الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ميزات تفسير الشيخ عطية:
1 -
يعد تفسيره أقرب إلى روح الموضوعية من شيخه، ويظهر ذلك من خلال الحس التفسيري الجيد للشيخ رحمه الله من خلال مراعاة: التناسب بين السور مثلا، فنجده مثلًا يربط بين سورتي الطلاق والتغابن فيقول:"لو أخذنا بعين الاعتبار النسق الكريم بين السورتين، حيث كان آخرَ ما قَبْلَها موضوعُ الأولادِ والزوجاتِ من فتنةٍ وعداءِ، والإشارةُ إلى علاج ما بين الزوجين من إنفاق وتسامح على ما أشرنا إليه سابقًا هناك، فإنْ صَلُح ما بينهما بذاك فبها ونعمت، وإن تعذَّر ما بينهما وكانت الفُرقة مُحَتَّمَةً، فجاءت هذه السورة على إثرها تبين طريقةَ الفُرقة السليمة في الطلاق وتشريعه وما يتبعه مِن عِدَدٍ وإنفاق ونحو لك"(1). وكذلك فعل بين سورتي البروج والانشقاق، يقول:"وبمناسبة ارتباط السور بعضها ببعض، فإن بعض المفسرين يقول: لمّا ذَكَرَ مآل الفريقين، وتطايُرَ الصحف في السورة الأولى، ذَكَرَ هنا عملًا من أشد أعمال الكفار مع المؤمنين في قصة الأخدود. والذي يظهرُ أقوى من هذا، هو -والله تعالى أعلم- أنه لما ذكر سابقًا انفطار السماء، وتناثر النجوم، وانشقاق السماء، وإذنها لربها وحُقَّ لها ذلك، جاء هنا بيانُ كُنْهِ هذه السماء، أنها عظيمة البنية بأبراجها الضخمة، أو بروجها الكبيرة، فهي مع ذلك تأذن لربها وتطيع، وتنشق لهول ذلك اليوم وتنفطر، فأولى بك أيها الإنسان، والله تعالى أعلم"(2). وكذلك فعل بين سورتي الضحى مع الليل، حيث قال:"والواقع أن مناسبات السور القصار، أظهرُ من مناسبات الآي في السورة الواحدة، كما بين هاتين السورتين {وَاللَّيْلِ} مع {وَالضُّحَى} ثم ما بين {وَالضُّحَى} و {أَلَمْ نَشْرَحْ} إنها تتمة النعم التي يعدد الله بها على رسوله"(3).
(1) المصدر السابق، 8/ 208.
(2)
المصدر السابق، 8/ 476.
(3)
المصدر السابق، 8/ 571.
وكذلك يوجه فواصل الآيات أحيانًا حسب السياق ولا يقول بمراعاة فواصل الآي. فعند قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)} [البروج: 19]. نقل رأي الكرماني في المقارنة بين آية الانشقاق {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)} [الانشقاق: 22] بأن المغايرة بين الفاصلتين لمراعاة رؤوس الآي والفواصل ثم قال: "ولكن الظاهر من السياق في الموضعين مراعاة السياق لا فواصل الآي، لأن في سورة الانشقاق الحديث مع المشركين {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)} [الانشقاق: 19 - 22]، وفي سورة البروج هنا ذكر الأمم من فرعون، وثمود، وأصحاب الأخدود، والمشركين في مكة، ثم قال: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)} فناسب هذا هنا، وناسب ذاك هناك، والله أعلم"(1).
وكذلك فهو يحاول أن يربط بين القسم والمقسم به وهو السورة، فيقول:"وبعد التأمل ظهر -والله تعالى أعلم- أنه سبحانه لا يقسم بشيء في موضع دون غيره، إلا لغرض يتعلق بهذا الموضع، يكون بين المقسم به، والمقسم عليه مناسبة وارتباطٌ، وقد يظهر ذلك جليًّا وقد يكون خفيًا، وهذا فعلًا ما تقتضيه الحكمة والإعجاز في القرآن، وإن كنت لم أقف على بحث فيه"(2).
وعند تفسير سورة العصر يقول مثلًا: "فإن المقسم عليه هو حالة الإنسان الغاليةُ عليه مِن خُسْرٍ، إلا من استثنى الله تعالى، فكان المقسم به، والعصر المعاصرُ للإنسان طيلة حياته وهو محلُّ عمله، الذي به يخسر ويربح، وهو معاصرٌ له وأصدقُ شاهد عليه، فكان القسم في العصر على الربح والخسران أنسبُ ما يكون بينهما، إذ جُعِلَت حياة الإنسان كسوق قائمة، والسلعةُ فيه العمل، والعامل هو الإنسان. كما
(1) المصدر السابق، 8/ 489.
(2)
المصدر السابق، 8/ 443.
قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} [الصف: 10، 11] " (1) وهي محاولة قيمة تدل على دراية هذا الشيخ رحمه الله بعلوم التفسير فضلًا على الحس التفسيري السليم لديه.
2 -
ومما امتاز به هذا التفسير من تفسير شيخه أنه يربط الآيات القرآنية بالواقع الذي نعيشه، وهذا ملحظ هام وميزة تسجل للشيخ رحمه الله فعند قوله تعالى:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجن: 16] يقول: "وما أشبه الليلة بالبارحة فيما يعيشه العالم الإسلامي اليوم بين الاتجاهين المتناقضين الشيوعي والرأسمالي، وما أثبته الواقع من أن المعسكر الشيوعي الذي أنكر وجود الله، وكفر بالذي خلقه من تراب
…
فإنه مفتقر لكافة الأمم الأخرى في استيراد القمح" (2).
وعند قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} [التكوير: 8، 9] يتحدث عن الوأد الحديث المتمثل في منع الحمل وأن منشأ الدعوة من اليهود (3).
وعند الآيات الأولى من سورة المطففين يربط بين التطفيف وبين أكل أموال الناس بغير حق أيا كان هو وبأي وجه يكون ذلك (4).
وعند قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: 5] يربط الآية في الرد على أولئك الذين يقولون بوحدة الأديان، وبأن في هذه الدعوة حقًّا وباطلًا (5). وهكذا نجد الشيخ رحمه الله يربط بين هذه الآيات وبين الواقع الذي تعيشه الأمة (6).
(1) المصدر السابق، 8/ 445.
(2)
المصدر السابق، 8/ 319 - 340.
(3)
انظر: المصدر السابق، 8/ 439 - 441.
(4)
انظر: المصدر السابق: 8/ 459.
(5)
المصدر السابق، 9/ 48.
(6)
انظر: أيضًا: 8/ 11، 22، 239 - 240.
ويشارك الشيخ عطية شيخه الشنقيطي -رحمهما الله- في منهجه في التفسير حيث يترك تفسير بعض الآيات، ويستطرد في أحكام وتفصيلات عند بعض الآيات.
فمثلًا في سورة الحشر لم يفسر الآيات (9 - 17) من سورة الحشر، ولكنه يستطرد في مواقع أخرى منها.
في الآية الأولى من سورة الحشر يستطرد في الحديث عن قضية التسبيح وإثبات أنها كانت بدلالة المقال فضلًا عن الحال (1).
وكذلك في الحديث عن أقسام سنّة النبي صلى الله عليه وسلم (2).
وكذلك في الحديث عن أحكام الزكاة والشهادة (3).
وكذلك في المساجد وأحكامها (4).
ومسألة الاحتفال بالمناسبات الدينية (5).
وكروية الأرض (6). ومباحث تتعلق بالعلم (7).
وأحكام الرياء والعارية (8) وأحكام السحر والحسد (9).
(1) المصدر السابق، 8/ 1203.
(2)
المصدر السابق، 8/ 38 - 42.
(3)
المصدر السابق، 8/ 270 - 303.
(4)
المصدر السابق، 8/ 320 - 356.
(5)
المصدر السابق، 8/ 382 - 392.
(6)
المصدر السابق، 8/ 423 - 428.
(7)
المصدر السابق، 9/ 18 - 26.
(8)
المصدر السابق، 9/ 118 - 124.
(9)
المصدر السابق، 9/ 161 - 170.
ومما يؤخذ على الشيخ رحمه الله في تفسيره:
- يقول إن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] نسخ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102](1).
ولا نسخ على الإطلاق كما يقول جمهور العلماء فالآية محكمة، وقوله:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} هو ما نستطيع. وعليه فلا تعارض (2).
- ويؤخذ على الشيخ أنه قد يذكر القراءات دون أن يميز بين المتواتر منها والشاذ: فعند قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2]، قال:"وقُرِئ بكسر (همزة أيمانهم) من الإيمان ضد الكفر، أي: ما أظهروه من أمور الإسلام"(3). وهذه القراءة غير متواترة. وكذلك فعل عند قوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]. قال: "قرئ يهدأ بالهمز من الهدوء، وقلبُه بالرفع وهي بمعنى يسكن قلبه"(4). وهي ليست متواترة أيضًا.
ويظهر أن الشيخ لم يكن كشيخه -رحمهما الله- ذا باعٍ عريض في القراءات.
- لم يخرج حديث: إذا ذكر القضاء فأمسكوا (5).
- يتكلف أحيانًا في عرض بعض القضايا المنطقية كما فعل في الربط بين حديث: "الدين حسن الخلق" والآية الكريمة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}
(1) المصدر السابق، 8/ 530.
(2)
انظر: كتابنا: إتقان البرهان، 2/ 32.
(3)
أضواء البيان، 8/ 190.
(4)
المصدر السابق، 8/ 302.
(5)
المصدر السابق، 8/ 199.