المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناقشة تلك الآراء: - التفسير والمفسرون في العصر الحديث - فضل عباس - جـ ٣

[فضل حسن عباس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌منهج الأستاذ أبي الأعلى المودودي (ت 1399 هـ / 1979) في التفسير

- ‌الجزء الأول: من الفاتحة إلى آل عمران

- ‌حياته:

- ‌مقدمة:

- ‌جمع القرآن:

- ‌اختلاف اللهجات:

- ‌الشمولية:

- ‌دستور كامل:

- ‌مقترحات حول الدراسة:

- ‌منهجه في التفسير

- ‌تقديمه بين يدي السورة:

- ‌إبرازه هداية القرآن:

- ‌موقفه من القضايا اللغوية:

- ‌موقفه من المسائل العقدية:

- ‌موقفه من الخلافات الفقهية:

- ‌مقدمات تاريخية للآية:

- ‌عنايته بأسباب النزول:

- ‌إقلاله من الاستشهاد بالأحاديث:

- ‌رده على بني إسرائيل:

- ‌رده الشبهات:

- ‌وقوعه في الإسرائيليات:

- ‌منهجية مضطربة:

- ‌ملاحظة السياق:

- ‌تفسير سورة النور

- ‌توسعه في المسائل الفقهية:

- ‌رأيه في حجاب المرأة:

- ‌موقفه من الاستشهاد بالأحاديث:

- ‌تحليل الألفاظ:

- ‌الوعظ والإرشاد:

- ‌موقفه من المسائل البيانية:

- ‌عنايته بالمناسبة:

- ‌عقيدة التنزيه:

- ‌منهج الشيخ سعيد حوى (ت 1989) في تفسيره

- ‌حياته

- ‌ تفسيره

- ‌تقسيمه القرآن والسور:

- ‌القرآن وحدة واحدة:

- ‌موقفه من التفسير المأثور:

- ‌موقفه من أسباب النزول:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ مصادره

- ‌عنايته بالقضايا الفقهية:

- ‌قضايا العقيدة في التفسير:

- ‌موقفه من القضايا اللغوية:

- ‌موقفه من القراءت:

- ‌استطراداته:

- ‌أثر ثقافته وتجاربه على تفسيره:

- ‌منهج الإمام الشنقيطي (ت 1393 هـ/1973 م) تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

- ‌القسم الأول

- ‌أولا: ترجمة الإمام الشنقيطي

- ‌مؤلفاته:

- ‌عقيدته:

- ‌ثانيا: التعريف بالتفسير:

- ‌ثالثا: ملاحظات على القضايا المنهجية في التفسير:

- ‌منهح الشيخ في تفسيره:

- ‌أولا: القراءات القرآنية:

- ‌ثانيا: موقفه من المبهمات:

- ‌ثالثا: الإسرائيليات:

- ‌رابعا: ذكره أقوال العلماء:

- ‌خامسا: منهجه في التوثيق:

- ‌سادسا: تفسيره للآيات العلمية من خلال مشاهداته:

- ‌سابعا: قلة عنايته بالقضايا البيانية:

- ‌ثامنا: موقفه من المخالفين:

- ‌تاسعا: ملاحظات على القضايا العلمية:

- ‌أ- قضايا اللغة:

- ‌ب - قضايا أخرى:

- ‌عاشرا: نماذج من تفسير الشيخ رحمه الله من أضواء البيان:

- ‌القسم الثاني تتمة الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله

- ‌أولا: ترجمة الشيخ عطية محمد سالم

- ‌مؤلفات الشيخ عطية:

- ‌ثانيًا: ملاحظات على تفسير الشيخ عطية محمد سالم

- ‌ميزات تفسير الشيخ عطية:

- ‌ثالثا: نماذج من تفسير الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله:

- ‌منهج الأستاذ محمد عزة دروزة رحمه الله (ت 1984 م) في التفسير الحديث

- ‌التعريف بالمؤلف:

- ‌المولد والنشأة:

- ‌في ميدان العمل:

- ‌في ميدان التربية والتعليم:

- ‌الحفاظ على الأوقاف الفلسطينية:

- ‌مشاركته في الحركة القومية:

- ‌إنتاجه الفكري:

- ‌وفاته:

- ‌ القرآن المجيد

- ‌أولا: الخطة المثلى لفهم القرآن:

- ‌1 - القرآن والسيرة النبوية:

