الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
قصة البقرة:
يقرر علماء التفسير أنّ قوله تعالى: {وَإِذْ قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
…
} [البقرة: 67] الآية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} [البقرة: 72] فطلب ذبح البقرة إنما كان من أجل الكشف عن القاتل، لذا قال العلماء عند قوله:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ} "هذا الكلام مقدّم على أوّل القصة التقدير: وإذ قتلتم نفسًا فادارأتم فيها. فقال موسى: إن الله يأمركم بكذا"(1).
فهما قصة واحدة هذا ما قرره علماء التفسير ومنهم صاحب المنار رحمه الله (2).
مع ما سبق ذكره إلا أننا نجد الشيخ أبو زهرة يذهب مذهبًا آخر في هذه القصة ويرى أن قصة البقرة تنتهي عند قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)} [البقرة: 71] ثم تبتدأ قصة جديدة، وهي {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} فهما قصتان متعاقبتان لا قصة واحدة.
يقول الأستاذ أبو زهرة: "المفسرون على أن هذه الآيات جزءٌ من قصة البقرة إلا ما يتعلق بقسوة قلوبهم
…
فهم يقولون: إن الأمر بذبح البقرة كان ليضربوه بها، أي: ليضربوا المقتول بها فيحيا
…
ونحن لا نردّ ذلك ولا نكذبه فأخبار بني إسرائيل فيها العجائب الكثيرة التي ساقها الله ليؤمنوا ويذعنوا
…
ولكن في العصر الحديث قرر المرحوم الأستاذ الكبير الشيخ عبد الوهاب النجار، أنهما قصتان سيقتا لغرضين مختلفين:
(1) القرطبي، 1/ 309.
(2)
انظر: المنار، ص 345 - 350.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
أما الأولى: فهي قصة البقرة، وهي قائمة بذاتها سيقت لبيان آثار العقائد المصرية في نفوس بني إسرائيل، ولجاجتهم في الامتناع عن ذبح البقرة متأثرين بتقديس المصريين للبقر.
والثانية: سيقت لبيان أثر رؤية المقتول في نفس القاتل، وتأثره بذلك، وأنه يحمله على الاعتراف بالجريمة عندما يرى المقتول ويمس جسده" (1).
فالضمير على رأي جهور المفسرين في (بعضها) يعود على البقرة. وعلى رأي الأستاذ النجار يعود على جثة المقتول.
ولقد أخذ الشيخ أبو زهرة برأي الشيخ النجار في هذا الأمر، واستشهد على صحته بجملة أمور:
1 -
بما ذكره الزمخشري من حكمة تأخير قوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ} ويقول الزمخشري: فإن قلت: في للقصة لم تقص على ترتيبها، وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها وأن يقال:
وإذ قتلتم نفسًا فادارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها؟
قلت: كلّ ما قص من قصص بني إسرائيل إنما قص تعديدًا لما وجد منهم من الخطايا وتقريعًا لهم عليها، ولما جُدِّدَ فيهم من الآيات العِظام، وهاتان قصتان كلّ واحدة منهما خُصَّت بنوع من التقريع، وإن كانتا متصلتين متحدتين، فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء، وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك.
والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة، وما يتبعه من الآية العظيمة. وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل؛ لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة، ولذهب الغرض في تثنية التقريع، ولقد روعيت نكتة بعدما استؤنفت
(1) أبو زهرة، 1/ 269.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى، دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله:{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة: 73] حتى يتبيَّن أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وتثنيته باخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها، وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة (1).
يقول الأستاذ أبو زهرة: "إن القصة الثانية وهي قصة القتل ابتدأت بقوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} ولذلك لم يَسَعِ الزمخشريَّ وهو الذواق للبيان القرآني إلا أن يذكر أنهما قصتان، وإن كان قد حاول أن يصل بينهما بأن الضمير في قوله تعالى:{اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} يعود على البقرة، مع البُعد بينهما بطائفة من القول، وعدم ظهور ذلك العود على البقرة (2).
2 -
أن الضمير في {اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} لأبي إذا عاد إلى النفس المقتولة يعود إلى أقرب مذكور، وعودة الضمير إلى أقرب مذكور هي القاعدة العامة إلا إذا أدَّى فيها الأمر إلى شذوذ غير معقول أو كان ذلك مستحيلًا.
3 -
أن عود الضمير على النفس المقتولة يؤدي علمًا نفسيًا اجتماعيًا هاديًا مرشدًا فيكون في ذلك فائدة جديدة لم تكن في قصة البقرة.
