الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
وما ذكره الشيخ يخالف فيه العلماء، يقول الطبري عند قوله:{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} : "يعني به الإسلام، لا الصلح، لأن الله عز وجل إنما أمر عباده بالإيمان به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وإلى ذلك دعاهم دون المسالمة والمصالحة، بل نهى نبيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الصلح، فقال: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] وإنما أباح له صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال إذا دعوه إلى الصلح ابتداء المصالحة فقال له جل ثناؤه: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]، فأما دعاؤهم إلى الصلح ابتداء فغير موجود في القرآن"(1).
رأيه في ترتيب نزول آيات الخمر:
يقول (2): "والأكثرون على أن قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} [البقرة: 219]، سبقت في النزول آية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]. ولكن يميل بعض المتأخرين -ذكر ذلك الأستاذ الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا رضي الله عنهما إلى أن آية {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} مقدمة على آية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} لأن هذه فيها إشارة إلى التحريم المطلق
…
فإذا كانت آية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} قد صرحت بعلة التحريم، فقد أومأت إلى التحريم المطلق. أما آية {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ، فهي لم تصرح بالتحريم المطلق، بل أومأت إلى التحريم المؤقت أو المعلل بكونه لأجل الصلاة. وإذا كان الترتيب في النزول لأجل التدرج في المنع، فالمنطق يوجب أن يكون ما فيه إشارة إلى
(1) تفسير الطبري، 4/ 254. وانظر: منهج الشيخ محمد أبو زهرة في التفسير، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في التفسير، فهد بن عبد الله بن فريح الناصر، إشراف: الدكتور زيد بن عمر العيص، ص 470، جامعة الملك سعود.
(2)
لواء الإسلام، العدد الحادي عشر، السنة الخامسة، ص 663. زهرة التفاسير، 2/ 698.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
التحريم المطلق، مُؤخَّرًا عن ما فيه إشارة إلى التحريم المؤقت، والمعلل بكونه لأجل الصلاة" (1).
وهذا القول مردود لأنه يخالف الرأي والمأثور، وأما الرأي، فإن المتبادر للذهن، أن أول آيات الخمر نزولًا، إنما هي تلك الآية التي أنزلت ردًّا على سؤال هذا أولًا. وأما ثانيًا فإن المنافع التي في الخمر، إنما هي -والله أعلم- منافع اقتصادية، كما هو الحال في شأن الرقيق، فكانت الحكمة أن يتدرج في تحريمها، وهذا ما حدث بالفعل. وأما المأثور، فما رواه أصحاب السنن وغيرهم وصححه ابن المديني والترمذي (2) "عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت الآية التي في البقرة {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} -فقرئت عليه- فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت التي في النساء {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ، فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]-إلى قوله- {مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 91] فقال عمر: انتهينا انتهينا".
تفسيره لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221](3):
وهنا يعرض لمسألتين خطيرتين:
أ- تحديد معنى الشرك:
يرى الشيخ أن كلمة الشرك المستعملة في القرآن، لا تطلق إلا على الوثنيين أما أهل الكتاب، فلم يوصفوا بهذا العنوان وإنما وصفوا بألقاب أخرى كالكفر.
(1) زهرة التفاسير، 2/ 698 - 699.
(2)
فتح الباري، 9/ 349.
(3)
زهرة التفاسير، 2/ 713.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
يقول: "فكلمة مشرك ومشركين ومشركات، كلها إذا ذكرت في القرآن انصرفت إلى عبدة الأوثان من غير آية قرينة دالة على ذلك؛ لأنَّها صارت في الإسلام حقيقة عرفية عليهم، ولا تطلق على اليهود والنصارى وإن قال الله سبحانه عن النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، وعن اليهود: {وَقَالتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30]، إذ صار لفظ المشركين اسمًا لجنس معين، ولذا كان يذكر النصارى واليهود بعنوان أهل الكتاب، وعبدة الأوثان باسم المشركين، فقد قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)} [البينة: 1] فذكر في هذه الآية الكريمة الجميع بعنوان الكفر"(1).