- ‌2 - البيئة النبوية:

- ‌3 - اللغة القرآنية:

- ‌4 - القرآن أسس ووسائل:

- ‌تقسيم ليس فيه دقة ولا موضوعية:

- ‌5 - القصص القرآني:

- ‌ادعاؤه معرفة العرب للقصص القرآني ومناقشة أدلته:

- ‌زعم معرفة الرسول الكريم بهذا القصص قبل الوحي:

- ‌النصوص الصريحة تشكُل على المؤلف وتحيِّره:

- ‌صحة القصص القرآني وعدم تناقضه:

- ‌6 - الملائكة والجن في القرآن:

- ‌7 - مشاهد الكون ونواميسه:

- ‌8 - الحياة الأخروية في القرآن:

- ‌9 - ذات الله في القرآن:

- ‌10 - تسلسل الفصول القرآنية وسياقها:

- ‌11 - فهم القرآن من القرآن:

- ‌ثانيًا: تعليقاته ومآخذه على المفسرين ومناهجهم:

- ‌تعليقه على روايات أسباب النزول:

- ‌ثغرات حذر منها العلماء:

- ‌ثغرات مزعومة:

- ‌التفسير المثالي كما يراه المؤلف:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌ترتيب يشذ به عن المفسرين:

- ‌الأدلة التي اعتمدها ومناقشتها:

- ‌محاذير هذه الطريقة:

- ‌عدم تأديتها للنتائج التي قصدها المؤلف وأمثلة ذلك:

- ‌1 - آيات التحدي:

- ‌2 - آيات الإسراء والمعراج:

- ‌نماذج من تفسير المؤلف:

- ‌تعبير غير دقيق:

- ‌سورة التكوير:

- ‌رأيه في بعض مسائل التفسير:

- ‌1 - فواتح السور:

- ‌رده القول برمزية الحروف:

- ‌إيراده أقوالًا غير معتبرة في تفسير هذه الحروف:

- ‌تعليله لكثرة الحروف أو قلتها:

- ‌رد هذا التأويل:

- ‌2 - المفسر والآيات الكونية:

- ‌نماذج من هذا التفسير:

- ‌تعليقنا على هذا المنهج:

- ‌3 - رأيه في السحر:

- ‌4 - المفسر والمتشابه:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌رأينا في هذا المنهج:

- ‌5 - آيات الأحكام:

- ‌ذكره تفريعات في تفسير آيات الأحكام وادعاؤه أن العلماء لم يتطرقوا إليها:

- ‌ضعفه في أدوات التفسير:

- ‌اضطراب يشوش على القراء:

- ‌استطراد:

- ‌بيانه لحكمة التشريع:

- ‌رأينا في هذا المنهج:

- ‌6 - الأستاذ دروزة وآيات الجهاد:

- ‌مناقشة تلك الآراء:

- ‌ملاحظات على التفسير:

- ‌7 - المفسر يعتمد على الإسرائيليات في مواضع متعددة:

- ‌أ - القصص:

- ‌ب- مشاهد الكون ونواميسه:

- ‌الأستاذ دروزة يرد على حملات المستشرقين:

- ‌تقييم التفسير:

- ‌منهج الشيخ عبد القادر ملا حويش العاني (ت 1398 هـ/1978 م) في بيان المعاني

- ‌1. نبذة عن حياة المؤلف:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌المناصب الإدارية التي تقلدها:

- ‌أوصافه:

- ‌حوار مع ولده:

- ‌مؤلفاته:

- ‌قصة كتابة التفسير:

- ‌2. التعريف بكتابه:

- ‌3. منهجه في التفسير:

- ‌ركاكة وتناقض:

- ‌اثنا عشر مطلبا يذكرها المؤلف:

- ‌الأصول التي اتبعها:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌1 - تفسيره للحروف المقطعة:

- ‌2 - مخالفته لصريح القرآن وصحيح الحديث:

- ‌3 - إخراج النصوص عن دلالاتها:

- ‌4 - يستشهد بافتراءات بني إسرائيل على أنبيائهم:

- ‌5 - حديث خرافة:

- ‌6 - اعتقاده بصحة قصة الغرانيق:

- ‌7 - إيراده للخرافات وجهله بالسنّة:

- ‌8 - قصة بلقيس:

- ‌9 - غرائبه في الإسراء والمعراج:

- ‌أ- المعجزات بين يدي الإسراء:

- ‌ب- المعجزات في أثناء الإسراء:

- ‌ج- المعجزات في أثناء المعراج:

- ‌10 - تناقضه في إثبات رؤية الله عز وجل في الدنيا:

- ‌11 - تضعيفه للأحاديث الصحيحة واستشهاده بالموضوعات:

- ‌12 - إمعانه في الخرافات:

- ‌13 - تخبطه في التفسير:

- ‌14 - جهله ببدهيات اللغة والتاريخ:

- ‌15 - إغرابه في كل شيء:

- ‌16 - رده للسنّة والإجماع:

- ‌إشفاقنا على المفسر وتحذيرنا من تفسيره:

- ‌تفسير الأستاذ أحمد مظهر العظمة (1327 - 1403 هـ/1909 - 1982 م)

- ‌1. منهجه في التفسير:

- ‌2. نماذج من التفسير:

- ‌أ- من سورة الملك:

- ‌ب- النسق الفني في سورة المرسلات:

- ‌ج- آيات من سورة لقمان:

- ‌الصور البيانية:

- ‌3. الإشارات العلمية في الآيات:

- ‌1 - الشمس والقمر بحسبان:

- ‌2 - والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون:

- ‌4. بيانه للقيم الدينية والاجتماعية والخلقية:

- ‌3 - المفسر وآيات التشريع:

- ‌4 - رأينا في التفسير:

- ‌منهج العلامة محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ/1973 م) في تفسير التحرير والتنوير

- ‌حياته:

- ‌قراءاته وأهم شيوخه حتى عام 1899 م:

- ‌مؤلفاته وكتاباته:

- ‌أولًا: مؤلفاته المطبوعة

- ‌ثانيًا: ومن كتبه المخطوطة:

- ‌المنهج العام لابن عاشور في تفسيره

- ‌القسم الأول: مقدمات التفسير:

- ‌القسم الثاني: مدخل إلى تفسير السورة الكريمة:

- ‌رأي الشيخ في ترتيب سور القرآن الكريم:

- ‌الثاني: ترتيب السور حسب النزول:

- ‌طريقة ابن عاشور في تفسير السورة:

- ‌قضايا علوم القرآن في تفسيره:

- ‌1. الحديث عن الحروف المقطعة في أوائل السور:

- ‌2. الأحرف السبعة:

- ‌3. منسوخ التلاوة:

- ‌اهتمام الشيخ باللغة:

- ‌تناوب حروف الجر:

- ‌عناية الشيخ بالقضايا البلاغية:

- ‌عناية الشيخ بالقضايا العقدية:

- ‌عنايته بآيات الأحكام:

- ‌نكاح المتعة:

- ‌نكاح الربيبة:

- ‌الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة (ت 1974 م) في زهرة التفاسير

- ‌تعريف بالشيخ محمد أبو زهرة:

- ‌صفاته- سعة علمه ومبدؤه:

- ‌المؤلفات والبحوث:

- ‌أشهر مؤلفاته وكتبه:

- ‌وفاته:

- ‌المنهاج الذي اتبعه الشيخ:

- ‌التفسير بالرواية (المأثور):

- ‌هل النبي صلى الله عليه وسلم فسر القرآن الكريم كله

- ‌تفسير القرآن بالراي:

- ‌الطريقة المثلى:

- ‌تفسير القرآن بالعلوم:

- ‌علم الكلام وأراء الفقهاء:

- ‌النسخ في القرآن الكريم:

- ‌المحكم والمتشابه:

- ‌القراءات القرآنية:

- ‌الشيخ لا يبين القراءة المتواترة من الشاذة:

- ‌مناسبة معجزة كل نبي لقومه:

- ‌نزول الفاتحة:

- ‌سورة الرعد مدنية:

- ‌رأيه في بعض مسائل التفسير:

- ‌رأيه في القتال:

- ‌رأيه في ترتيب نزول آيات الخمر:

- ‌قصة البقرة:

- ‌ رأيه في قتال الملائكة يوم بدر:

- ‌ترجيحات الشيخ:

- ‌عناية الشيخ بالقضايا اللغوية:

- ‌ عنايته بالقضايا البلاغية:

- ‌رأيه في التكرار:

- ‌رده القول بالزيادة:

- ‌القول بتناوب الحروف:

- ‌معنى الباء في بسم الله:

