الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
-
رأيه في قتال الملائكة يوم بدر:
أما رأي الشيخ في قتال الملائكة يوم بدر، فلقد حاكى فيه رأي الإمام، الذي أخذ به صاحب المنار، فالإمداد بالملائكة إنما هو إمداد روحي كما يقول الشيخ، ويزيد هنا فينسب هذا الرأي لشيخ المفسرين ابن جرير مستدلًا ببعض عباراته.
وهذه المسألة من الأمور التي كثر حولها الحديث في أيامنا هذه، وصارت من علامات التجديد والعصرية عند كثير من علمائنا، كأن صلاح الأمة وانتفاضتها يتوقفان على تلك القضية. والحق أن مثل هذه الأمور، لا ينبغي أن نخضعها للعقول التي تختلف في الحكم على الأشياء، وإذا كان الله قد أمدَّ المؤمنين بالملائكة كما هو مجمع عليه، وهو من الأمور الخارقة للعادة، الخارجة عن مألوف البشر، في المانع من أن تشترك الملائكة في تلك المعركة، التي قررت مصير هذه الأمة، والتي لو هلك لا سمح الله من جالد فيها من جند الله، ما عبد الله في الأرض. وعلى هذا يكون للملائكة أثرهم الروحي والمادي.
- تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)} [البقرة: 65]:
اختار الأستاذ أبو زهرة أن المسخ هنا مسخٌ معنوي، فهو ليس مسخًا في الصور والأجساد وإنما هو مسخ في النفوس حتى تلتحق بعجماوات الحيوان وينحط عن رتبة الإنسان.
وهو بذلك يختار قول الإمام مجاهد ويتفق مع صاحب المنار ويعزز هذا الرأي بقوله: "وإنه يزكي ذلك المعنى أنه شبه حالهم في آية أخرى بالقردة والخنازير لا بالقردة وحدهم، وذلك في قوله تعالى في سورة المائدة: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] "(1).
(1) انظر: أبو زهرة، 1/ 262 - 263. المنار، 1/ 344 - 345.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
ولرد هذا القول أنقل كلام شيخ المفسرين الطبري ففيه الكفاية، يقول: "وهذا القول الذي قاله مجاهد، قولٌ لظاهرِ ما دلّ عليه كتابُ الله مُخالفٌ، وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعَبَدَ الطاغوت، كما أخبر عنهم أنهم قالوا:{أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] وأن الله تعالى ذكره، أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربَّهم، وأنهم عبدوا العجل فجعل توبتهم قتل أنفسهم، وأنهم أُمِروا بدخول الأرض المقدسة فقالوا لنبيهم:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} [المائدة: 24] فابتلاهم بالتيه، فسواءٌ قائلٌ قال: هم لم يمسخهم قردة. وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير - وآخر قال: لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم - من الخلاف على أنبيائهم، والنكال والعقوبات التي أحلها الله بهم، ومن أنكر شيئًا من ذلك وأقرّ بآخر منه، سُئل البرهان على قوله، وعُورض - فيما أنكر من ذلك - بما أقرّ به، ثم يُسأل الفرقَ مِن خبر مستفيض أو أثر صحيح.
هذا مع خلاف قول مجاهد قولَ جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه، وكفى دليلًا على فساد قولٍ، إجماعُها على تخطئته" (1).
- تفسيره لقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} .
يذهب الأستاذ أبو زهرة في تفسير هذه الآية إلى ما ذهب إليه الأستاذ الإمام رحمه الله فهو يفسّر المغضوب عليهم بالكافرين سواءً أكانوا وثنيين أم كانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى وفسّر {الضَّالِّينَ} وبالتائهين الواقعين في حيرة من أمر اعتقادهم كالنصارى والمنافقين.
ويبين أن النصارى مع انطباق وصف الضلال عليهم فهم داخلون تحت غضب الله سبحانه وتعالى وكذلك المنافقون (2).
(1) تفسير الطبري، 2/ 173، دار المعارف.
(2)
انظر أبو زهرة، 1/ 70 - 71. وانظر: المنار، 1/ 66 - 72، و 1/ 97 - 80.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
وإذا كان صاحب المنار قد استدرك على تفسيره بجملة من الأحاديث ثم بيّن أنَّها لا تعارض مع ما ذهب إليه الإمام فإن الشيخ أبا زهرة لم يشر ولو بلمحة إلى أن هناك حديثًا مرويًا عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير المغضوب عليهم ولا الضالين بل إنه عزا تفسير {الضَّالِّينَ} إلى قول بعض العلماء فقال: "والضالون قال بعض العلماء: إنهم النصارى"(1).
ولقد ردّ الشيخ فضل عباس على هذا المسلك عند الإمام محمد عبده في رسالته "اتجاهات التفسير" بما لا مزيد عليه.
