المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عنايته بالمناسبة: ولم يغفل رحمه الله التنبيه على مناسبة الآيات بعضها - التفسير والمفسرون في العصر الحديث - فضل عباس - جـ ٣

[فضل حسن عباس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌منهج الأستاذ أبي الأعلى المودودي (ت 1399 هـ / 1979) في التفسير

- ‌الجزء الأول: من الفاتحة إلى آل عمران

- ‌حياته:

- ‌مقدمة:

- ‌جمع القرآن:

- ‌اختلاف اللهجات:

- ‌الشمولية:

- ‌دستور كامل:

- ‌مقترحات حول الدراسة:

- ‌منهجه في التفسير

- ‌تقديمه بين يدي السورة:

- ‌إبرازه هداية القرآن:

- ‌موقفه من القضايا اللغوية:

- ‌موقفه من المسائل العقدية:

- ‌موقفه من الخلافات الفقهية:

- ‌مقدمات تاريخية للآية:

- ‌عنايته بأسباب النزول:

- ‌إقلاله من الاستشهاد بالأحاديث:

- ‌رده على بني إسرائيل:

- ‌رده الشبهات:

- ‌وقوعه في الإسرائيليات:

- ‌منهجية مضطربة:

- ‌ملاحظة السياق:

- ‌تفسير سورة النور

- ‌توسعه في المسائل الفقهية:

- ‌رأيه في حجاب المرأة:

- ‌موقفه من الاستشهاد بالأحاديث:

- ‌تحليل الألفاظ:

- ‌الوعظ والإرشاد:

- ‌موقفه من المسائل البيانية:

- ‌عنايته بالمناسبة:

- ‌عقيدة التنزيه:

- ‌منهج الشيخ سعيد حوى (ت 1989) في تفسيره

- ‌حياته

- ‌ تفسيره

- ‌تقسيمه القرآن والسور:

- ‌القرآن وحدة واحدة:

- ‌موقفه من التفسير المأثور:

- ‌موقفه من أسباب النزول:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ مصادره

- ‌عنايته بالقضايا الفقهية:

- ‌قضايا العقيدة في التفسير:

- ‌موقفه من القضايا اللغوية:

- ‌موقفه من القراءت:

- ‌استطراداته:

- ‌أثر ثقافته وتجاربه على تفسيره:

- ‌منهج الإمام الشنقيطي (ت 1393 هـ/1973 م) تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

- ‌القسم الأول

- ‌أولا: ترجمة الإمام الشنقيطي

- ‌مؤلفاته:

- ‌عقيدته:

- ‌ثانيا: التعريف بالتفسير:

- ‌ثالثا: ملاحظات على القضايا المنهجية في التفسير:

- ‌منهح الشيخ في تفسيره:

- ‌أولا: القراءات القرآنية:

- ‌ثانيا: موقفه من المبهمات:

- ‌ثالثا: الإسرائيليات:

- ‌رابعا: ذكره أقوال العلماء:

- ‌خامسا: منهجه في التوثيق:

- ‌سادسا: تفسيره للآيات العلمية من خلال مشاهداته:

- ‌سابعا: قلة عنايته بالقضايا البيانية:

- ‌ثامنا: موقفه من المخالفين:

- ‌تاسعا: ملاحظات على القضايا العلمية:

- ‌أ- قضايا اللغة:

- ‌ب - قضايا أخرى:

- ‌عاشرا: نماذج من تفسير الشيخ رحمه الله من أضواء البيان:

- ‌القسم الثاني تتمة الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله

- ‌أولا: ترجمة الشيخ عطية محمد سالم

- ‌مؤلفات الشيخ عطية:

- ‌ثانيًا: ملاحظات على تفسير الشيخ عطية محمد سالم

- ‌ميزات تفسير الشيخ عطية:

- ‌ثالثا: نماذج من تفسير الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله:

- ‌منهج الأستاذ محمد عزة دروزة رحمه الله (ت 1984 م) في التفسير الحديث

- ‌التعريف بالمؤلف:

