الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
المنهاج الذي اتبعه الشيخ:
نحن ممن يتبعون إلى حدٍّ ما؛ ما كان يقوله الأستاذ العظيم العبقري عاطف بركات في أن القرآن كتاب مبين لا يحتاج إلى تفسير، فإنه لا إبهام فيه يحتاج إلى توضيح، وكل من يحاول توضيحه لا يصل إليه، فمن ذا الذي يصل إلى آفاقه، وممن كتب في تفسيره من الماضين، من حجب معانيه بكثرة الأقوال المتعارضة والآراء المتباينة، حتى أثار غبارًا حجب عن الباحث نوره.
ولكن القرآن الكريم فيه فقه هذا الدين، وفيه خبر من مضى، وعلم الآخرين، وفيه علم الكون والوجود الإنساني، وفيه توجيه إلى مناحي الحياة، وفيه القصص الحكيم، وفيه أسماء الأماكن وإشارات إلى وقائع، وفي الجملة فيه الكون والإنسان، وهو فوق ذلك حمَّال للمعاني السليمة، وفيه علوم الدولة والآحاد، فلا بد من أن يتصدى لذلك أهل الخبرة في العلوم، والفقه، واللغة والبيان، وإن كانوا لا يبلغون الغاية، ولا ينالون مما يبغون الكفاية.
فلا بد أن يكون للقرآن تفسير تتولاه جماعة علمية، من أولى العَصَبة من العلماء، ولكن لا نجد التعاون العلمي الجماعي، في الحاضر، وقد حاولناه مع غيرنا، ولم نجد ذلك التعاون في الماضي، وإن وجدنا مخلصين لله وكتابه، مستبحرين في علوم الآثار واللغة، ويا حبذا لو أن هؤلاء اجتمعت آراؤهم، وأضيف إليها ما يراه علماء الكون في آيات الله الكونية، على ألا نطوع القرآن لنظرية مفروضة، ولا أن نرهق ألفاظه لتحتمل نظرية لم يتحقق صدقها، ولكن ليستعان به لتأييدها، لا كأولئك الذين يرون صحة الفروض التي تقول بالنشوء والارتقاء ويريدون أن يؤيدوها من القرآن، أو يحملوا ألفاظ القرآن لها ليروجوها!
اتجهنا إلى كتابة معاني القرآن، كما ظهرت لنا، وكما أدركت عقولنا، وكما بلغته طاقتنا، غفير محمِّلين وضعًا ما لا يحتمل، أو نطوعه لتفكير سيق إلينا، ولسنا منكرين
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
لما بذله العلماء الذين خصوا معاني القرآن بأكبر عناية، بل إننا نجد فيما كتبوا أو نقل عنهم ذخيرتنا التي ندَّرع بها غير مفتاتين عليهم في قول، ولا متهجمين عليهم في رأي، ومنهم من قام على الحق البين، أو يستمد قوته من أثر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتجافى عن النص القرآني في ظاهره ونصه، فإن جافاه حذفناه، ونظرُنا في ذلك هو نظر شيخ الفقهاء أبي حنيفة النعمان فهو لا يقدم أثرًا على نص قرآني ظاهر الدلالة أو هو نص فيه.
ولا نتهجم بذلك على حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الحكمة كلها كما قال ذلك الإمام الشافعي، فقد فسر الحكمة في قوله تعالى:{وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة} [البقرة: 151] بأن الحكمة هي سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رددنا منها ما يخالف القرآن فنحن نرد ما يجعلها فوق القرآن، وبالأحرى يكون ذلك تمحيصًا للسنّة، وتبيينًا لصحيحها من سقيمها، إن عبارات القرآن التي هي نص في دلالتها، ومعانيها، فيها تنزيه لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وتنزيه للبعث المحمدي، فإنما ندفع الريب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نتهجم عليه ولا على حكمته، كتلك الآثار التي توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، وكتلك الأخبار الكاذبة التي تقول إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال عن اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى. إنا نرد هذا وأشباهه تنزيهًا للرسالة المحمدية الإلهية، مهما يكن راويها من الثقة، ونعدها عليه، وليس بمنزه عن الخطأ والنسيان، ودخول الغلط عليه، وأخشى أن أقول إن من يعتقد ذلك يكون كأهل الجاهلية الذين قالوا:{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)} [الإسراء: 47]، فليبحثوا عن موقفهم كمسلمين مؤمنين، وذلك لأنهم آثروا راويًا على القرآن وعلى الرسالة المحمدية كلها، إذ جعلوا الشك يرِد على بيانها، ولا حول ولا قولة إلا بالله.
وإذا كنا قد رددنا بعض ما ينسب لرسول صلى الله عليه وسلم فنحن نعد المفسر الأول للقرآن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو المفسر لأحكامه المبين لحقائقه، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل: 44]، ولا نتصور أن نجد بيانًا يفوق بيان النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يفصل مجمله، ويبين ما يعلو على مدارك الناس، وإن كان في ذاته مبينًا، ولا يصح أن نفتات على الإسلام فنرد قولًا صح عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ما دام القرآن يتسع لمدلوله، ولا نقدم عليه احتمالًا آخر مهما تكن مكانة قائله من الفقه البيان، فإنه مهما يكن لا يناهد مقامه مقام مبلِّغ الرسالة في الأحكام، ولا مقامه في البيان، وإدراك معاني القرآن؛ ولذا نعد السنّة النبوية هي المفسر الأول".
الشيخ -إذن- يرجع في تفسير القرآن الكريم إلى صحيح ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: ويلي ذلك تفسير الصحابة الذي صحت نسبته إليهم، وخصوصًا علماءهم، والسابقين الأولين الذين قال تعالى عنهم في بيعة الرضوان:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح: 18].
ونأخذ بأقوال هؤلاء على أساس ألا تخالف نصًّا قرآنيًا، أو تناهضه، أو تحمله ما لا يحتمل، وعلمُهم بالقرآن أعظم من علمنا به؛ إذ كانوا كما أشرنا من قبل أهل بيعة الرضوان لا الذين جاؤوا بعد الحديبية، وكان بعض أولئك من الذين لهم جهاد مذكور مشهور، لا يغض من مقامهم، ولكن ليسوا حجَّة في فهم القرآن إلا من ناحية اللغة والبيان؛ فإن ذوقهم العربي ربما يجعل لقولهم مكانًا، ولم يعن أحد من هؤلاء بالتفسير رواية أو دراية؛ لأنهم شغلوا بغيره، إلا ما كان من ابن عباس، وأشباهه من شباب الصحابة الذين وَعَوا أفاويقه في آخر حياة الرسول، ومنهم بعض من التزموا الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقد كان ابن عباس ترجمان القرآن كما عبر بعض علماء الصحابة، وقد أخذ من علم كثير من الصحابة، وخصوصًا ابن عمه عليًّا، الذي قال فيه ابن عباس: ما