الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أعجب هذا الرأي الذي لا يعوزه إلا إلمام بمبادئ الصنعة اللفظية، وأحب هنا أن أقتطف أجزاء من عبارته: "ومع أننا نرى الوقوف عندما وقف عنده القرآن من أمر الدابة، ونقول: آمنا به كل من عند ربنا، فإن الذي يتبادر من روح الآيات، أنها بسبيل إثارة الرعب في نفوس الكفار وجاحدي الساعة، السامعين من الهوان والخزي الذي سوف يلقونه، حينما يأزف موعد قيامها ثم حين يتحقق قيامها
…
وإن من المحتمل أن يكون ظهور هذه الدابة بين يدي الساعة، مما كان يتحدث عنه في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم، ومما كان يرويه اليهود .. ومن الجدير بالتنبيه إليه أن الضمير في جملة {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} في الآية الأولى. عائد كما هوالمتبادر، إلى الكفار العرب السامعين للقرآن الذين وصفوا في الآيات التي قبل هذه الآية، بالموتى والصم والعمي، وهذا يقتضي أن يكون الضمير في {تُكَلِّمُهُمْ} راجعًا إليهم أيضًا، وأن يكون التقريع والإنذار والترهيب موجهًا إليهم في الدرجة الأولى، وكثير من هؤلاء قد أسلموا، والذين ظلوا على كفرهم هلكوا، وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة آلاف لا تُحصى من السنين، ولم تذكر الروايات والأحاديث المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن الله يحيي الكفار الجاحدين لتكلمهم الدابة
…
".
الأستاذ دروزة يرد على حملات المستشرقين:
الناظر في تفسير الأستاذ دروزة، يجد نفسه أمام مواقف، بعضها يستدعي الدهشة والاستغراب، وبعضها الثناء والإعجاب، ومن هذه الأخيرة ما عقب به المفسر الفاضل على المستشرقين في كثير من أباطيلهم ومكائدهم فمن ذلك:
1 -
تفسيره لسورة القلم يقول: "ولقد حاول الأغيار أن يجدوا في جنات القرآن مغمزًا بالدين الإسلامي، بزعم أن ذلك يثير الأنانية والطمع في المسلمين، ويجعلهم لا يفعلون الصالحات إلا رغبةً في الأجر الشخصي. ويخرج صفة الحياة الأخروية من نطاقها الروحاني التجريدي، أما إثارة الطمع والأنانية. فالبداهة تقضي بأن تكون الحياة الأخروية وجناتها قاضية عليها، لأن الإنسان الذي يؤمن بأنه إذا
آمن واتقى وعمل الصالحات، وصل إلى أعلى ما تصبو إليه نفسه من لذة ونعيم في الحياة الأخرى، يستطيع أن يوطن النفس على التضحيات المتنوعة في المال والنفس، وعلى القناعة والخيرية وأعمال البر
…
" (1). ومن ذلك ما جاء في السورة نفسها من تعليقه، على نعت المستشرقين والمبشرين، للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم نعوتًا تنبع من حقدهم.
2 -
وفي تفسير سورة (ص) يعلق على أباطيل بعض المستشرقين، من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم ببنوة إسماعيل لإبراهيم إلا في العهد المدني، حيث خلت الآيات المكية من ذلك، فيرد عليهم بإثبات هذا في الآيات المكية، وبأنه أمر ما كان يجهله أحد من العرب.
3 -
وفي تفسيره لسورة البقرة، يرد على زعم بعض المستشرقين بمكية الآيات التي تبدأ من قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)} [البقرة: 21] إلى قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة: 39] بحجة أن مضمونها يشابه مضمون الآيات المكية.
4 -
وفي تفسير سورة مريم، يقول: "ونذكر أن بعض المستشرقين والمبشرين، قد سخفوا في الغمز حين أشاروا إلى بُعد المسافة بين مريم وهارون، بمناسبة نعت مريم بأخت هارون. وقد استغربنا هذا منهم، لأننا نحسب أنهم أكثر إدراكًا لكون النبي صلى الله عليه وسلم -ونقول هذا مساجلة- لا يجهل هذه المسافة.
وهكذا فإننا نجد المفسر الفاضل يتعقب المستشرقين في بعض دسائسهم وترهاتهم، ولا يدع فرصة يمكنه أن ينوه فيها دفاعًا عن القرآن، ودفعًا لتقولات المبطلين وأهل الأهواء -كالفرق التي تفسر القرآن لتأييد عقائدهم- إلا وينتهزها".
(1) التفسير الحديث، ج 1، ص 58.