- ‌المولد والنشأة:

- ‌في ميدان العمل:

- ‌في ميدان التربية والتعليم:

- ‌الحفاظ على الأوقاف الفلسطينية:

- ‌مشاركته في الحركة القومية:

- ‌إنتاجه الفكري:

- ‌وفاته:

- ‌ القرآن المجيد

- ‌أولا: الخطة المثلى لفهم القرآن:

- ‌1 - القرآن والسيرة النبوية:

- ‌2 - البيئة النبوية:

- ‌3 - اللغة القرآنية:

- ‌4 - القرآن أسس ووسائل:

- ‌تقسيم ليس فيه دقة ولا موضوعية:

- ‌5 - القصص القرآني:

- ‌ادعاؤه معرفة العرب للقصص القرآني ومناقشة أدلته:

- ‌زعم معرفة الرسول الكريم بهذا القصص قبل الوحي:

- ‌النصوص الصريحة تشكُل على المؤلف وتحيِّره:

- ‌صحة القصص القرآني وعدم تناقضه:

- ‌6 - الملائكة والجن في القرآن:

- ‌7 - مشاهد الكون ونواميسه:

- ‌8 - الحياة الأخروية في القرآن:

- ‌9 - ذات الله في القرآن:

- ‌10 - تسلسل الفصول القرآنية وسياقها:

- ‌11 - فهم القرآن من القرآن:

- ‌ثانيًا: تعليقاته ومآخذه على المفسرين ومناهجهم:

- ‌تعليقه على روايات أسباب النزول:

- ‌ثغرات حذر منها العلماء:

- ‌ثغرات مزعومة:

- ‌التفسير المثالي كما يراه المؤلف:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌ترتيب يشذ به عن المفسرين:

- ‌الأدلة التي اعتمدها ومناقشتها:

- ‌محاذير هذه الطريقة:

- ‌عدم تأديتها للنتائج التي قصدها المؤلف وأمثلة ذلك:

- ‌1 - آيات التحدي:

- ‌2 - آيات الإسراء والمعراج:

- ‌نماذج من تفسير المؤلف:

- ‌تعبير غير دقيق:

- ‌سورة التكوير:

- ‌رأيه في بعض مسائل التفسير:

- ‌1 - فواتح السور:

- ‌رده القول برمزية الحروف:

- ‌إيراده أقوالًا غير معتبرة في تفسير هذه الحروف:

- ‌تعليله لكثرة الحروف أو قلتها:

- ‌رد هذا التأويل:

- ‌2 - المفسر والآيات الكونية:

- ‌نماذج من هذا التفسير:

- ‌تعليقنا على هذا المنهج:

- ‌3 - رأيه في السحر:

- ‌4 - المفسر والمتشابه:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌رأينا في هذا المنهج:

- ‌5 - آيات الأحكام:

- ‌ذكره تفريعات في تفسير آيات الأحكام وادعاؤه أن العلماء لم يتطرقوا إليها:

- ‌ضعفه في أدوات التفسير:

- ‌اضطراب يشوش على القراء:

- ‌استطراد:

- ‌بيانه لحكمة التشريع:

- ‌رأينا في هذا المنهج:

- ‌6 - الأستاذ دروزة وآيات الجهاد:

- ‌مناقشة تلك الآراء:

- ‌ملاحظات على التفسير:

- ‌7 - المفسر يعتمد على الإسرائيليات في مواضع متعددة:

- ‌أ - القصص:

- ‌ب- مشاهد الكون ونواميسه:

- ‌الأستاذ دروزة يرد على حملات المستشرقين:

- ‌تقييم التفسير:

- ‌منهج الشيخ عبد القادر ملا حويش العاني (ت 1398 هـ/1978 م) في بيان المعاني

- ‌1. نبذة عن حياة المؤلف:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌المناصب الإدارية التي تقلدها:

- ‌أوصافه:

- ‌حوار مع ولده:

- ‌مؤلفاته:

- ‌قصة كتابة التفسير:

- ‌2. التعريف بكتابه:

