الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
وكذا آية أسقطْتُهُنَّ، أو كنتُ أُنسيتُها من سورة كذا وكذا"، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط آيةً في قراءته في الصلاة، فسأله أبي بن كعب: أَنُسِخَت؟ فقال: "نُسيّتها (1) ".
فأنت تراه مرة وقد قال: "إن هذا مما يقف منه الشعر ولا ينبغي أن يوجه إليه النظر"، وتارة قال:"مثل هذا النسخ لا فائدة منه"، وأخيرًا أثبته، وهذا الاضطراب غير لائق، كما تراه.
والشيخ وإن أثبت النسخ في بعض المواضع إلا أنه لا يراه واقعًا بمكة، قال:"وأمّا نسخ التلاوة فلم يَرِدْ من الآثار ما يقتضي وقوعه في مكة"(2).
اهتمام الشيخ باللغة:
تنوعت اهتمامات الشيخ وعنايته اللغوية بتنوع مفردات علم اللغة، فمن ذلك: بيانه لاشتقاق الكلمات، وبيان معاني المفردات وذكره وجوه الأعاريب، وتنوع طرائق الاستشهاد في تفسيره، فقد يكثر من الشواهد الشعرية، والاسشهاد بأقوال الحريري، والاستشهاد بالأمثال.
من الأمثلة على ما ذكرناه من تفسير الشيخ رحمه الله ما ذكره عند تفسيره قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16]، حيث قال:"والتحيز: طلب الحيز -فَيْعِلٌ من الحَوْز، فأصلُ إحدى ياءيه الواو، فلما اجتمعت الواو والياء وكانت السابقة ساكنةً قُلبت الواو ياءً وأُدغمت الياء في الياء، ثم اشتقوا منه تَحَيُّزٌ، فوزنُه تَفَيْعُلٌ، وهو مختار صاحب "الكشاف" جريًا
(1) الحديث الأول في البخاري، 5037، كتاب فضائل القرآن، باب نسيان القرآن 9/ 84 - 85. والثاني أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام"، حديث رقم 123، والنص هذا في ابن عاشور، 30/ 280 - 281. وانظر: 18/ 149.
(2)
14/ 281. وقد ناقش الدكتور فضل حسن عباس هذه القضية في إتقان علوم القرآن وخلص إلى رَدّ هذا النوع، وذلك لأن هذه روايات آحاد لا يثبت بها القرآن المتواتر، ومن حيث البلاغة هي مردودة كذلك، لأنها بعيدة عن بلاغة ونظم القرآن الكريم.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
على القياس بقدر الإمكان، وجوز التفتازاني أن يكون وزنه تَفَعُّلٌ بناءً على اعتباره مشتقًا من الكلمة الواقع فيها الإبدال والإدغام وهي الحَيِّزُ، ونَظَّرَه بقولهم:(تَدَيُّرٌ) بمعنى الإقامة في الدار، فإن الدار مشتقة من الدوران؛ ولذلك جُمعت على دُور، إلا أنه لما كثر في جمعها ديار ودِيرة عُوملت معاملة ما عينه ياء، فقالوا من ذلك: تَدَيَّرَ، بمعنى أقام في الدار، وهو تَفَعَّلَ من الدار، واحتجّ بكلام ابن جني والمرزوقي في "شرح الحماسة". يعني ما قاله ابن جني في "شرح الحماسة" عند قول جابر بن حريش (1):
إذ لا تخافُ حُدُوجُنا قَذْفَ النَّوَى
…
قَبْلَ الفسادِ إقامةً وتَدَيُّرا
(التَّدَيُّرُ: تَفَعُّلٌ من الدار، وقياسه تَدَوُّرٌ، [لأن عينه واو بدلالة قولهم: دور] إلا أنه لما كَثُر استعمالهم ديارَ أنِسوا بالياء ووجدوا جانبها أوطأ حسًّا، وألين مسًا، فاجترَؤوا عليها فقالوا: تَدَيَّرنا دارًا. اهـ، وما قال المرزوقي: (الأصل في تدير الواو، ولكنهم بنوه على ديارٍ لإلفهم له بكثرة تردده في كلامهم)(2) ".
ومنه ما ذكره من الخلاف عند تفسيره قوله تعالى: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23]، حيث قال: "واختُلف في اشتقاقه؛ فقيل: مشتق من (أمن) الداخل عليه همزة التعدية فصار آمن، وأن وزن الوصف مُؤَيْمِن، قُلبت همزته هاءً، ولعل موجب القلب إرادة نقله من الوصف إلى الاسمية بقطع النظر عن معنى الأمن، بحيث صار كالاسم الجامد، وصار معناه رقب: (ألا ترى أنه لم يبق فيه معنى الأمن الذي في
(1) هو من شعراء الحماسة، وانظر: خبر أبياته في شرح التبريزي على الحماسة، 2/ 73.
وأما قول ابن جني الآتي فقد ورد في كتابه "التنبيه على شرح مشكلات الحماسة"، تحقيق: أ. د. حسن محمود هنداوي، نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، ط 1، 1430 هـ/ 2009 م، ص 237، الحماسية، رقم 120.
(2)
9/ 290، والفرق بين الرأيين: أن الزمخشري نظر إلى الأصل، والتفتازاني جعل النظر إلى الكلمة بعد وقوع الإبدال فيها. انتهى. شيخنا.
