الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو رأي الإمام ابن تيمية، كما يقول الأستاذ دروزة، ولذلك نجده يفسر قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] بأن "الواو واو عطف وأن التعبير يفيد أن الراسخين في العلم هم الذين يعرفون تأويله أيضًا"(1).
وإن كان لنا مأخذ على الشيخ رحمه الله، فهو عدم التزامه بمذهب معين فتارة يؤول وتارة يعدها من قبيل المجاز، وتارة يقول بمذهب السلف، وقد يرجع هذا إلى عدم تضلع الشيخ رحمه الله في القضايا الكلامية.
5 - آيات الأحكام:
يتناول الأستاذ محمد عزة دروزة آيات الأحكام بالتفسير، فيبسط معناها أحيانًا، وأحيانًا لا يرى ذلك، إذا ما وجدها لا تحتاج إلى أداء آخر حسب تعبيره، وهو في تناوله للآيات نراه -كغيره من المفسرين- يراعي التدرج الزمني في التشريع، ومكان آية كذا من تشريع كذا، وهل هي سابقة لآية كذا، أم لاحقة لها في بيان الأحكام. فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] يقول: "ولقد ورد في سورة النساء خطوة أولى في صدد الزناة على ما مر شرحه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت أن تكون الخطوة الأولى ما ورد في تلك السورة، وأن الوقت قد حان للخطوة الثانية التي احتوتها الآية الثانية، ولعل أحداثًا وقعت فكان ذلك المناسبة ولقد كان النساء اللاتي يأتين الفاحشة يُحبَسن في بيوتهن وفقًا للخطوة الأولى إلى أن يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلًا بناءً على ما جاء في آيتي النساء (15 و 16)، ومن المحتمل أنه صار شيء من الحرج في صدد ذلك، وقد روى حديث نبوي سنورد نصه جاء فيه
(1) التفسير الحديث، ج 8، ص 79 - 80.
"خذوها عني خذوها عني قد جعل الله لهن سبيلًا
…
" (1) مما قد يكون فيه تفسير أو تأييد لما نقول"(2).
ونراه أحيانًا يورد الأحاديث والآثار التي تشرح النص القرآني، وتوضح متضمناته من الأحكام. فمثلًا عند تفسيره لآيات الزنا في أول سورة النور، يورد أكثر من عشرة أحاديث وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعود بعد ذلك إلى التوفيق بين هذه الأحاديث ومتضمن النص القرآني. وهنا نرى العجب والغرابة من الأستاذ المفسر، حيث يقرر أن قوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "قد صدر قبل نزول آية النور، بإلهام رباني، للإجابة على سؤال، أو رفع الحرج وإنهائه عن إمساك النساء اللاتي يأتين الفاحشة في البيوت، حتى يتوفاهن الموت، إذ لا حكمة -كما يقول الأستاذ دروزة- في صدور هذا الحديث، في الوقت نفسه الذي نزلت فيه الآية، لأنها احتوت الحكم الموعود، فلا تفهم حكمة الزيادة على ما احتوته، ولا تفهم حكمة صدوره بعبارته المروية بعد نزول الآية، لأن ما أريد التنبيه عليه قد نزل قرآنًا. لسنا مع الأستاذ رحمه الله، فهذا مخالف للفظ الحديث "خذوا عني" فمعنى هذا أن هذا الحديث قد ورد بعد نزول سورة النور وهذا ما أجمع عليه المفسرون.
ويقول بعد ذلك "فإذا صح ما نقول، تكون الآية قد نسخت من التشريع النبوي السابق عليها، ما زاد على ما احتوته من تشريع عام للزناة إطلاقًا، بدون تفريق بين محصنين وأبكار وهو جلد مائة" ولكنه يستدرك مقررًا أن حكم الرجم للمُحصنين، قد سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بتنفيذه، بعد نزول سورة النور، ومات دون أن ينسخ ذلك الحكم، وهذا الذي جعل صحابته رضي الله عنهم يرجمون من بعده، كما
(1) الصواب: خذوا عني خذوا عني
…
(2)
التفسير الحديث، ج 10، ص 6 - 10.