- ‌الفعل المحذوف بعد (بسم الله):

- ‌حروف النداء:

- ‌معنى الباء في قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}:

- ‌تأثره بالعلم الحديث:

- ‌1 - تفسيره للرعد:

- ‌2 - تفسيره لقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}:

- ‌ملاحظات حول التفسير:

- ‌منهج الشيخ عبد الكريم الخطيب (ت 1985 م) في التفسير القرآني للقرآن

- ‌أولًا: تعريف بالمفسر عبد الكريم الخطيب:

- ‌ثانيا: التعريف العام بتفسير الخطيب:

- ‌ثالثا: المعالم الأساسية في منهج الخطيب في تفسيره:

- ‌1 - اهتمامه بعلوم القرآن:

- ‌2 - اهتمامه بمسائل العقيدة:

- ‌موقفه من المشيئة:

- ‌موقفه من عقيدة تناسخ الأرواح:

- ‌موقفه من الستة أيام:

- ‌دفاع الخطيب عن عصمة الأنبياء:

- ‌موقفه من الاستواء:

- ‌موقفه من الرؤية:

- ‌تصوره ليوم القيامة:

- ‌3 - المنهج الفقهي عند الخطيب:

- ‌إحياء فن النحت وصنع التماثيل:

- ‌مسألة مس المحدث للمصحف:

- ‌تفسير الخطيب لمصارف الزكاة:

- ‌رأي الخطيب في الخمر:

- ‌4 - الاتجاه الاجتماعي في تفسير الخطيب:

- ‌5 - اهتمامه بالقضايا السياسية:

- ‌6 - الإعجاز القرآني عند الخطيب:

- ‌الإعجاز في النظم:

- ‌الإعجاز في الكلمة القرآنية:

- ‌الإعجاز الموسيقي في القرآن الكريم:

- ‌الإعجاز العلمي عند الخطيب:

- ‌7 - مخالفته آراء العلماء والمفسرين:

- ‌8 - ظهور التناقض في بعض آرائه:

- ‌رأيه في المحكم والمتشابه:

- ‌نفقة العدة للمطلقة طلاقًا بائنًا:

- ‌موقف الخطيب من الحروف المقطعة:

- ‌9 - ظهور بعض الآراء الخطيرة:

- ‌القول بنظرية النشوء والارتقاء:

- ‌جرأة الخطيب على آيات كتاب الله:

- ‌الدعوة إلى وحدة الأديان:

- ‌10 - تعامله مع الروايات:

- ‌رد الأحاديث الصحيحة:

- ‌إهماله أسباب النزول:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌11 - دفاعه عن الإسلام والقرآن:

- ‌تعدد الزوجات:

- ‌الإسلام والجنس:

- ‌شبهة انتشار الإسلام بالسيف:

- ‌موقف الخطيب من الحروف الزائدة والأقسام المنفية:

- ‌ظاهرة التكرار في القصة القرآنية:

الفصل: ‌مناقشة تلك الآراء:

عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)} [النساء: 90]، {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8].

ويؤيد ما ذهب إليه بما حدث مع أسامة بن زيد رضي الله عنها، حينما قتل رجلًا بعد أن نطق بالشهادة، ظنًّا منه بأنه قالها خوفًا من القتل، وبآية الأنفال:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] وبآيات سورة محمد صلى الله عليه وسلم، وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرفض يومًا، طلب صلح أو عهد أمان من أعداء محاربين.

وينتهي المطاف بمفسرنا الفاضل إلى قول الله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29] فيقرر أنها حصرت أمر القتال، في الفئات التي لا تدين دين الحق، ولا تحرم ما حرم الله ورسوله من الكتابيين دون سائرهم. فهو إذن يقسم أهل الكتاب إلى قسمين: من يدينون دين الحق، ومن ليسوا كذلك، ومن هنا فهو يرد ويأبى ما قاله المفسرون، من أن المقصود بكلمة (ورسوله): الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن المقصود بقوله:{وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} أي الإسلام، يرد هذا التفسير بحجة أنه لا ينسجم مع المبدأ المحكم الذي قرره.

والأغرب من هذا أن مفسرنا يستدل على مذهبه، بكلمة (مِنْ) في الآية بأنها للتبعيض، وبقوله:{لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} مع أن أناسًا منهم لا ينطبق عليه هذا الوصف كما يدعي، ويستأنس لذلك بقوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [التوبة.32] معللًا ذلك، بأنهم ليسوا جميعًا قاصدين هذا الإطفاء.