وانظر: "التنبيه على شرح مشكلات الحماسة" لابن جني، ص 237، الحماسية رقم 120. و"حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي"، 2/ 275. و"شرح ديوان الحماسة" للمزوقي، ص 424.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
المؤمن (1) لما صار اسمًا للرقيب والشاهد)، وهو قلب نادر، مثل قلب همزة أراق إلى الهاء فقالوا: هراق، وقد وضعه الجوهري في فصل الهمزة من باب النون، ووزنه مُفَعْلِلٌ اسم فاعل من آمن مثل مُدَحْرج، فتصريفه مُؤَأْمِنٌ بهمزتين بعد الميم الأولى المزيدة، فأُبدلت الهمزة الأولى هاءً كما أبدلت همزة أراق فقالوا: هراق.
وقيل: أصله هَيْمن، بمعنى: رَقَبَ، كذا في "لسان العرب"، وعليه فالهاء أصلية ووزنه مُفَيْعِل، وذكره صاحب "القاموس" في فصل الهاء من باب النون، ولم يذكره في فصل الهمزة منه، وذكره الجوهري في فصل الهمزة وفصل الهاء من باب النون مصرحًا بأن هاءه أصلها همزة، وعَدَلَ الراغب وصاحب "الأساس" عن ذكره، وذلك يُشعر بأنهما يريان هاءه مبدلة من الهمزة، وأنه مندرج في معاني الأمن" (2).
قلت: وقد ذكره الزمخشري في "الكشاف" مشتقًا من الأمن (3).
هذا طرف من ذكره للاشتقاق واختلاف العلماء فيه، وقد يَذكر الخلاف في الوزن الصرفي للكلمة فقط دون تعريج على الاشتقاق، وهو نادر الوقوع جدًّا، ومثاله: ما وقع عند تفسيره قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، حيث قال:"ووزن أيامى عند الزمخشري أفاعِلُ؛ لأنه جمع أيِّم بوزن فَيْعِل، وفيعِلُ لا يجمع على فَعَالى. فأصل أيامى أيائِم، فوقع فيه قلب مكاني قدَّمت الميم للتخلص من ثقل الياء بعد حرف المد، وفُتحت الميم للتخفيف فقُلبت الياء ألفًا، وعند ابن مالك وجماعة وزنه فَعَالى على غير قياس، وهو ظاهر كلام سيبويه"(4).
وقد يَذكر مصادره في الاشتقاق مصَرّحًا بأسمائها، ومن ذلك: ما ذكره عند تفسيره قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6]، حيث قال: "وفي اشتقاق الباخع
(1) في الأصل: "معنى إلا من الذي في المؤمن! " وهي هكذا ليست واضحة.
(2)
28/ 121 وما بعدها.
(3)
4/ 87.
(4)
18/ 215. وانظر: الكشاف، 3/ 63. انظر: كذلك ذكر الخلاف دون التصريح بأسماء المختلفين 11/ 35، 23/ 113، 30/ 291، 354.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
خلاف؛ فقيل: مشتق من البِخاع بالباء الموحدة (بوزن كِتاب)، وهو عِرْق مستبطن في القفا، فإذا بلغ الذابحُ البِخَاع، فذلك أعمقُ الذبح، قاله الزمخشري في قوله تعالى:{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء: 3]، وانفرد الزمخشري بذكر هذا الاشتقاق في "الكشاف" و"الفائق" و"الأساس". قال ابن الأثير في "النهاية":"بحثت في كتب اللغة والطب فلم أجد البِخاع بالموحّدة"، يعني أن الزمخشري انفرد بهذا الاشتقاق، وبإثبات البِخاع اسمًا لهذا العرق.
قلت: كفى بالزمخشري حُجَّةً فيما أثبته، وقد تبعه عليه المطرزي في "المُغْرب" وصاحب "القاموس"" (1).
والشيخ ابن عاشور حين يسوق هذه المعلومات الصرفية، لا يسوقها دائمًا سياق المسلِّم بها المعجب بها، وإنما يبدي رأيه فيما لا يعجبه منها، وقد يلوح له أحيانًا عدم قناعة باشتقاقٍ ما، أو عدم معرفة به، فيذكر ذلك في أثناء تفسيره.
ومن الأمثلة على ذلك: ما ذكره عند تفسيره قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} [البقرة: 142]، حيث قال: "والقِبلة في أصل الصيغة اسم على زِنَة فِعْلةِ بكسر الفاء وسكون العين، وهي زنة المصدر الدال على هيئة فعلِ الاستقبال، أي: التوجه، اشتق على غير قياس بحذف السين والتاء، ثم أُطلقت على الشيء الذي يستقبله المُستقبِل مجازًا، وهو المراد هنا؛ لأن الانصراف لا يكون عن الهيئة، قال حسان في رثاء أبي بكر رضي الله عنه:
أليسَ أولُ من صَلَّى لقبلتِكُمْ
والأظهر عندي أن تكون القبلة اسم مفعول على وزن فِعْلٍ كالذِّبح والطِّحن، وتأنيثه باعتبار الجهة كما قالوا: ما له في هذا الأمر قِبْلة ولا دِبْرة، أي: وجهة. اهـ".
قلت: وهذا يخالف ما كان عليه الواقع، فهل كانت القِبلة مرغوبة لديهم؟
(1) 15/ 254.