الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقهاء، فمنهم من يقول إن عقوبته القتل ومصادرة الأموال، ومنهم من قال: يقام عليه حد الزنا، وبين هاتين المسألتين تحدث عن التدابير الإصلاحية والوقائية في الإسلام لحفظ المجتمع من مفاسد الزنا، وبيّن عقوبة الفاحشة فيما كان دون الزنا، ووضح الشروط اللازمة لاعتبار الزنا جريمة مستلزمة للحد، وحكم الشهادة في قضية الزنا، وحكم سؤال الزاني عن المرأة التي زنى بها، وغيرها من المسائل كثير، حتى إنه تطرق إلى نوعية السوط وكيفية الضرب في حد الزنا، وفي كل مسألة كان يأتي بأقوال الفقهاء ويستشهد بقصص من السيرة النبوية الشريفة.
ومن استطراداته في المسائل الفقهية تفصيله في أحكام القذف واللعان، فمثلًا: هل يُقتل الرجل إنْ قتل رجلًا آخر وجده مع امرأته؟ وما هي الشروط التي تجيز اللعان بين الرجل وزوجته؟ وهل يمكن الاجتماع بينهما بعد الفرقة باللعان؟
كما فصل رحمه الله في الاستئذان في قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} [النور: 27]، وذكر أن حكم السمع كحكم النظر، فكلاهما تدخُّل غير مشروع، وأن الاستئذان ليس مقتصرًا على دخول المرء في دار غيره، بل في الدار التي فيها أمه وأخواته كذلك، وأن الاستئذان لا يجب في حال عروض أمر مفاجئ، وذكر أن الاستئذان لم يكن معروفًا في بدء الأمر، فعلَّمه الرسولُ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ، وأنه يكون ثلاثًا يفصل بينهما زمن، وإن لم يجد الإذن يرجع، وأن العبرة بإذن صاحب البيت لا غيره، واستشهد بأحاديث شريفة تدل على هذا (1).
رأيه في حجاب المرأة:
كان قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] هو أول موضع تعرّض فيه الأستاذ أبو الأعلى لمسألة حجاب المرأة حيث نبّه على أن هذه الآية لا يجوز الاستدلال بها على أن النساء كان لهن الإذن في المشي في الطريق
(1) ينظر: المرجع السابق، ص 142 - 147.
سافرات الوجوه، وأنه لذلك أمر الرجال بالغض من أبصارهم، فإنه لو كان حجاب الوجه مأمورًا به وجاريًا معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فما معنى الأمر بالغضّ من الأبصار؟
قال: "إن هذا الاستدلال خاطئ من حيث العقل ومن حيث الواقع، فهو خاطئ من حيث العقل؛ لأنه من الممكن مع رواج حجاب الوجه في المجتمع أن تَعْرِض مواقع يتواجه فيه رجل وامرأة فجأة بدون قصد منهما، كما قد تعرض لامرأة محتجبة من الضرورات ما يدعوها إلى الكشف عن وجهها، وبعد، فإنه لا بد أن تبقى النساء غير المسلمات في المجتمع غير محتجبات على رواج الحجاب بين النساء المسلمات، فليس مجرد الأمر بغض البصر دليلًا على أنه يستلزم عدم حجاب النساء.
وأما من حيث الواقع، فهذا الاستدلال خاطئ؛ لأن الحجاب الذي كان رائجًا معروفًا في المجتمع الإسلامي بعد نزول أحكام الحجاب في سورة الأحزاب كان شاملًا للوجه، وإن رواجه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بروايات متعددة" (1)، ثم ذكر هذه الروايات.
فهو يرى أن حجاب المرأة على الرجال الأجانب غير المحارم يشمل الوجه، فلا يجوز لها أن تخرج سافرة الوجه.
ثم فرق الأستاذ أبو الأعلى بين الحجاب والعورة، فذهب إلى أن الحجاب شيء، والعورة شيء آخر، فعورة المرأة على الرجال جميعًا بما فيهم محارمها -حاشا زوجها- هي جميع جسدها ما عدا وجهها وكفيها، والنتيجة أن المرأة لا تكشف شيئًا من جسدها أمام محارمها غير وجهها وكفيها، وما تشتد الحاجة إلى كشفه عند الاشتغال بأعمال البيت، وذلك مثل أن تكشف عن ذراعيها عند عجن الدقيق أو عن بعض ساقيها عند كنس فرش البيت وغسله.
(1) المرجع السابق، ص 149 - 150.