الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
قال الطبري رحمه الله في تفسير الآية الأولى: يقول الله تعالى ذكره ولا تعبد يا محمد مع معبودك الذي له عبادة كل شيء معبودًا آخر سواه وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163]، يقول: لا معبود تصلح له العبادة إلا الله الذي كل شيء هالك إلا وجهه، واختلف في معنى قوله:{إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، فقال بعضهم: معناه كل شيء هالك إلا هو، وقال آخرون: معنى ذلك إلا ما أُريد به وجهه، واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقول الشاعر:
أستغفرُ اللهَ ذنبًا لستُ مُحصِيَهُ
…
ربُّ العبادِ إليه الوجهُ والعملُ (1)
وذكر ابن كثير تفسير الوجه بالذات في هذين الموضعين هنا، وعزا القول الثاني المار ذكره عن الطبري إلى مجاهد والثوري، ثم قال: وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له (2).
ونحا الطبري في تفسير آية الرحمن إلى عدم التفسير، غير أنه ذكر أن "ذو الجلال والإكرام" من نعت الوجه (3) وأحال ابن كثير إلى الموضع السابق نقله عنه (4) وقد ذكر الدكتور إسماعيل عبد العال في بحثه عن ابن كثير أن هذا الموضع هو من مواضع مخالفة ابن كثير لشيخه ابن تيمية في منحاه العقدي (5).
عنايته بآيات الأحكام:
وابن عاشور مالكي المذهب، وذلك أن مذهب الإمام مالك هو المنتشر في الأوساط الرسمية والشعبية في المغرب العربي. وقد بيَّن في تفسيره بعض قواعد
(1) الطبري، 20/ 81 - 82، والشاهد قال فيه البغدادي هو من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. انظر: الخزانة: 3/ 111.
(2)
تفسير ابن كثير، 3/ 403.
(3)
الطبري، 27/ 78.
(4)
4/ 273.
(5)
ابن كثير ومنهجه في التفسير، ص 107 - 108.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
أصول الفقه، وعرض لآراء الأئمة الأربعة في كثير من قضايا الفقه، مع ذكره آراء الصحابة والتابعين، وكان يعرض لبيان الحكمة من التشريع.
والشيخ في عرضه لمذاهب الفقهاء، قد يرجح متبعًا الدليل، أو معللًا ولا يتعصب لمذهب المالكية. فمما رد فيه قول الإمام مالك ما ذكره عند تفسيره قوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]، حيث قال بعد تفسيرها:
وقد اختلف الفقهاء في أن الصيد رخصة، أو صفة من صفات الذكاة. فالجمهور ألحقوه بالذكاة وهو الراجح. ولذلك أجازوا أكل صيد الكتابي دون المجوسي. وقال مالك: هو رخصة للمسلمين فلا يؤكل صيد الكتابي ولا المجوسي وتلا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]، وهو دليل ضعيف، لأنه وارد في غير بيان الصيد ولكن في حرمة الحرم. وخالفه أشهب وابن وهب من أصحابه، ولا خلاف في عدم أكل صيد المجوسي إلا رواية عن أبي ثور إذ ألحقهم بأهل الكتاب فهو اختلاف في الأصل لا في الفرع (1).
وقد يرجح رأي الشافعي، فمن ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ (33)} [محمد: 33]، حيث قال: وحمل بعض علمائنا قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ (33)} على معنى النهي عن قطع العمل المتقرب به إلى الله تعالى، وإطلاق الإبطال على القطع وعدم الإتمام يشبه أنه مجاز، أي: لا تتركوا العمل الصالح بعد الشروع فيه، فأخذوا منه أن النفل يجب بالشروع لأنه من الأعمال، وهو قول أبي حنيفة في النوافل مطلقًا، ونسب ابن العربي في الأحكام مثله إلى مالك. ومثله القرطبي وابن الفرس، ونقل الشيخ الجد في حاشيته على المحلي عن القرافي في شرح المحصول، ونقل حلولو في شرح جمع الجوامع عن القرافي في الذخيرة، أنَّ مالكًا قال بوجوب سبع نافل بالشروع وهي
(1) 6/ 118.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
الصلاة والصيام والحج والعمرة والاعتكاف والائتمام وطواف التطوع دون غيرها نحو الوضوء والصدقة والسفر للجهاد، وزاد حلولو إلحاق الضحية بالنوافل التي تجب بالشروع، ولم أقف على ما أخذ القرافي ذلك ولا على مأخذ حلولو في الأخير.
ولم يرَ الشافعي وجوبًا بالشروع في شيء من النوافل وهو الظاهر (1).
ومن أمثلة تنبيهه على قواعد الأصول واختلاف العلماء أحيانًا في تقرير تلك القواعد ما ذكره عند تفسيره قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].
حيث قال الشيخ: أخذوا منها أن أصل استعمال الأشياء فيما يراد له من أنواع الاستعال هو الإباحة حتى يدل دليل على عدمها؛ لأنه جعل ما في الأرض مخلوقًا لأجلنا وامتنَّ بذلك علينا، وبذلك قال الإمام الرازي والبيضاوي وصاحب الكشاف ونسب إلى المعتزلة وجماعة من الشافعية والحنفية منهم الكرخي (2) ونسب إلى الشافعي، وذهب المالكية وجمهور الحنفية والمعتزلة في نقل ابن عرفة إلى أن الأصل في الأشياء الوقف ولم يروا الآية دليلًا (3)، قال ابن العربي في أحكامه: "إنما ذكر الله تعالى هذه الآية في معرض الدلالة والتنبيه على طريق العلم والقدرة وتصريف المخلوقات بمقتضى التقرير والإتقان بالعلم
…
" إلخ.
والحق أن الآية مجملة قصد منها التنبيه على قدرة الخالق بخلق ما في الأرض وأنه خُلق لأجلنا، إلا أنَّ خلقه لأجلنا لا يستلزم إباحة استعماله في كل ما يقصد منه بل خُلق لنا في الجملة، على أن الامتنان يصدق إذا كان لكل من الناس بعض مما في العالم، بمعنى أن الآية ذكرت أن المجموع للمجموع لا كل واحد لكل واحد كما
(1) 26/ 129.
(2)
هو عبيد الله بن الحسين الكرخي إمام الحنفية في زمانه في العراق، (ت 340 هـ). انظر: الفوائد البهية، ص 108.
(3)
قال ابن عرفة في التفسير: والقول بالوقف هو مذهب المعتزلة، والمختار عند أهل السنة، 1/ 230.