‌مناقشة تلك الآراء:

هذه خلاصة لآراء الأستاذ دروزة، بثها في أثناء تفسيره، جمعها من هنا وهناك، وهي آراء يستدعي الكثير منهما التوقف ويقتضي المناقشة والرد، ولعله من المستحسن أن أورد -قبل تفنيذ هذه الآراء- مقتطفات من كلام الأئمة.

ص: 225

فهذا ابن قيم الجوزية يعقد فصلًا عن ترتيب سياق هديه هو مع الكفار والمنافقين. يقول فيه: "ثم أذن الله له بالهجرة، وأذن له في القتال، ثم أمره أن يقاتل من قاتله، ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله، ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلحٍ وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة. فأُمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد، وأمر أن يقاتل من نقض عهده، ولما نزلت سورة براءة ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمر فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب، حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان. وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار، ونبذ عهودهم إليهم. وجعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام: قسمًا أمره بقتالهم، وهم الذين نقضوا عهده، ولم يستقيموا له، فحاربهم وظهر عليهم، وقسمًا لهم عهد مؤقت لم ينقضوه، ولم يظاهروا عليه، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم، وقسمًا لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأُمِر أن يؤجلهم أربعة أشهر، فإذا انسلخت قاتلهم"(1).

وقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)} براءة من المشركين الذين كان لهم عهد يوم نزلت براءة، فجعل مدة من كان له عهد قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر، وأمرهم أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر. وجعل مدة المشركين الذين لم يكن لهم عهد قبل أن تنزل براءة، انسلاخ الأشهر الحرم (2).

(1) زاد المعاد، ج 2، ص 81، طبعة الحلبي.

(2)

الطبري، ج 10، ص 43.

ص: 226

وكم كنا نود أن يلتزم الأستاذ دروزة، بالمنهج الذي أراد أن يسير عليه والذي خالف طرائق المفسرين جميعًا من أجله، وهو السير مع سياق الآيات وظروفها التي نزلت فيها. وهو الذي فسر السور حسب ترتيب نزولها لتمشي مع هذا المنهج ولكنه لسبب أو لآخر لم يلزم نفسه بشيء من هذا. ومنشأ اللبس عنده ناتج من مزج الآيات جميعها، مع قطع النظر إلى متقدمها ومتأخرها، والظرف الذي نزلت فيه الآية أو المجموعة من الآيات، فهو يأتي بآية البقرة {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] فيجعلها الأصل المحكم، الذي ينبغي أن ترد إليه آيات الجهاد جميعها مع أنه يعترف بأنها أول آية نزلت في القتال ومن تلك الآيات آيات سورة براءة، مع أنها آخر آيات أنزلت.

ويحاول الأستاذ أن ينتصر لرأيه هذا، بحجج كثيرة يخالف بها المفسرين تارة، والفقهاء واللغويين تارة أخرى. فهو مثلًا ينكر أن يكون معنى (الفتنة) (الشرك) في قوله تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] مع أن كثيرًا من المفسرين، قال به، واستدل له، كما فعل العلّامة الآلوسي. والغريب أنه قد تكلف كل التكلف في تفسير آيات براءة، وفي تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله

".

والمتدبر لآيات الجهاد في القرآن، يدرك لأول وهلة أنها نزلت في ظروف مرحلية خاصة، ومناسبات متعددة الأسباب. والمستعرض لأقوال العلماء يجد أنهم أدركوا هذا المعنى إدراكًا تامًّا. فإن جمهورهم لم يقل بدخول النسخ في آيات القتال، فلم يقل أحد ممن يعول عليه ويشار إليه، بأن قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} منسوخ، أو بأن آية الممتحنة وآية النساء، اللتين مر ذكرهما. منسوختان ومع أن كثيرًا من الآيات التي ذكرها محل نظر، إلا أنه لم يورد هذه الآيات أبدًا. وهذا مذهب المحققين من العلماء كما ذكرت، وكما دل عليه الكلام الذي نقلناه آنفًا.

ص: 227

فكل نص من هذه النصوص القرآنية إذن، محكم غير منسوخ، حتمته ظروف خاصة، أما الأحكام النهائية، فهي الواردة في سورة البراءة، ومعنى هذا أن نصًّا ما، يمكن أن يصلح في حالة من حالات المسلمين شبيهة بالحالة التي نزل فيها، وهذا بالطبع لا يفقد سورة براءة أحكامها النهائية.

