الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقيدته:
إنّ المتأمل في كلام الشيخ رحمه الله وهو يفسر بعض الآيات التي عرضت لبعض الأمور العقدية يدرك إدراكًا تامًّا، بحيث تتكون لديه قناعة تامة، بأن الشيخ رحمه الله كان ملمًا إلمامًا تامًّا بمذهب الأشاعرة لا في القضايا الكلية فحسب، بل في القضايا الجزئية والفرعية، وعلى سبيل المثال تدرك هذا وأنت تقرأ تفسير الشيخ رحمه الله في قوله تعالى في سورة الأعراف:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأعراف: 54](1). ومعنى هذا أن الشيخ رحمه الله إما أن يكون قد درس مذهب الأشاعرة دراسة جيدة، وإما أن يكون أشعريًا قبل مجيئه إلى بلاد الحجاز، هذه قضية يسميها علماء المنطق "مانعة الخلو" وليست "مانعة الجمع" بمعنى أن حال الشيخ رحمه الله لا يخلو عن واحدة منهما، ولكن يمكن أن يكون جامعًا بينهما. ولقد حدثني أحد الطلاب الذين أثق بهم أنه سمع أحد ابني الشيخ - حفظهما الله - في إحدى المحطات الفضائية وأظنها (الشارقة) يقول: إن والده رحمه الله لم يتّلمذ لأحد في بلاد الحرمين، ولم يغيّر عقيدته. ونحن إذ نسلم القضية الأولى: وهي أن الشيخ لم يجلس على كرسي التلمذة، لكننا يجب أن نناقش القضية الثانية.
ونعتمد في هذا النقاش على ما ذكره تلميذه البار الوفي الذي كان وهو يتحدث عن شيخه الذى لا يذكره إلا بعنوان (الوالد)، وأعني به الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله ففي حديثه عن حياة شيخه يقول: "كان خروجه من بلاده لأداء فريضة الحج وعلى نية العودة، وكان سفره برًا،
…
وبعد وصوله إلى هذه البلاد تجددت نية بقائه، ولعل من الخير ذكر سبب بقائه؛ لقد كان في الصدف أن ينزل رحمه الله في بعض منازل الحج بجوار خيمة الأمير، خالد السديري، دون أن يعرف أحدهما الآخر، وكان الأمير خالد يبحث مع جلسائه بيتًا في الأدب - وهو ذوّاقة أديب - وامتد الحديث إلى أن سألوا الشيخ لعله يشاركهم فوجدوا بحرًا لا
(1) انظر: أضواء البيان، 2/ 18 - 31.
ساحل له، ومن تلك الجلسة وذاك المنزل، تعدلت الفكرة، بل كانت تلك الخيمة بداية منطلق لفكرة جديدة، وأوصاه الأمير إن هو قِدَم المدينة أن يلتقي الشيخين: الشيخ عبد الله الزاحم رحمه الله والشيخ عبد العزيز بن صالح - حفظه الله - وفي المدينة التقى بهما وكان صريحًا معهما فيما يسمع عن البلاد، وكانا حكيمين فيما يعرضان عليه ما عليه أهل هذه البلاد من مذهب في الفقه ومنهج في العقيدة، وكان أكثرهما مباحثة معه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح، وأخيرًا قدم للشيخ كتاب "المغني" كأصل للمذهب، وبعض كتب الشيخ ابن تيمية كمنهج للعقيدة، فقرأها الشيخ وتعددت اللقاءات وطالت الجلسات، فوجد الشيخ مذهبًا معلومًا لإمام جليل من أئمة أهل السنّة وسلف الأمة، أحمد بن حنبل رحمه الله كما وجد مذهبًا سليمًا لعقيدة السلف، تعتمد الكتاب والسنّة، وما كان عليه سلف الأمة، فذهب زيف الدعايات الباطلة، وظهر معدن الحقيقة الصحيحة، وتوطدت العلاقة بين الطرفين، وتجددت رغبة متبادلة في بقائه لإفادة المسلمين" (1).
عُرِف رحمه الله بقوته وصلابته في الحق، يزين ذلك لين ودماثة خلق مع تواضع وإنصاف مع زهد وتعفف عما في أيدي الناس، وقد كان جلُّ وقته للدرس والبحث والتعليم وقد كان بيته ملاذًا لطلاب العلم والباحثين عن الحقيقة، وقد عرف بطيبه وكرمه وقناعته فيما بين يديه.
توفي رحمه الله بعد أدائه لفريضة الحج يوم الخمس 17/ 12/ 1393 هـ الموافق 1973 م بمكة المكرمة وصلى عليه آنذاك الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمهما الله - بالمسجد الحرام، ودُفن بمقبرة المعلاة بمكة، ثم بعد ذلك أقيمت عليه صلاة الغائب في المسجد النبوي الشريف.
(1) المصدر السابق، 9/ 489 - 490.