- تفسيره لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} :
قال: "والطريق الذي بيَّنه موسى هو قوله: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: فابخعوها واجعلوها مطية ذلولًا للعقل والإرادة، واقطعوا شهواتها، والتعبير عن ذلك بقتل النفس، لأن النفس الفاجرة الضالة إذا فُطِمت عن الشهوات كأنها قُتِلت، وحلّمت محلها النفس الطاهرة اللوامة التي تقهر الشهوات قهرًا، والشرور دائمًا من الأهواء والشهوات، وقد جاء في الأمثال عند أهل المعرفة "من لم يعذب نفسه لم ينفعها، ومن لم يقتلها لم يحفظها" وتعذيب النفاس الذي يريده أهل المعرفة هو فطمها عن الشهوات.
وقد أخذت الكثرة من المفسرين بظاهر اللفظ وهو القتل، ورووا في ذلك روايات عن بعض الصحابة لم يصحّ سندها، وبالأولى لم يصح كلام في نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واستعمال القتل والبخع بالنسبة للنفوس، وإرادة غير الظاهر كثير في كلام العرب، وفي القرآن كقوله تعالى:{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} [الشعراء: 3](2).
(1) أبو زهرة، 1/ 70.
(2)
أبو زهرة، 1/ 234 - 235.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
وهذا الذي ذهب إليه الشيخ أبو زهرة لا يقبل لأمور:
أولها: لأنّ المتبادر من القتلِ القتلُ المعروف من إزهاق الروح، وعليه جمع من المفسرين (1).
ثانيها: لأن فيها بُعدًا عن اللفظ بل مخالفة لغرض الامتنان، لأن تذليل النفس وقهرها شريعة غير منسوخة (2).
- تفسيره للذبح في قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)} :
جعل الشيخ أبو زهرة الذبح هنا: "كناية عن العمل على إفنائهم وتخضيد شوكتهم، وإبعادهم عن مواطن السلطان، وذلك بذبحهم أحيانًا، ووضعهم في مواضع الذل والمهانة، والغاية ألا يكون لهم وجود قائم بذاته، فقد حكي عنهم أن فرعون كان يذبح منهم، وكان يتخذ منهم عمالًا مسخرين في الأبنية التي يشيدها، وكان يسخرهم لحرث الأرض، والثمرة لغيرهم ليذلهم، وكان يتخذ منهم خدمًا في البيوت وهم الأرذلون"(3).
وفسَّر {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أي: أبقوهن أحياءً لم يذبحوهن، وكانوا راغبين في ذلك، ولذلك كانت السين والتاء اللتان تدلان على الطلب والمعنى: طلبوا حياة نسائهم لغايات في نفوسهم، وليشبعوا بهنّ شهواتهم (4).
وتأويل الإمام أبي زهرة هذا لا يقبل، لأن الذبح هو المتبادر إلى الذهن من إزهاق الروح، ويدلّ عليه مقابلته بالاستحياء المأخوذ من الحياة. فعلى قول أبي زهرة
(1) قاله الألوسي، 1/ 260.
(2)
التحرير والتنوير، 1/ 503.
(3)
أبو زهرة، 1/ 225 - 226.
(4)
أبو زهرة، 1/ 226.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
أنّ الرجال والنساء بقوا أحياءً، وما الفرق في حياة النساء القائمة على الذلة والمهانة والاعتداء عليهن وبين ذبح الرجال بالعمل والإهانة والمشاق.
والذي يظهر لي أن التفسير الذي ذكره أبو زهرة هو معنى قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} كما ذكر ذلك الفسرون (1).
- تفسيره لقوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} :
اتفق أبو زهرة رحمه الله مع غيره من الفسرين بتفسير السجود على حقيقته من الانحناء، كما فسّر قوله:{وَقُولُوا حِطَّةٌ} أي: حطّ عنا ذنوبنا، وتغمدنا برحمتك والتوبة إليك.
وفسّر قوله: " {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59] بأنهم بدّلوا هذه الكلمة الضارعة الخاشعة إلى كلمة قريبة اللفظ، ولكن فيها معنى مغاير، فقالوا: "حنطة" أي أنهم بدل أن يتوجهوا إلى الله تعالى بالضراعة توجهوا إليه بطلب المادة، والحنطة هي القمح، يتركون الضراعة التي هي نعمة التقوى إلى طلب القوت، وفي ذلك عدول عن إرضاء الله تعالى إلى طلب ما يرضي أهواءهم (2).
وبتفسيره هذا يتفق مع ما روي في الصحيح بشأن تبديل هذه الكلمة، وإنه بهذا يخالف ما ذهب إليه الأستاذ الإمام في تفسيره، إذ عدّ مثل هذه الأقوال من قبيل الإسرائيليات (3).