هذا ما فهمه المسلمون الأول، حينما انطلقوا في الآفاق مجاهدين في سبيل الله لكن واقع المسلمين الآن، والحملات التي تركز عليهم وعلى دينهم، جعلت الكثيرين من المحدثين، يتراجعون أمام هذه الضغوط، متلمسين الأسباب للدفاع عن مبدأ الجهاد، راكبين متن كل تأويل بعيد، لا لشيء إلا ليثبتوا أن الإسلام دين الإسلام، همه أن يرد عنه سهام الاعتداء فحسب.

العجيب أن المنادين بهذا الرأي المتحمسين له، لم يقولوه في زمن سارت فيه جحافل المسلمين في آفاق الأرض، وداسوا بسنابك خيلهم عروش الطواغيت وحطموا أسوار الباطل، وإنما جاء رأيهم هذا في زمن انتهكت فيه حرماتهم، وديست المقدسات، ولم يستح عدوهم والعالم من ورائه أن يطردهم مغتصبًا، دون حجة أو حكمة أو مداراة.

إن الجهاد الإسلامي لم يشرع من أجل الإكراه في الدين، ولا من أجل استعباد الآخرين وامتصاص دمائهم، وإنما شرعه الله لتحرير الإنسان الذي كرمه من كل ما يحول بينه وبين تلك الحرية والكرامة، وذلك بإخراجه من عبودية العباد حتى لا يكون لأحد سلطان عليه، وبعد هذا الإخراج، لا يرغمه على اعتناق عقيدته حيث لا إكراه في الدين، ولقد كان هذا المعنى واضحًا لدى الفاتحين الأولين. فهم حينما يخرجون، يدركون أنهم ما خرجوا من أجل غارة يغيرونها، بل من أجل نفوس يغيرونها. يقول أحدهم حينما مسألة رستم "ما الذي جاء بكم؟ " فيجيب "الله ابتعثنا لنخرج من شاء كان عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".

ص: 228

ولقد تفرع عن رأي الأستاذ دروزة في الجهاد، جزئيات ومسائل كان تكلفه ظاهرًا فيها. ومن هذه المسائل تقريره بأن المشركين إذا انتهى عهدهم، لا يكونون محل براءة من الله ورسوله. وهذا ما يخالف فيه المفسرين كما يقول، ومنها أن التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليست المخرج الوحيد لعدم قتال المشركين، بل هناك مخارج أخرى، مع أن النص القرآني واضح في الرد على هذا، ومنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرفض يومًا ما طلب صلح أو عهد أمان من أعداء محتربين، ولا أدري كيف يفسر الأستاذ دروزة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم تجديد عهد قريش حينما ذهب أبو سفيان لذلك.

ومما أغرب فيه تقسيمه أهل الكتاب إلى قسمين: قسم يدين دين الحق، وقسم ليس كذلك، مستدلًا لهذا بأن حرف الجر (مِنْ) هنا للتبعيض مع أنه لا سياق الآية، ولا أحد المفسرين -حسب ما اطلعت عليه- يؤيد هذا القول، بل صرح بعض المفسرين بأن (من للبيان وليست للتبعيض)، كما فعل النيسابوري. والذين لم يصرحوا منهم اعتمدوا على بدهية هذه المسألة. ومستدلًا أيضًا بقوله تعالى:{لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] وذلك أنهم ليسوا سواء هكذا، بل منهم المؤمنون بالله واليوم الآخر، مع أنه وهو يفسر سورة (الكافرون)، قرر هناك أن العرب وإن اعترفوا بأن الله خلق السموات والأرض وخلقهم، لأنهم أشركوا به لا يسمون مؤمنين، بينما رأيناه هنا يتناقض مع قوله هناك.

ومن أجل ذلك كله، ومن أجل تدعيم رأيه في الجهاد، يرفض أن تكون كلمة (ورسوله) في الآية مقصودًا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكون (دين الحق) فيها هو دين الإسلام، بحجة أن هذا يتنافى مع المبدأ المحكم الذي قررته آية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190]، ولا أدري من أين أتت تلك المنافاة؟

اللهم يا حكيم نسألك أن تؤتينا الحكمة في فهم كتابك {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 296].

ص: 229