- ‌3. منهجه في التفسير:

- ‌ركاكة وتناقض:

- ‌اثنا عشر مطلبا يذكرها المؤلف:

- ‌الأصول التي اتبعها:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌1 - تفسيره للحروف المقطعة:

- ‌2 - مخالفته لصريح القرآن وصحيح الحديث:

- ‌3 - إخراج النصوص عن دلالاتها:

- ‌4 - يستشهد بافتراءات بني إسرائيل على أنبيائهم:

- ‌5 - حديث خرافة:

- ‌6 - اعتقاده بصحة قصة الغرانيق:

- ‌7 - إيراده للخرافات وجهله بالسنّة:

- ‌8 - قصة بلقيس:

- ‌9 - غرائبه في الإسراء والمعراج:

- ‌أ- المعجزات بين يدي الإسراء:

- ‌ب- المعجزات في أثناء الإسراء:

- ‌ج- المعجزات في أثناء المعراج:

- ‌10 - تناقضه في إثبات رؤية الله عز وجل في الدنيا:

- ‌11 - تضعيفه للأحاديث الصحيحة واستشهاده بالموضوعات:

- ‌12 - إمعانه في الخرافات:

- ‌13 - تخبطه في التفسير:

- ‌14 - جهله ببدهيات اللغة والتاريخ:

- ‌15 - إغرابه في كل شيء:

- ‌16 - رده للسنّة والإجماع:

- ‌إشفاقنا على المفسر وتحذيرنا من تفسيره:

- ‌تفسير الأستاذ أحمد مظهر العظمة (1327 - 1403 هـ/1909 - 1982 م)

- ‌1. منهجه في التفسير:

- ‌2. نماذج من التفسير:

- ‌أ- من سورة الملك:

- ‌ب- النسق الفني في سورة المرسلات:

- ‌ج- آيات من سورة لقمان:

- ‌الصور البيانية:

- ‌3. الإشارات العلمية في الآيات:

- ‌1 - الشمس والقمر بحسبان:

- ‌2 - والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون:

- ‌4. بيانه للقيم الدينية والاجتماعية والخلقية:

- ‌3 - المفسر وآيات التشريع:

- ‌4 - رأينا في التفسير:

- ‌منهج العلامة محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ/1973 م) في تفسير التحرير والتنوير

- ‌حياته:

- ‌قراءاته وأهم شيوخه حتى عام 1899 م:

- ‌مؤلفاته وكتاباته:

- ‌أولًا: مؤلفاته المطبوعة

- ‌ثانيًا: ومن كتبه المخطوطة:

- ‌المنهج العام لابن عاشور في تفسيره

- ‌القسم الأول: مقدمات التفسير:

- ‌القسم الثاني: مدخل إلى تفسير السورة الكريمة:

- ‌رأي الشيخ في ترتيب سور القرآن الكريم:

- ‌الثاني: ترتيب السور حسب النزول:

- ‌طريقة ابن عاشور في تفسير السورة:

- ‌قضايا علوم القرآن في تفسيره:

- ‌1. الحديث عن الحروف المقطعة في أوائل السور:

- ‌2. الأحرف السبعة:

- ‌3. منسوخ التلاوة:

- ‌اهتمام الشيخ باللغة:

- ‌تناوب حروف الجر:

- ‌عناية الشيخ بالقضايا البلاغية:

- ‌عناية الشيخ بالقضايا العقدية:

- ‌عنايته بآيات الأحكام:

- ‌نكاح المتعة:

- ‌نكاح الربيبة:

- ‌الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة (ت 1974 م) في زهرة التفاسير

- ‌تعريف بالشيخ محمد أبو زهرة:

- ‌صفاته- سعة علمه ومبدؤه:

- ‌المؤلفات والبحوث:

- ‌أشهر مؤلفاته وكتبه:

- ‌وفاته:

- ‌المنهاج الذي اتبعه الشيخ:

- ‌التفسير بالرواية (المأثور):

- ‌هل النبي صلى الله عليه وسلم فسر القرآن الكريم كله

- ‌تفسير القرآن بالراي:

- ‌الطريقة المثلى:

- ‌تفسير القرآن بالعلوم:

- ‌علم الكلام وأراء الفقهاء:

- ‌النسخ في القرآن الكريم:

- ‌المحكم والمتشابه:

- ‌القراءات القرآنية:

- ‌الشيخ لا يبين القراءة المتواترة من الشاذة:

- ‌مناسبة معجزة كل نبي لقومه:

- ‌نزول الفاتحة:

- ‌سورة الرعد مدنية:

- ‌رأيه في بعض مسائل التفسير:

- ‌رأيه في القتال:

- ‌رأيه في ترتيب نزول آيات الخمر:

- ‌قصة البقرة:

- ‌ رأيه في قتال الملائكة يوم بدر:

- ‌ترجيحات الشيخ:

- ‌عناية الشيخ بالقضايا اللغوية:

- ‌ عنايته بالقضايا البلاغية:

- ‌رأيه في التكرار:

- ‌رده القول بالزيادة:

- ‌القول بتناوب الحروف:

- ‌معنى الباء في بسم الله:

- ‌الفعل المحذوف بعد (بسم الله):

- ‌حروف النداء:

- ‌معنى الباء في قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}:

- ‌تأثره بالعلم الحديث:

- ‌1 - تفسيره للرعد:

- ‌2 - تفسيره لقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}:

- ‌ملاحظات حول التفسير:

- ‌منهج الشيخ عبد الكريم الخطيب (ت 1985 م) في التفسير القرآني للقرآن

- ‌أولًا: تعريف بالمفسر عبد الكريم الخطيب:

- ‌ثانيا: التعريف العام بتفسير الخطيب:

- ‌ثالثا: المعالم الأساسية في منهج الخطيب في تفسيره:

- ‌1 - اهتمامه بعلوم القرآن:

- ‌2 - اهتمامه بمسائل العقيدة:

- ‌موقفه من المشيئة:

- ‌موقفه من عقيدة تناسخ الأرواح:

- ‌موقفه من الستة أيام:

- ‌دفاع الخطيب عن عصمة الأنبياء:

- ‌موقفه من الاستواء:

- ‌موقفه من الرؤية:

- ‌تصوره ليوم القيامة:

- ‌3 - المنهج الفقهي عند الخطيب:

- ‌إحياء فن النحت وصنع التماثيل:

- ‌مسألة مس المحدث للمصحف:

- ‌تفسير الخطيب لمصارف الزكاة:

- ‌رأي الخطيب في الخمر:

- ‌4 - الاتجاه الاجتماعي في تفسير الخطيب:

- ‌5 - اهتمامه بالقضايا السياسية:

- ‌6 - الإعجاز القرآني عند الخطيب:

- ‌الإعجاز في النظم:

- ‌الإعجاز في الكلمة القرآنية:

- ‌الإعجاز الموسيقي في القرآن الكريم:

- ‌الإعجاز العلمي عند الخطيب:

- ‌7 - مخالفته آراء العلماء والمفسرين:

- ‌8 - ظهور التناقض في بعض آرائه:

- ‌رأيه في المحكم والمتشابه:

- ‌نفقة العدة للمطلقة طلاقًا بائنًا:

- ‌موقف الخطيب من الحروف المقطعة:

- ‌9 - ظهور بعض الآراء الخطيرة:

- ‌القول بنظرية النشوء والارتقاء:

- ‌جرأة الخطيب على آيات كتاب الله:

- ‌الدعوة إلى وحدة الأديان:

- ‌10 - تعامله مع الروايات:

- ‌رد الأحاديث الصحيحة:

- ‌إهماله أسباب النزول:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌11 - دفاعه عن الإسلام والقرآن:

- ‌تعدد الزوجات:

- ‌الإسلام والجنس:

- ‌شبهة انتشار الإسلام بالسيف:

- ‌موقف الخطيب من الحروف الزائدة والأقسام المنفية:

- ‌ظاهرة التكرار في القصة القرآنية:

الفصل: ‌ ‌عنايته بالمناسبة: ولم يغفل رحمه الله التنبيه على مناسبة الآيات بعضها

‌عنايته بالمناسبة:

ولم يغفل رحمه الله التنبيه على مناسبة الآيات بعضها لبعض حين تخفى، فقد بيّن مناسبة الآيات العشر الأولى من سورة النور لما جاء بعد ذلك من حديث عن الإفك، وأن تلك الآيات كان فيها تنبيه للمسلمين بأن الرمي بالزنا ليس أمرًا هينًا، يتلاعب به الناس.

