
2 -
استشهاده بالشعر: ومن منهجه في التفسير أيضًا أن يستعين بالشواهد الشعرية في تفسيره للمفردات القرآنية (6)، حتى زادت الأبيات التي اسشهد بها في الأجزاء التي نشرها على ألفي بيت شعر. وأحيانًا يستدل ببعض الأبيات التي فيها ما يخدش الحياء، ويكون الأوْلى للكاتب أن يتجنبها ومن الأمثلة على ذلك:
(1) ابن حجر، تقريب التهذيب، ص 545.
(2)
أضواء البيان، 3/ 284.
(3)
انظر: الذهبي، العلو للعلي الغفار، ص 68.
(4)
أضواء البيان، 3/ 470.
(5)
كنز العمال، 14/ 576.
(6)
انظر: تفسيره مثلًا لـ: (أزكى) 3/ 227، (رجمًا بالغيب) 3/ 252، (الظلم) 3/ 276، (سرادق) 3/ 268، (نغادر) 3/ 284، (الضلال) 3/ 315، (حنانًا (3/ 379 - 380، (سريًا) 3/ 395، (ركزًا) 3/ 519.
استدلاله على أن من أساليب اللغة العربية: خطاب إنسان والمراد بالخطاب غيره، كقول سهل به مالك الفزاري حين زار حارثة بن لأم الطائي فوجده غائبًا، وأنزلته أخته وأكرمته وكانت جميلة فأعجبه جمالها، فقال مخاطبًا لأخرى غيرها ليُسمِعها هي:
يا أختَ خيرِ البدْوِ والحضارهْ
…
كيف تَرَيْنَ في فتَى فزارهْ
أصبح يهوَى حُرَّةً معطارهْ
…
إياك أعني واسمعي يا جارهْ
ففهمت المرأة مراده، وأجابته بقولها:
إني أقول يا فتَى فزارهْ
…
لا أبتغي الزوجَ ولا الدَّعارهْ
ولا فراقَ أهلِ هذي الحارهْ
…
فارحل إلى أهلك باستِحارَهْ (1)
والظاهر أن قولها: "باستحاره" أن أصله استفعال من المحاورة، أي: ارحل إلى أهلك بالمحاورة التي وقعت بيني وبينك.
ومن الأمثلة على ذلك أيضًا، استدلاله على أن معنى (تقعد) في قوله:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)} [الإسراء: 29] بأن معناها: تصير (2).
واستدلاله على معنى (والجلود) في قوله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)} [الحج: 20]، أي: وتصهر به الجلود. واستدلاله على ذلك بشعر لا ينبغي أن يذكر في مثل هذا السياق (3).
ويستدل أحيانًا بمنظومات كثيرة على تفسيره للآيات وبيانه للقضايا اللغوية والإعرابية والأصولية والفقهية والعقدية وهكذا، مثل: مراقي السعود وهو من تآليف الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن عطاء العلوي، وهو نَظْم لمتن "جمع الجوامع"
(1) أضواء البيان، 3/ 84.
(2)
المصدر السابق، 3/ 84.
(3)
المصدر السابق، 4/ 290.