الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البقرة وبين المقامين تداخل، فالكلام عن اليوم الآخر داع للتحلي، كما هو دافع للتخلي ودافع للإيمان، كما أنه دافع للعمل، ومن ثم تقدم الحديث عن اليوم الآخر في السورتين للوصول إلى ما ينبغي أن يبنى عليه، على أن كلًّا من السورتين تخدم محورها بشكل رئيسي" (1).
ومن الأمثلة على ربطه بين الآيات في السورة الواحدة قولُه محاولًا الربط بين فقرات سورة الطلاق: "بانتهاء الفقرة الثالثة (الآيتين 6، 7) ينتهي الكلام عن أحكام العدة، وتأتي الآن الفقرة الرابعة (الآيات: 8 - 11) تعطي وعظًا عامًّا، مهددة ومنذرة أن تخالف أوامر الله ورسوله، ومبشرة الذين يلتزمون بأحكام الله، ويلاحظ أن الوعظ في ابتداء الفقرة انصبّ مخاطبًا القرى دون الأفراد، وكأن في ذلك إنذارًا للأمم التي تعتمد قوانين تخالف شرع الله"(2).
هذه بعض الأمثلة التي تعطينا فكرة عن اهتمام الشيخ بإظهار ترابط أجزاء القرآن الكريم.
ومعلوم أن إيجاد علائق وروابط بين أجزاء القرآن الكريم أمر اجتهادي قابل للصواب والخطأ، وقد يؤدي أحيانًا إلى التعسف، لذلك نرى بعض العلماء رفضوا القول بالوحدة القرآنية، كالإمام عز الدين بن عبد السلام قديمًا (3). والدكتور محمد رجب البيومي حديثًا (4)، والأفضل أن يتخذ المفسر طريقًا وسطًا بين هذين المذهبين.
موقفه من التفسير المأثور:
أجمع العلماء على أن من أراد تفسير الكتاب العزيز فليرجع أولًا إلى القرآن، فما أُجمل منه في مكان فقد فُسِّر في موضع آخر، وما اختُصر في مكان فقد بُسط في موضع
(1) الأساس، 11/ 6106.
(2)
الأساس، 10/ 5980.
(3)
الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، ص 221، نسخة دار البشائر.
(4)
مجلة الأزهر، 1390 هـ / 1970 م، 6/ 572.
آخر، فإنْ أعياه ذلك طلبه من السنّة، فإنها شارحة للقرآن موضحة له، فإن لم يجده من السنة رجع إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، وكذلك الآثار الواردة عن التابعين، وإن كان العلماء قد اختلفوا في وجوب الأخذ بها.
اهتم الشيخ سعيد رحمه الله بهذا الجانب، فالأحاديث والآثار تشغل مساحة كبيرة في تفسيره الأساس، فهو دائم الاستشهاد بها، ودائم الاستعانة بها للتوضيح والبيان.
ومن الملاحظ أنه غالبًا ما يحذف السند، فنراه عندما يستشهد بحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر إلا الصحابي راوي الحديث، كما يذكر من أخرجه من أصْحاب كتب السنّة، فمثلًا يقول في تفسير آية القصاص:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]: "روى الإمام أحمد عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصيب بقتل أخيه، فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدًا فيها"، وعن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الا أُعافي رجلًا قتل بعد أخذ الدية""(1).
وكذلك عندما يستشهد بأقوال الصحابة والتابعين، نجده ينسب القول إليهم مباشرة، وغالبًا يذكر من أخرجه، من ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38] حيث ذكر قولين لمعنى الحشر، القول الأول: ما أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير عن ابن عباس قال:"موت البهائم حشرها"(2).
(1) الأساس، 1/ 399.
(2)
الأساس، 3/ 1625.
هذا مثال ما جاء عن الصحابي، أما ما جاء عن التابعي، فمثاله ما أورده عند تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3]، قال: قال أبو العالية في تفسير الإيمان بالغيب: "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث"(1).
وهو حين يورد هذه الأحاديث والآثار نجده أحيانًا يعقب عليها ويذكر درجتها من الصحة، وأحيانًا يغفل ذلك، ومن الأول قوله: روى الإمام أحمد
…
عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري، قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولون عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، فأنا أبعدكم منه"، ثم عقب على ذلك بقوله: إسناده صحيح (2).
ومن الثاني: ما روي عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة"(3)، ولقد ذكر هذا الحديث عند تفسيره للآية (38) من سورة الأنعام، ولم يعقب عليه بتصحيح أو تضعيف، في حين نجده يردّ بعض الروايات الضعيفة والموضوعة، من ذلك ردّه رواية الغرانيق، قال عند قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج: 52]: "يذكر المفسرون قصة الغرانيق، ثم يحاولون تعليلها أو توجيهها، مع أن المحدثين يردونها من أساسها، حتى ألّف بعضهم رسائل مستقلة في إبطالها ومن ثم فإننا لن نذكرها، ولن نتكلف للرد عليها ما دام أصلها غير ثابت، ولعلنا نتعرض لها في كتاب "الأساس في السنّة"، ولعل من
(1) الأساس، 1/ 84.
(2)
الأساس، 5/ 2596.
(3)
3/ 1625، والجماء هي التي لا قرن لها.