4 -
ختمت الآية بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وهو يدل على أن الموضوع يحتاج إلى تدبر وفكر رشيد وإدراك لمرمى التكليف" (3).
ثم عقب بقوله:
(1) الكشاف، 1/ 155 - 156.
(2)
أبو زهرة، 1/ 272.
(3)
أبو زهرة، 1/ 272.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
إن اتجاه المفسرين يتمثل في جعل قصة البقرة معجزة وأمرًا خارقًا للعادة لتكون دليلًا حسيًا على إثبات البعث.
واتجاه الأستاذ النجار يتمثل في جعل القصة تكليفًا اجتماعيًا ينبه العقول إلى أمر مقرر ثابت في الدراسات النفسية والاجتماعية.
ويميل أبو زهرة إلى رأي النجار معللًا ذلك بقوله: "ونحن نميل إلى رأي الأستاذ النجار لأنه لو كانت الحياة من الضرب ببعضها، لأدى ذلك إلى إشباع ما في نفوسهم من أوهام حول تقديس البقر كما يتوهم المصريون، والرأي الأخير ليس فيه ذلك"(1).
يقول الدكتور فضل عباس تعقيبًا على هذين الرأيين: "وسواءً أكنت أنا وأنت أيها القارئ الكريم مع الجمهور فيما ذهبوا إليه، أم مع الفضلاء أصحاب الرأي الآخر. فليس في الأمر حرج. وكتاب الله تبارك وتعالى يتسع للفكر البشري إذا تهيأ للناظر حُسْن النية، والعلم وصفاء القريحة، ويقيني أن هذه الثلاثة أعني حُسْن النية والعلم وصفاء القريحة، هي مما أكرم الله به أئمتنا قديمًا وحديثًا، فجزى الله الجميع عن كتابه ودينه ونبيه خير الجزاء"(2).
وهذا المنهج يلتزمه الأستاذ في غير آيات الأحكام كما قلت. فمثلًا عند تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243] يبين آراء المفسرين ثم يختار احتمالين، أحدهما: رأي الإمام الشيخ محمد عبده، وقد تقدم معنا من قبل، والآخر ملخصه أن الموت على حقيقته لأكثرهم، وأن الحياة حياة الآخرة ثم يرجح بعد ذلك رأي الإمام (3).
(1) أبو زهرة، 1/ 272 - 273 بتصرف.
(2)
قصص القرآن الكريم صدق حدث وسمو هدف، د. فضل عباس، ص 577.
(3)
لواء الإسلام العدد الثاني عشر السنة السادسة، ص 735.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
وعند تفسيره لقول الله تعالى: {إِذْ قَال اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] يذكر الآراء المختلفة في معنى التوفي والرفع، محاولًا أن يوفق بين الأحاديث والآيات ولا يلمح القارئ من كلامه مخالفة الجمهور، فلم يرد أحاديث النزول كما ردها غيره (1).
وعند تفسيره لقول الله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: 113] يعرض آراء العلماء في المقصود من (أهل الكتاب): هل هم الذين آمنوا به صلى الله عليه وسلم؟ أم هم الذين كانوا قبل بعثته أو بعدها، ولم يحرفوا كتابًا؟ وهذا الرأي الثاني هو رأي الإمام الشيخ محمد عبده. ثم عقب على هذين الرأيين بقوله (2):"وعندي أن الآية الكريمة في أهل الكتاب الماضين الذين استقاموا على الحق، ولم يدركوا عصر النبي صلى الله عليه وسلم".
على أن للشيخ لفتات يقبسها من روح الآية، لا يدركها كثير، من ذلك مثلًا قوله عند تفسير الآية السابقة:"هذا من إنصاف القرآن فهو لا يعمم حكمه إلا حيث يكون التعميم هو الحق الذي لا شك فيه، وإن كان في قوم من هم جديرون بالثناء ذكرهم، وكذلك كان الشأن في ذكر أهل الكتاب، فيقول: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)} [آل عمران: 75] ويقول سبحانه: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)} [الأعراف: 159] وفي هذه الآية يذكر بالخير العظيم طائفة من هؤلاء، فيقول الحكم العدل تعالت كلماته: {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران: 113] ".
(1) لواء الإسلام، العدد الأول، السنة العاشرة.
(2)
لواء الإسلام العدد السابع السنة الحادية عشرة، ص 407.