الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يهدف إليه الإسلام في تشريعاته، وبين ما تتخبط فيه أمتنا اليوم من واقع سيئ، جرها إليه انحرافها عن مبدئها، أو استبدالها الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهو يجلي في آيات التشريع كغيرها من الآيات، هداية القرآن واضحة تامة يظهر هذا وهو يتكلم عن أحكام الظهار والمناجاة، في سورة المجادلة وعن أحكام الفيء وموالاة غير المسلمين في سورتي الحشر والممتحنة. كما يتكلم عن أحكام الجمعة وحكمتها في سورتها.
ونقتبس هنا جزءًا من تفسيره لسورة الطلاق. فبعد أن أتى بتاريخ نزول السورة وعدد آياتها، والقصد منها، والروايات الواردة في الطلاق بعبارة واضحة وتفسير مقبول، قال:"والمتأمل في أدب القرآن في هذا الموضوع يلمس حرصه على بقاء الحياة الزوجية ما أمكن، لأن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، فهو كالعقاقير السمية التي لا ينبغي أن تُستعمل إلا بتحفظ شديد وبمقدار جد يسير. ثم أمر تعالى بإحصاء العدة بمعرفة ابتدائها وانتهائها، لتكون الزوجة على بيِّنة من أمرها، إذا طلبها من طلبها، ومعلوم أن المرأة المدخول بها إذا طلقت طلاقًا واحدًا أو اثنين كان لزوجها أن يراجعها في العدة، فإن فاءت كانت خطبته من جديد إذا أراد، أما إذا طلقها ثلاثًا، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ويطلقها هنا دون اللجوء إلى التواطؤ المعيب، الذي يلجأ إليها الجاهلون وينسبونه إلى الإسلام، والإسلام منه بريء، وهو طلاق المحلل أو التيس المستعار، كما نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم".
4 - رأينا في التفسير:
بعد هذا الاستعراض لنهج المفسر، والاستشهاد ببعض النماذج، فإنني لا أعْدُو الحقيقة، ولا أشتط في الحكم، إذا قلت: إن هذا التفسير من خير التفاسير، وأنفعها وأكثرها ملاءمة لهذا العصر، لما فيه من اتجاهات مفيدة متعددة
…
وإن المسلمين وبخاصة الشباب الناشئ، بحاجة إلى فهم القرآن فهمًا صحيحًا، وإدراك مقاصده إدراكًا يلبي ما في أنفسهم من رغبات، ويزيل ما فيها من شبهات، فتتبختر حجة القرآن في عقولهم وقلوبهم اتضاحًا، وتتلاشى شبهات الباطل في نفوسهم افتضاحًا، كل ذلك في تفسير غير موجز مخل، ولا مطول ممل.
وإن تفسيرنا الذي نحن بصدده، اجتمع له من المميزات الكثير، الذي قل أن يجتمع لغيره.
1 -
سهولة عرض التفسير ويسر تناوله، بأسلوب بديع أخّاذ، بحيث لا يمله القارئ، ولا يكل منه المستمع، خالٍ من التعقيد، مع وضوح في الفكرة، وعمق في المعنى، وليس فيه عقم ولا تكلف.
2 -
جمعه بين اتجاهين قلّ أن يجمع بينهما في تفسير واحد، وهما العلمي والأدبي، فهو يرضي العقل ويغذي العاطفة، وبعبارة أخرى، أراد الأستاذ أن يجلي القرآن للشباب المثقف معجزة لغوية علمية. وهذا لا يحول بين مفسرنا الفاضل وبين إبراز الهداية القرآنية، واضحة جلية، بل إبراز هذه الهداية، هو المقصود الأول من التفسير، والذي جند له المفسر المعلومات الكثيرة المتفرقة.
3 -
من أهم ميزات هذا التفسير أنه يخرج الأحاديث التي يستشهد بها، وهو مكثر من ذكر هذه الأحاديث، لتكون معينة على فهم القرآن، فلا تكاد تجد حديثًا، إلا وذكر مصدره، كما أنه ينقل عن المفسرين وبخاصة ابن كثير.
4 -
لا يجد فرصة تمر إلا ويرد فيها مطعنًا ومغمزًا لأعداء الله، كرده على الشيوعيين، عند قوله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] ومناقشته لنظرية دارون، عند قوله تعالى:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)} [الرحمن: 14].
5 -
لا يخرج بالقارئ عن رأي الجمهور، وعقيدة أهل السنّة، وصحيح المأثور مع أنه لم يلتزم بمذهب فقهي معين، ولم يكب كبوات كتلك التي رأيتها عند كثير من المفسرين. نلمس هذا عند تفسير سورة النجم حيث يقرر أن الرؤية هي رؤية جبريل، وأن هذه الرؤية كانت حسية لا روحانية فحسب، وكانت في الأرض وعند سدرة المنتهى. وفي تفسير قوله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} حيث يقرر أن انشقاق القمر كان حدثًا واقعيًا، مستدلًا لذلك بالأحاديث الصحيحة، وأخبار
من التاريخ كما يعتقد عقيدة أهل السنّة في رؤية الله عز وجل في الآخرة، وذلك عند تفسير قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23].
مما تقدم يتبين لنا أن هذا التفسير من أجلّ التفاسير، إن كان لنا من مأخذ على المفسر، فهو ذكره لعلماء الأرواح والمندل عند استحضار الجن، مع أن هذه الأمور أدت الشعبذة فيها دورًا كبيرًا، وهو متأثر في هذا بالشيخ طنطاوي الذي ينقل عنه كثيرًا.
والذي نصبو إليه، أن يوفق الله المؤلف لإتمام هذا التفسير كي تعم الفائدة (1).
(1) كتب هذا الفصل قبل أربعين سنة، وكان الأستاذ أحمد مظهر العظمة على قيد الحياة وكان رئيس تحرير مجلة التمدن الإسلامي منذ إصدارها في ربيع الأول من عام 1354 هـ/ نيسان 1935، حتى وفاته سنة 1403 هـ / 982 م. وليس كل ما يتمنى المرء يدركه.