الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأغرب من ذلك كله أن المؤلف رحمه الله يرجع في بيان هذه الأقسام إلى الآية الكريمة {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] فالمحكمات عنده هي الأسس، والمتشابهات هي الوسائل، ومعنى هذا أن القصص القرآني والأمثال وآيات الثواب والعقاب كلها من المتشابه. ومع كثرة الأقوال في المتشابه، فإن أحدًا من العلماء لم يدع ذلك أبدًا، مع أن المؤلف يزعم بأن غيره قرر هذا مع اختلاف في التسمية (1).
5 - القصص القرآني:
يهدف المؤلف في هذا الفصل، الذي هو خطة مثلى لفهم القرآن وتفسيره - في رأيه - إلى أمرين اثنين:
الأول: أنَّ القصص القرآني لم يكن مجهولًا لدى العرب، بل كان معروفًا لهم قبل أن ينزل به القرآن.
الثاني: أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يعرف هذه القصص والأخبار والوقائع قبل نزول الوحي عليه، ويطيل الكلام في ذلك لإثبات ما يقول.
وقبل أن نستعرض أقواله لا يفوتنا أن نشير إلى أن القصص عنده من قسم الوسائل التدعيمية، وليست من الأسس التي هي أمور جوهرية، ولهذا لم ترد القصة لذاتها بل جاءت للعبرة فحسب.
ادعاؤه معرفة العرب للقصص القرآني ومناقشة أدلته:
ويستدل المؤلف على ما ذهب إليه بأدلة متعددة:
(1) يستشهد المؤلف بالسيد رشيد رضا، ولقد رجعت إلى ما كتبه صاحب المنار فلم أجد نصًّا من قريب أو بعيد، يدل على ما ذهب إليه المؤلف.
1 -
يقول إن آيتين إحداهما في (الأنبياء) وأخرى في (القصص)، تدلان على ما ادعاه، من أن العرب كانوا على علم بالقصص قبل نزولها. والآية الأولى قوله تعالى:{بَلْ قَالوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)} [الأنبياء: 5].
والآية الثانية قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص: 48].
والعجيب من المؤلف، كيف جعل من هاتين الآيتين حجة له ودليلًا. الآية الأولى يظهر فيها اضطراب القوم، وسرعة تحولهم وتشتت أفكارهم، والذي أشارت إليه الآية، أنهم طلبوا آية كما أرسل الأولون، وليس في هذا دليل على معرفة القصص والوقائع.
وأما الآية الثانية فإنهم طلبوا فيها مثلما أوتي موسى، ولقد كان أمر موسى عليه السلام من الشهرة بحيث لا يجهله أحد من العرب أو من غيرهم، على أن هذه الآية ليست أول آية تحدثت عن سيدنا موسى عليه السلام في القرآن. هذا مع أن كثيرًا من المفسرين ذهب إلى أنَّها نزلت في شأن اليهود، بدليل قوله تعالى بعد طلبهم هذا {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} . وأيأ ما كان الأمر فليس في الآية من قريب أو بعيد ما يشير إلى ما ذهب إليه المؤلف الفاضل رحمه الله.
2 -
وما يستدل به المؤلف لرأيه أن هذا القصص، لو لم تكن معروفة عند العرب، ما كان لها هذا التأثير في نفوسهم، وما كان لها الموقع الذي وقعته في قلوبهم، لأن الأمر إذا كان معلومًا لدى المرء، وقع موقع الرضا والاستحسان، أما إذا كان مجهولًا فليس له هذا الأثر. أفلا يكون الأمر على العكس من ذلك تمامًا؟ !
2 -
ومما يؤيد به المؤلف رأيه، أن أعلامًا ذكرت في القرآن كإبراهيم وطالوت وجالوت وهاروت وماروت وقارون، وهي معربة، مما يعني أنهم كانوا يعرفون هذه
الأعلام وقد عرّبوها قبل نزول القرآن، ولا يمكن أن يكون القرآن قد نزل بها معربة دون معرفتهم بها.
ولا نعتقد أن في هذا حجة للمؤلف، فلقد استعمل القرآن كلمات لم تكن معروفة عند العرب من قبل، كجهنم وإبليس وغيرهما من الكلمات، ومن المعلوم أن الأعلام لا تختلف باختلاف اللغات، وعلى التسليم بمعرفة العرب لبعض هذه الأعلام، فإن ذلك لا يدل على معرفة تفصيلية بقصصهم ووقائعهم.
ويدعي المؤلف أن العرب قد عرفوا بعض هذه القصص عن طرق اليهود وبعضها عن طريق غيرهم، "مع احتمال أن اسمي إبراهيم وإسماعيل، قد اقتبسا من اليهود، لأن التوراة هي أول ما جاء يحمل هذين الاسمين مدونين"(1) وهذا يدعو إلى الغرابة بحق لأن صلة العرب بإبراهيم وإسماعيل أقوى من أن تقتبس من التوراة.
4 -
يقول المؤلف إن العرب جادلوا في الحياة الأخروبة، ولم يجادلوا في القصص لجهلهم بالأولى ومعرفتهم بالثانية.
والذي نراه أن جدال العرب في الحياة الأخروية، إنما كان ذلك يصطدم ويتعارض مع معتقدهم، والقرآن يبين أن منهم المنكر والشاك، وليس كذلك القصص فإنه لا يصطدم مع عقيدة.
ويرد المؤلف على ما يمكن أن يوجه إليه، بأن العرب جادلت في القصص وذلك في مثل قوله تعالى:{قَالوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)} [النحل: 24]، يرد بأن الأساطير إنما هي المدونات من المسطور، وليست الخرافات والأكاذيب! ! وما نظن أحدًا تبنى هذا الرأي قبل اللهم إلا من جاء بعده مثل محمد أحمد خلف الله.
(1) القرآن المجيد، ص 175.