ونحن إذا استعرضنا آي القرآن الكريم، لا يسعنا إلا أن نعجب من أقوال الشيخ، فهذه آيات من سورة النساء تتحدث عن أهل الكتاب. تبدأ بقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)} [النساء: 44]، وتنادي أهل الكتاب بنداء خاص بهم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} جاء في سياقها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48] ولقد تنبه العلماء إلى سر ختم هذه الآية بهذه الخاتمة الكريمة، وسر ختم الآية التي تشابهها في السورة نفسها بقوله:{فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)} [النساء: 116] فقرروا أن الآية الأولى تحدثت عن أهل الكتاب، والآية الثانية عن الوثنيين.
وهذه آيات سورة براءة التي استشهد الشيخ بجزء منها، ترد ما ذهب إليه الشيخ بسياقها فحسب، بل ترده بنصها في أكثر من موضع، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا
(1) لواء الإسلام، العدد الثاني عشر، السنة الخامسة، ص 727.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [التوبة: 31 - 33].
وآيات سورة الصف التي ختمت بمثل هذه الخاتمة، إنما كانت تتحدث عن اليهود والنصارى.
أفبعد هذا كلّه يمكن أن يقصر لفظ الشرك على عبدة الأوثان وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم. وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: "إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله"(1).
أما من الناحية اللغوية، فإن أهل الكتاب قمينون بتلك التسمية، وهي حرية بهم، وما استدل به الكاتب من إطلاقات القرآن كمطلع سورة البينة، فليس فيه حجة. ذلك أن القرآن، ذكر فريقين اثنين، فلا بد لكل فريق من عنوان يميزه عن الآخر. والمسألة شبيهة تمامًا بما قاله العلماء عن لفظي الإيمان والإسلام "إذا اجتمعا تفرقا، وإذا تفرقا اجتمعا". وكذلك لفظ الشرك إذا ورد منفردًا، فإنه لا شك يشمل أهل الكتاب، وإذا ورد مع الكفر أو اليهود والنصارى خص بالوثنيين.
ب - رأيه في نكاح المشركين:
وبناءً على ما ذهب إليه شيخنا في معنى الشرك، قرر أن الآية الكريمة لا تشمل غير الوثنيين، وأن من ذهب غير هذا المذهب، فعدّها منسوخة أو مخصصة بآية المائدة، لا يستقيم فهمه لأسلوب القرآن الكريم (2). واضطرب كلامه على غير
(1) فتح الباري، ج 11، ص 337.
(2)
لواء الإسلام، العدد السابق، ص 728.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
عادته، فتارة يدعي إجماع الصحابة على إباحة الكتابيات، ويعود لينقضه بما روي عن عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما، ثم يرجح أن ما نقل عن ابن عمر إنما هو الكراهة ولكن الحافظ ابن حجر رد هذه الرواية عنه وجزم بالتحريم كما أوردناه سابقًا.
بقي هنا مسألتان:
أولاهما: نكاح غير المسلم للمسلمة، والشيخ يرى أن هذه الآية لا يؤخذ منها تحريم تزوج الكتابي بالمسلمة، وإنما يؤخذ من قوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، مع أن آية البقرة أكثر صراحة.
ثانيتهما: ما استشعره الشيخ مما قد يوجه إليه، في معنى قوله تعالى:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة: 221] فحاول أن يرد على هذا الاعتراض بالنسبة لأهل الكتاب، فقال عن الكتابية:"أما الكتابية، فإن مجموع الفضائل الإنسانية من الصدق والأمانة ومنع الخيانة، وحُسْن المعاملة وحُسْن العشرة، وغيرهما من المبادئ الفاضلة، لا تزال باقية في تعاليم دينها، فيمكن الاحتكام إليها، كما يمكن الاطمئنان إلى أن الزوجة تستمسك بالفضيلة في الجملة، إن أحسن الاختيار"(1).
ثم يذهب الشيخ أبعد من ذلك فيقول: "وإن القرآن الكريم في جدله مع أهل الكتاب، كان يلاحظ إمكانَ التفاهُم معهم على قواعد يمكن حملهم على الإقرار بها".
ورأي أنه قد تكلف كثيرًا في أكثر ما ذهب إليه، وليته سار مع الجمهور فكان خيرًا له وأقوم قيلًا.
(1) لواء الإسلام، العدد الثاني عشر، السنة الخامسة، ص 735.