ووضّح وجه المناسبة بين قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا

} وما قبلها، قال:"لقد كان الغرض من الأحكام المذكورة في بدء السورة، أن يُتدارك ما يظهر في المجتمع من المفاسد، وههنا الله تعالى يبدأ من هذه الآيات سرد الأحكام التي يُقصد من ورائها الحيلولة دون نشوء المفاسد في المجتمع أصلًا، واستئصال الأسباب التي تظهر لأجلها مثل هذه المفاسد، وذلك بإصلاح طرق المدنية والحياة الاجتماعية"(1).

‌عقيدة التنزيه:

من الجميل أن نقف مع الأستاذ أبي الأعلى عند تفسيره لقول الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35]؛ لنتعرف على جانبٍ من عقيدة التنزيه التي يعتقدها، وقد ظهرت في كلامه هذا بعضُ ملامح منهجه، كربطه الآية بالسياق، وعنايته بالألفاظ.

بدأ الأستاذ أبو الأعلى الكلام في هذه الآية ببيان مناسبتها للسياق بأن جعل مضمونها متوجهًا إلى المنافقين الذين كانوا يثيرون الفتن في المجتمع الإسلامي، والسبب الحقيقي في عدم إفادتهم من النور الذي كان قد بزغ في العالم بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم هو ولوعهم بالدنيا وتكالبهم على حطامها، ثم شرع بتفسير الآية الكريمة، فبيّن أن القرآن يستعمل كلمة {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} عامة بمعنى الكون،

(1) المرجع السابق، ص 140.

ص: 42

فمعنى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} : أنه سبحانه وتعالى نور هذا الكون كله.

ووضح أن كلمة {نُورُ} حين تستعمل في حق الله تبارك وتعالى تستعمل باعتبار مفهومها الأساس، وهو ما تظهر به الأشياء، أي ما كان ظاهرًا بنفسه ومُظهرًا لغيره، ولا يجوز استعمال هذه الكلمة بالمعنى الذي أوجده الذهن الإنساني، وهو الشعاع الذي ينعكس على شبكية العين ويؤثر في مركز البصر في الدماغ، وفسّر صفات الله تعالى بما يتفق مع مذهب أهل السنّة والجماعة، وهي أن كل كلمة من كلمات اللسان الإنساني تستعمل لله تبارك وتعالى إنما تستعمل باعتبار مفهومها الأساس، لا باعتبار مدلولها المادي، وجاء بأمثلة توضح هذه القاعدة، قال:"فنحن نستعمل لله تعالى كلمة (البصر) مثلًا، فليس معناها أن له عضوًا يسمى العين، ويرى به كالإنسان والحيوان، وكذلك نستعمل له كلمة (السمع)، فليس معناها أنه يسمع بأذنيه كما يسمع الإنسان، وكذلك نستعمل له كلمة (البطش والأخذ)، فليس معناها أن له آلة تُعرف باليد، فيأخذ بها كما يأخذ الإنسان بيده، فأكل هذه الكلمات إنما تُستعمل لله تبارك وتعالى على وجه الإطلاق لا بمعنى من المعاني المحدودة، ولا نكاد نظن بالنسبة لرجل له مسكة من العقل أن يقول باستحالة أن يوجد للسمع والبصر والبطش شكل غير الشكل المحدود المخصوص الذي نعرفه لها في هذه الدنيا، وعلى هذا إذا قيل عن (النور) إنه لا يوجد المصداق لمعناه إلا في صورة ذلك الشعاع الذي يخرج من جرم لامع، وينعكس على غطاء العين، فإن هذا القول لا يكون إلا من خطأ الفهم وضيقه"(1).

