الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - آيات الإسراء والمعراج:
يجمع المفسرون على أن آيات سورة النجم {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 13 - 18] تحدثت عما كان للرسول صلى الله عليه وسلم من كرامة عند ربه ليلة المعراج لكن مفسرنا الكريم يأبى هذا، معللًا ذلك بأن هذه السورة كانت من أوائل سور القرآن نزولًا، وأن المعراج كان متأخرًا، ولهذا فهو ينكر أن تكون هذه الآيات تعني تلك الحادثة، ويرى أن المعراج كان رؤيا منامية. ولعل من الخير أن ننقل ما قاله في هذا الموضوع. يقول معلقًا على هذه الآيات التي ذكرناها؟ "في الآيات إشارة إلى مشهد روحاني آخر، شاهده النبي صلى الله عليه وسلم، فشاهد فيه ما شاء الله أن يشاهده من آيات الله الكبرى"(1).
ويعلق على حادثة الإسراء والمعراج، بقوله: "ولقد ذكر معظم المفسرين أن هذه الآيات تشير إلى حادث العروج النبوي إلى السماء، وأوردوا في ذلك أحاديث وروايات كثيرة، فيها شيء غير يسير من التقارب، فهل كان ذلك يقظة أو منامًا وإذا كان يقظة كان مشهدًا روحيًا أو وحيًا؛ هذا أولًا.
وثانيًا: إن معظم الروايات تقرن الإسراء والمعراج معًا، مع أن حادث الإسراء ذكر في القرآن في سورة الإسراء غير مقترن بشيء آخر. ومن الروايات ما يذكر الإسراء وحده دون المعراج، ومنها ما يجعل الإسراء والمعراج أكثر من مرّة.
وثالثًا: إن في الروايات تضاربًا من حيث وصف الإسراء والمعراج، فمنها ما يذكر أن هذه الحادثة كانت بعد البعثة بخمسة عشر شهرًا، وهذا ما يطابق نزول سورة النجم، ولا يطابق نزول سورة الإسراء التي نزلت متأخرة. ومنها ما يذكر أنهما وقعا بعد البعثة بخمس سنين، وهذا يطابق سورة الإسراء دون النجم، وهناك روايات تذكر أنهما قبل الهجرة بخمس سنين أو بسنة واحدة وهذا لا يطابق نزول
(1) التفسير الحديث، ج 1، ص 218.
أي من السورتين، وهناك رواية غريبة جدًّا تَذكر أنهما وقعا قبل البعث بسنة واحدة. وفي الروايات والأحاديث التي ذكرت الحادثين، روايات فيها أشياء عجيبة غريبة، مثل رواية العجوز التي دعت النبي إليها في طريقه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومثل جمع الله جميع الأنبياء في المسجد الأقصى، وصلاة النبي بهم إمامًا، ومثل المعراج الذي صعد درجاته إلى السماء، وفتح أبواب السماء مما فيه تقرير عادية السماء ولقائه بالأنبياء أحياءً عَلى أشكالهم الدنيوية في السموات. ومثل وصف العرش واللوح المحفوظ والأقلام والجنة والنار، ومثل طريقة فرض الصلاة ومثل شق بطن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا يوحي بالتحفظ في ربط آيات النجم التي نحن بصددها، والتي هي بسبيل وصف مشهد روحاني رباني لحادثي الإسراء والمعراج، أو قرن الحادثين في سياق واحد، ويجعلنا نرجح ما قلناه في سياق الآيات السابقة، وهو أن تلك الآيات هي في صدد المشهد الذي ذكرناه في سورة التكوير، وأن هذه الآيات هي في صدد مشهد روحاني مماثل وقع بعد ذلك، ولا نستطيع أن ندرك كنهه، وليس عندنا دليل قطعي يساعد على توضيح مداه، وبخاصة المقصود من سدرة المنتهى وجنة المأوى" (1).
ولقد اضطررت أن أنقل هذا الكلام مع طوله، لما فيه من عجب واستغراب ومع أنني لست الآن بصدد مناقشة المفسر حول آرائه في التفسير إلا أن ذلك كان أمرًا لا بد منه لتعلقه بما نحن بصدده.
لقد خلط المفسر الفاضل بين غث الروايات وسمينها وصحيحها وضعيفها، هذه من ناحية، وحاول من ناحية ثانية تحديد نزول الآيات وسنيها. وذلك إنما هو منه تخمين، لا يستند على أمر قطعي، فهل من الضروري أن تنزل سورة كسورة النجم دفعة وحدة؟ ألم ينزل قوله تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} [الأنفال: 30] في سورة الأنفال وهي مدنية، تحدثت عن غزوة بدر، مع أن الآية تشير إلى ما كان من المشركين في مكة قبل الهجرة، وعلى فرض التسليم بنزول آية النجم مبكرة، فلم
(1) التفسير الحديث، ج 1، ص 219 - 220.