الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرًّا، والقرآن إنما يشير إلى الأعمال والأفعال كمكتسبات لكي ينبهنا على النتائج الخطيرة التي تسوق إليها" (1).
موقفه من القضايا اللغوية:
ومع إقلاله في بيان المسائل البلاغية إلا أنه لم يهملها تمامًا، وحين ينبه على بعضها فبأسلوب جميل غير جاف، فعند قوله تعالى:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} [الفاتحة: 2]، قال:"من خواصّ الإنسان أنه إذا عَظُم في نظره شيء بيّنه في صيغ المبالغة، ثم إذا به يشعر أنه لم يوفِه حقه وقدره، فيورد لفظ مبالغة آخر ليكتمل النقص الذي يراه فيما أورده من مبالغة، وعلى هذا مع أن الكلمة العربية {الرَّحْمَنِ} صيغة مبالغة، وأنها تعبر عن صفات الإحسان والرحمة، وتظهرها في أرقى وأعلى مراتبها، فإنها تعجز عن التعبير عن كمال صفات الله غير المحدود، ولذا أضيفت كلمة أخرى من الأصل نفسه {الرَّحِيمِ} لسدّ هذا النقص"(2).
وعند قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] بيّن الفائدة من تنكير كلمة {حَيَاةٍ} ، حيث قال:"كلمة {حَيَاةٍ} المستخدمة هنا تنكيرًا تعني أنهم يعشقون الحياة دون اكتراث بنوعها، فلا يعنيهم إن كانت تقوم على الفضل والشرف أم على الخزي والعار"(3).
وفي تخصيص ذكر كلمة معينة في النظم القرآني بيّن سبب اختيار {فَلَا تَقْرَبُوهَا} في قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187]: "لم يقل سبحانه وتعالى لا تتعدوها، بل قال:{فَلَا تَقْرَبُوهَا} ، ومعنى هذا أنه خطر على المرء أن
(1) المرجع السابق، ص 103.
(2)
المرجع السابق، ص 34.
(3)
المرجع السابق، ص 88.
يحوم عند المقام الذي يبدأ عنده حد المعصية، والسلامة في أن يبقى المرء بعيدًا عن الحدود كي لا تنزلق قدمه وتتخطاها سهوًا ونسيانًا" (1).
ولم يغفل كذلك بيان الأصل اللغوي لبعض المفردات قبل بيان معناها في الاستخدام القرآني، مثلًا عند قوله تعالى:{رَبِّ الْعَالمِينَ (2)} [الفاتحة: 2]، قال:"كلمة {رَبِّ} في اللغة العربية تطلق على السيد والمالك والرئيس والكفيل والمربي والحارس والرقيب والحاكم والعاهل والمدير والمنشئ والمؤسس، والله وحده رب العالمين بكل هذه المعاني جملةً وتفصيلًا"(2).
وقال في تفسير لفظة "الصبر" الواردة في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]: "الصبر في اللغة يعني الحبس والضبط، لكنه في الاستخدام يعني الحِلْم والأناة والثبات والجلَد، والقرآن يستخدم هذا اللفظ ليعبر به عن ضبط الإرادة وقوة العزم، وحبس رغبات النفس، والمثابرة والاحتمال والتصميم، والالتزام الخلقي الذي يمكن المرء من مواجهة الآلام والمصاعب والحرمان والعوز والفاقة والمغريات التي يتعرض لها في اجتيازه للطريق الذي يختاره بما يمليه عليه ضميره في شجاعة وإقدام وثبات"(3).
وحين يمرّ بمَثَل قرآني يشرحه بطريقة سهلة ميسرة، ويبيّن العلاقة بين الألفاظ المشبَّه بها الواردة في المَثَل والعنى المشبَّه، مثلًا: قال عند تفسيره للآية الكريمة: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 117]: "المراد بالحرث في هذا المثال زرع الحياة الذي يجني الإنسان ثمره ومحاصيله في الآخرة، والريح يقصد به عاطفة الخير
(1) المرجع السابق، ص 130.
(2)
المرجع السابق، ص 34.
(3)
المرجع السابق، ص 70.