الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآية مدنية قطعًا وليست مكية؛ لأن الآية التي قبلها مدنية قطعًا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (77)} [الحج: 77] وهذه عطفت عليها بالواو {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] فلا يعقل أن تكون الآية مدنية والآية التي عطفت بحرف الواو مكية؛ لأن هذه الأوامر كلها نزلت مجتمعة "اركعوا، اسجدوا، افعلوا الخير، جاهدوا في الله" وهل يعقل أن المسلمين لم يعرفوا بهذه التسمية إلا آخر العهد المكي، والأحداث كلها دالة على غير ما قال الشيخ هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن بعض الآيات ترده، مثل آية الأنعام:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163]. وآية النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. و {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)} [النحل: 81].
حتى آية سورة القلم نفسها، إذا نظرنا إلى بعض الروايات التي نزلت فيها، فإنها تدل على هذه التسمية.
ونورد هنا ما ذكره المؤلف: "أما علمية كلمة (المسلمين) عليهم، فقد تقررت فيما نعتقد، بعد نزول آية الحج هذه
…
وهذه السور، مختلف في مكيتها ومدينتها، ولكن مضامينها تلهم بقوة أنها مكية، أضيف إليها آيات مدنية، اقتضت إضافتها المناسبات على ما سوف نشرحه عند تفسيرها. وهذه الآية من الآيات المكية على ما يلهم سياقها. وهذا يعني إذا صح أن العلمية تقررت في العهد المكي" (1).
7 - المفسر يعتمد على الإسرائيليات في مواضع متعددة:
أ - القصص:
ينعى المفسر كثيرًا كما رأينا في مقدمة تفسيره -أعني (القرآن المجيد) والذي تحدثنا عنه من قبل، على المفسرين الذين يطلقون لأقلامهم العنان في ذكر القصص
(1) 1/ 61.
والروايات، وبخاصة تلك التي لا تعتمد على دليل، أوالتي تتعارض مع المنطق والواقع والسياق كما يقول. وكنت أظن أن مفسرنا سوف لا يسمح لنفسه بذكر شيء مما يعيب به غيره، ومما يعده من الثغرات التي ينبغي تجنبها. ويا ليته ذكر من القصص والروايات الكثير الكثير، دون تعرض وتعارض مع أصل من أصول العقيدة، ودون أن يمس عصمة الأنبياء عليهم السلام، إلا أن التمني شيء والواقع شيء آخر.
فعند تفسير قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} [ص: 21] يذكر المؤلف ما ورد في سفر صموئيل الثاني، من أن داود عليه السلام رأى زوجة أحد رجال جيشه عارية، على سطح بيتها المجاور لبيته فأعجبته فأحضرها واضطجع معها، وكان زوجها في جبهة حربية. فلما عاد وشعر بذلك امتنع عنها، فأرسله إلى الجبهة ثانية، فلما قُتل تزوج داود بامرأته
…
، إلى آخر ما ورد في هذه القصة. ولو أنه سكت عن هذه الرواية فحسب لهانَ الأمر -مع أنه ليس بهين لأن عصمة الأنبياء عليهم السلام أمر لا يجهله أحد من عوام المسلمين- ولكن المستغرب والمستنكر أنه جاء يقرر بعد هذه القصة، أن ما ذكر في هذا السفر، يتسق مع ما جاء في الآيات (1).
وأحب أن أورد عبارته لتكون خير شاهد على ما أقول "والأيات وإن كانت خلت من هذه التفاصيل، فإن فيها إشارات خاطفة متسقة معها، حيث ذكرت أن داود قد أدرك أن الله امتحنه بسبب خطيئة له، فاستغفر ربه وخرّ راكعًا وأناب، فغفر الله له. حيث جرى القرآن بصورة عامة، على ذكر الأنبياء السابقين بأسلوب تكريمي وتنويهي أو عتابي، ولم يحتوِ ما احتوته بعض الأسفار عن بعض الأنبياء من تهم وقصص فاحشة"(2).
(1) التفسير الحديث، ج 2، ص 85.
(2)
التفسير الحديث، 2/ 85.
والحق أنه لمن المحير والمستهجن، أن يذكر مثل هذه القصص والأخبار، وكنت أود أن يطلع على بعض التفاسير، التي يقول إنها لم تخل من الثغرات.
ولم يغرب في هذه القصة فحسب، بل نرى ذلك منه كذلك في قصص كثير من الأنبياء عليهم السلام، فها هو ينقل في قصة سليمان في سورة (ص)، ما جاء في بعض الأسفار، من أن سليمان تزوج نساء كثيرات كابنة فرعون ومن نساء صيدونيات وعمونيات وأدوميات وحثيات فأَمَلْنَ قلبه إلى آلهتهن، وبنى لهذه الآلهة مذابح وقرّب لها قرابين، وعمل الشر في عين الرب، فكان ذلك سببًا لنقمة الله عليه (1).
ويكثر مفسرنا من النقل عن هذه الكتب، دون أن يشير بكلمة واحدة، إلى ما ينبغي أن يكون للأنبياء عليهم السلام من العصمة، ولكن همه كله أن يثبت أن العرب كانوا يعرفون هذه القصص قبل نزولها، مستدلًا على ذلك بأن ما ورد في بعض كتب المفسرين جاء مطابقًا لهذه الأسفار.
ولعمر الحق لا أدري ما وجه الاستدلال؟ ذلك لأن الذي ذكر في هذه الكتب من الإسرائيليات دون ريب، ولم يكن منتشرًا في زمن الصحابة أنفسهم، فضلًا على أن يكون معروفًا قبل نزول القرآن عند هؤلاء العرب (2).
وإذا تركنا الحديث عن قصص الأنبياء، وجدنا المفسر يحدثنا عن بعض مبهمات القصص التي أبهمها القرآن، مع أنه يعيب على المفسرين التزيد والتمحل، فها هو مثلًا في قصة أهل الكهف، يذكر لنا قصتهم وأسماءهم وبلدهم، مع أن ذلك لم يرد منه شيء في القرآن.
(1) التفسير الحديث، ج 2، ص 85.
(2)
سبق الكلام عند الحديث عن "القرآن المجيد".