الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأيه في بعض مسائل التفسير:
1 - فواتح السور:
يرجح السيد دروزة في تفسيره لفواتح السور - الحروف المقطعة - أنَّها جاءت للتنبيه واستدعاء السماع والأذهان لما يأتي بعدها، ويرى أن هذا القول أوجه ما قيل فيها، ومما يؤيد ذلك الترجيح والتوجيه عنده، هو اتباع بعض تلك الحروف بجمل قسمية. ولا يرى وجاهة في القول بأن تلك الحروف تنطوي على أسرار، أو أنَّها رمز إلى عدد آيات السور، بحجة أن ذلك ليس مما تحمله طبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، فضلًا على أن أمرًا بهذه الخطورة، لا يثبت إلا بدليل نقلي متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يفيدنا في ذلك العلم واليقين.
رده القول برمزية الحروف:
ويرد السيد دروزة على السيد نصوح الطاهر حول موضع "أوائل السور في القرآن"، من أنَّها تحمل سرًّا يرمز إلى عدد آيات السور. فيقول:"ومن ينعم النظر فيها يرى تجوزًا وتلفيقًا بارزين في الحساب، وتسليمًا بروايات مدنية الآيات في السور المكية، ومكية الآيات في السور المدنية بدون سند وثيق، وعدم التسليم ببعضها بدون سند وثيق كذلك، لأجل الحساب والتطبيق. وهذا فضلًا عما يثيره هذا المذهب من إشكالات متنوعة، بعضها ذو خطورة شديدة. ومما يقوله السيد الطاهر أن الحروف في بعض السور، بل في معظمها، كانت ترمز إلى عدد آيات السور في مرحلة من المراحل، وقبل ترتيب آياتها نهائيًا، ثم أُضيف بعد هذه المرحلة إليها آيات أخرى، ومن السور المكية أضيف له آيات مدنية، ومن السور المدنية ما أضيف له آيات مكية، وأن من السور ما كان متداخلًا بعضه في بعض، فلما رتبت آيات السور اختل العدد الذي ترمز إليه الحروف في الحساب الأبجدي"(1).
(1) التفسير الحديث، ج 1، 41.
ويرى السيد دروزة أن لا معنى للرمزية وقتئذٍ، بمجرد إضافة آيات أو فصول إلى سورة ما، وأن هذا الأمر لا يخلو من أحد أمرين خطيرين:
أولهما: نسبة المخالفة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لكونه قد أخلّ بحكمة الرمزية الربانية، وحاشاه أن يفعل، أو لأنه لم يبين بعض ما أنزله الله عليه، وحاشاه أن يفعل.
والثاني: نسبة المخالفة إلى صحابته، والإخلال بالحكمة الرمزية الربانية وحاشاهم أن يفعلوا.
يقول السيد دروزة: "وهذا يعني أن إضافة آيات أو فصول إلى سورة ما مرموز فيها إلى عدد آياتها، في مرحلة من المراحل، قد أخلت بالرمزية وبالتالي قد أفقدتها حكمتها التي علمها الله، فإذا فرضنا أن ترتيب السور في صورتها النهائية، قد تم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، وهو ما رجحناه في كتابنا "القرآن المجيد" استنادًا إلى دلائل وقرائن عديدة، فيكون النبي قد أخلّ بحكمة الرمزية الربانية، وحاشاه أن يفعل
…
وإذا كان الترتيب قد تم بعد وفاته، على ما يقول به بعض العلماء، فيرد حينئذٍ سؤال عما إذا كان النبي، قد أخبر أصحابه بمفهوم الرمز؟ فإذا لم يكن قد أخبرهم به، فيكون قد خالف أمر الله، فلم يبين بعض ما أنزله الله عليه، وحاشاه أن يفعل. وإذا كان قد أخبرهم به فيكونون قد خالفوه، وأخلوا بحكمة الرمزية الربانية معًا، وحاشاهم أن يفعلوا. بقي هنا أمر وهو أن النبي لم يعرف مفهوم ورمزية الحروف، وظل هذا خفيًا على جميع الناس، إلى أن كشف عنه السيد الطاهر، ولا نظن أن هذا السيد يدعي ذلك" اهـ (1).
رحم الله الأستاذ دروزة وجزاه خيرًا فهو عن فيما ذهب إليه، وللأستاذ نصوح الطاهر رحمه الله كبوات كثيرة في تفسيره الذي نحمد الله على أنه لم ينتشر بين القراء وقد أهدى منه نسخة إلى مجمع اللغة العربية الأردني.
(1) التفسير الحديث، ج، ص 41.