كما أضاف استعمالًا آخر لكلمة (النور)، وهو العلم، فمعنى الآية أن الله سبحانه وتعالى نور الكون، بمعنى أنه لا يمكن أن تُعرف الحقائق معرف مباشرة في هذا الكون إلا به سبحانه وتعالى.

(1) المرجع السابق، ص 196 - 197.

ص: 43

ثم بدأ بشرح التمثيل الذي ورد في الآية الكريمة: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ

}، حيث بيّن معنى المفردات الواردة في المثل وفصّل في أركان التشبيه، قال:"فالله سبحانه وتعالى قد شبه نفسه في هذا المثال بالمصباح، وشبه الكون بالمشكاة، وأراد بالزجاجة ذلك الستر الذي قد وارى فيه الحق تعالى نفسه عن نظر الخلائق، كأن ليس هذا الستر في حقيقة الأمر بستر الخفاء، بل هو ستر شدة الظهور، فإن كانت أبصار الخلائق لا تدركه، فما السبب في ذلك أن الظلمة حائلة بينه وبينها، بل السبب الحقيقي في ذلك أن الستر الذي بينهما شفاف رائق قد عجزت الأبصار ذات القوى المحدودة عن إدراك النور الذي يصل إليها بعد عبوره، وذلك لشدة لمعان هذا النور وسعته، شموله وإحاطته"(1).

وكانت له وقفة عند قوله تعالى: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} ، حيث أشار إلى أن شجرة الزيتون التي لا يواريها شيء من الشمس منذ طلوعها في الشرق صباحًا إلى غروبها في الغرب مساء، يكون زيتها أصفى الزيوت وألطفها، على خلاف الشجرة التي لا تصيبها الشمس إلا في طرفي النهار، فإن زيتها يكون أغلظ وأضعف نورًا. ونبّه على أن الهدف من هذا الوصف هو جعل الناس يتصورون كمال نور المصباح وشدته، وليس المقصود أن الله سبحانه وتعالى الذي قد شبه نفسه بالمصباح يستمد قوته من شيء آخر، بل المقصود تنبيه الناس أن يتصوروا في المثال مصباحًا حقيرًا، ودعوتهم إلى تصور أقوى المصابيح التي يشاهدونها (2).

ووقفة أخرى عند قوله: {مَثَلُ نُورِهِ} ، حيث يرى أن هذه العبارة تزيل ما قد ينشأ في الذهن من سوء الفهم بألفاظ قوله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، "فالذي يستفاد من ذلك أن ليس معنى كون الله سبحانه وتعالى نور السموات

(1) المرجع السابق، ص 198.

(2)

ينظر: المرجع السابق، ص 199.

ص: 44

والأرض، أنه ليس في حقيقته -ومعاذ الله- إلا (النور)، بل الله عز وجل كامل لا كمال بعد كماله، وهو صاحب النور مع كونه صاحب العلم وصاحب القدرة وصاحب الحكمة، ولكن قيل له:(النور) لكمال نورانيته، كما يقال لكاملٍ في الكرم: الكَرَم، ولكاملٍ في الحُسْن: الحُسْن" (1).

هذا موضع من مواضع كثيرة في الكتاب تظهر فيه سلامة عقيدة الأستاذ أبي الأعلى، وهي عقيدة التنزيه، التي يعتقدها أهل السنّة والجماعة.

كان جهد الأستاذ المودودي رحمه الله واضحًا في تفسيره، ولم يألُ جهدًا في إنزال النص القرآني على الواقع، وأستنباط الدروس والعِبَر، والعمل على تقريب كلام الله للأذهان، لا سيما باستخدامه لغة العصر، ومحاولاته حل المشكلات بالوقوف على الأغراض والمقاصد من وراء التشريعات لا الوقوف على ظواهرها.

(1) المرجع السابق، 200.

ص: 45