(1) انظر: البحر المحيط، 1/ 352. المنار، 1/ 309. وابن عاشور، 1/ 492.
(2)
أبو زهرة، 1/ 242 - 243.
(3)
المنار، 1/ 324 - 325.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
- تفسيره لقوله تعالى: {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} :
يقول الشيخ أبو زهرة: "والأزواج جمع زوج ذكرًا كان أو أنثى، فهي تطلق على المرأة المتزوجة، كما تطلق على الرجل المتزوج، وإلحاق التاء بها بالنسبة للمرأة قليل، نادر، لكنه صحيح
…
وقد يقول قائل: إن المرأة متعة الرجل في الآخرة، ونقول: إن الجزاء لهما معًا، فلها كلّ الثمرات التي للرجل، والأزواج متعة للرجل والمرأة، فهو متعتها وهي متعته، إن صحَّ هذا التعبير، ولذلك صرّح القرآن الكريم بأن الجزاء لهما
…
" (1).
نفهم من كلام أبي زهرة رحمه الله أن كلمة الأزواج هنا تطلق على الرجل والمرأة على حد سواء، وهذا لا يقبل، لأن الأزواج هنا مراد بها المرأة بدليل {مُطَهَّرَةٌ} وإنْ كان يصح إطلاق (الزوج) على الرجل والمرأة في أصل اللغة. كما أنه لم يثبت في القرآن والسنّة أن المرأة لها زوج في الجَنَّة بشكل صريح، فالاستدلال عليه من هذه الآية لا يقبل - والله أعلم.
- تفسيره لقوله تعالى: {قَالوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93]:
فصل الشيخ أبو زهرة بين قوله: {سَمِعْنَا} وبين قوله: {وَعَصَيْنَا} في تفسيره. إذ يقول: "وإنّ ما حكى الله تعالى عنهم من أنهم قالوا: {سَمِعْنَا} تُفسَّر على ظاهرها فإنه كان النداء قويًّا والجبل مرتفع عليهم {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} أي ما شرعناه لكم من شرائع بجد وعزم
…
".
أما ما حكاه سبحانه من أنه قالوا: {وَعَصَيْنَا} فيصح أن تخرج على أنهم قالوها بألسنتهم، وذلك بعيد يتنافى مع قوة الميثاق وتأكده، ومع طلب الأخذ بقوة، أي: بجد وعزم على التنفيذ، ولذا نستبعد ذلك الاحتمال لقيام القرائن ضده. وما
(1) أبو زهرة، 1/ 172.
[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ3/ 5]
نحسب أنهم وصلوا إلى هذه الحال أن ينكثوا بالعهد وقت توثيقه، وأن يجاهروا بعصيانه، والعهد بينهم وبين المنقذ لهم، والعهد قريب، ولذلك قرر المفسرون أن كلمة {وَعَصَيْنَا} مجاز عن أفعالهم، أي أن عصياهم كان بلسان الفعال لا بلسان المقال، فهم قالوا سمعنا بالقول، وقالوا عصينا بأفعالهم (1).
وما ذكره الشيخ أبو زهرة وافق فيه ما نقله الإمام الرازي عن أبي مسلم (2). وقد جاء عند الزمخشري في كشافه (3).
وذهب صاحب المنار إلى قول آخر في تفسيرها فقال: "وليس المراد أنهم نطقوا بهاتين الكلمتين (سمعنا وأطعنا) بل المراد أنهم بمثابة من قال ذلك، ومثل هذا التجوز معروف في عهد العرب - وفي هذا العهد يعبرون عن حال الإنسان وغيره بقول يحكيه عن نفسه، حتى حُكِيَ مثل ذلك عن الحيوانات والطيور وعن الجمادات أيضًا، وهو أسلوب أظنُّ أنه يوجد في كلّ لغة أو في اللغات الراقية فقط"(4).
وأبو زهرة يوافق المنار في قوله: {وَعَصَيْنَا} ويخالفه في {سَمِعْنَا} . وقال أبو حيان في البحر (5): ظاهره أن كلتا الجملتين مقولة ونطقوا بذلك مبالغة في التعنت والعصيان، ويؤيده قول ابن عباس: كانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا: سمعنا وأطعنا، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا: سمعنا وعصينا .. ثم ساق الأقوال الأخرى.
وذكر الرازي (6): بأن الأكثر من المفسرين اعترفوا بأنهم قالوا هذا القول. ورجحه بحجة أن صَرْف اللفظ أو الكلام عن ظاهره بغير دليل لا يجوز، ونحن نتفق مع ما رجحه الإمام الرازي رحمه الله.
(1) أبو زهرة، 1/ 318.
(2)
انظر: الرازي، 2/ 202.
(3)
1/ 166. وانظر: التحرير والتنوير: 1/ 610.
(4)
المنار، 1/ 387.
(5)
1/ 476.
(6)
2/ 202.