الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكون هذه الآيات قد نزلت بعد حادثة المعراج، مع أنه ليس هناك ما يثبت المسافة الزمنية، بين نزول هذه الآيات وبين حادثة المعراج، ومن ناحية ثالثة يعد المفسر المعراج مشهدًا روحانيًا فقط، مع صراحة قوله تعالى:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)} [النجم: 17]. من ناحية رابعة يستغرب ويعجب مما ورد في الأحاديث الصحيحة، التي أجمعت الأمة على صحتها، ولا أظن أن المؤلف يخرج عن هذا الإجماع.
وخلاصة القول أن الترتيب الذي سار عليه المؤلف، ظنًّا منه بأنه يؤدي إلى الفهم الصحيح للقرآن، أكثر من غيره، رأيناه لا يحل كثيرًا من الأمور التي تشتبه على الناس، بل ربما يدخل في متاهات، تبعد بالمرء عما أجمع عليه الأئمة في مختلف العصور.
وبعد، فأكتفي بما ذكرته من تعليق على طريقة المفسر ومنهجه، لننتقل لدراسة تفسيره، والوقوف على ما بثه من أقوال وآراء، راجيًا الله تبارك وتعالى أن يجنبني الزلل، وأن يجعلني من الذين لا يبخسون الناس أشياءهم، وأن يوفقني لجلاء الحقيقة دون تأثر أو تهيب، والله من وراء القصد والله ولي التوفيق.
نماذج من تفسير المؤلف:
وقبل أن نتعرض لبعض جزئيات التفسير، لا بد من إعطاء صورة واضحة مقتبسة من تفسيره لبعض الآيات، فهو يقسم السورة إلى مقاطع وفصول حسب ما تحتويه من موضوعات، في رأيه، بعد أن يقدم لها. وبعد أن يذكر مقطعًا من المقاطع يتبعه بتفسير معاني المفردات، ثم يذكر معنىً إجماليًا لهذا المقطع، ثم يعلق على بعض الآيات التي يجد أنَّها بحاجة إلى هذا التعليق.
تعبير غير دقيق:
وهو في كثير من المواضع يترك هذا المعنى الإجمالي، معللًا ذلك بقوله:"الآيات لا تحتاج إلى أداء آخر، مع أن هذا التعبير لا نعتقد أنه يناسب آيات القرآن، فإن كلمة (أداء) إنما تفهم إيراد الجمل بصيغة غير الصيغة التي وردت فيها".
وهذا غير صحيح بالنسبة للقرآن الكريم، لأن ذلك غير ممكن بالطبع فهناك فرق كبير بين أداء وتفسير، وهذا يصدق حتى بالنسبة لكلام الناس. فإن نثر أبيات من الشعر لا يعني شرحها، وتجلية صورها المختلفة.
فها هو عند تفسيره لسورة نوح عليه السلام مثلًا، بعد أن يأتي بجميع آياتها ويفسر مفرداتها، يقول:"عبارة آيات السورة واضحة، لا تحتاح إلى أداء آخر". ومثل ذلك في سورة طه، عندما يفسر المقطع من قوله تعالى:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)} إلى قوله: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)} [طه: 43 - 48]. فإنه يقول: "وعباراتها واضحة لا تحتاج أيضًا إلى أداء آخر" وهذا كثير جدًّا في تفسيره.
وهو كثيرًا ما يحيل القارئ في أكثر الآيات على كتب التفسير، وبخاصة الطبري والطبرسي والخازن والبغوي، وربما يرجح رأيًا مع أن الكتب التي أحال إليها ترجح رأيًا آخر. يظهر هذا مثلًا في تفسيره قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} [الأنفال: 64]، فإنه يرجح أن (من) معطوف على لفظ الجلالة، مستدلًا بالآية التي قبلها، وهي قول الله:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} [الأنفال: 62] مع أن المفسرين الذين أحال عليهم رجحوا غير هذا، وكذلك الآية الكريمة، تدل على أن الحسبية لله وحده، وهذا نص الآية:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} (1). وهذا ما جاء في الآيات الكثيرة مثل {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)} [الزمر: 38]، {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: 129].
وهذا أنموذج من تفسيره.
(1) الطبري، ح 10.