الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظات على التفسير:
نلاحظ أن المفسر يتجنب ذكر الاصطلاحات، بل لا يتعرض لبعض الصور البيانية التي لا بد منها في فهم القرآن، مما يجعل تفسيره لبعض الآيات غير واضح وضوحًا تامًّا.
فهذه سورة (الكافرون)، التي تحدث العلماء في تفسيرها عن ذكر بعض آياتها أكثر من مرة، مما يجعل القارئ لهذه السورة، يسأل عن سبب ذلك، إلا أن المؤلف لم يتعرض لشيء من هذا أبدًا. فهو يقول في تقديمه لهذه السورة:"في السورة أمر للنبي صلى الله عليه وسلم، بإعلام الكفار أنه لا يعبد ما يعبدون، ولهم إذا شاؤوا أن يظلوا على ما هم عليه، فلا يعبدون ما يعبد، ولكل من الفريقين دينه، وقد تضنمت مبدأ حرية التدين الذي ظلت الآيات القرآنية، تقرره في المكي والمدني منها"(1). وهو في تفسيره السورة لا يزيد عما ذكره في هذه المقدمة.
أما من هم هؤلاء الكافرون الذين خوطبوا: هل هم جميع الكافرين أم أناس مخصوصون؟ وأما ذكر الجمل القرآنية أكثر من مرة، فإن المفسر لم يتعرض لشيء من ذلك أبدًا مع أنه يذكر صفحات عديدة عن مبدأ حرية التدين، ناسيًا أن الزمن الذي نزلت فيه السورة وظرفها، والروايات التي وردت في نزولها، لا تتفق مع شيء مما ذكره. فالمفهوم أنها تدل على المفاصلة، واستحالة الاجتماع بين الإسلام وبين الشرك. ولكن مفسرنا أراد أن يثبت في هذه السورة نظريته في الجهاد، وهو أنه دفاعي، مع أن السورة مكية قطعًا، بل كانت مما نزل مبكرًا كذلك، فكان هذا استطرادًا منه في غير محله، وما ذكره غير مسلم به، وليس هنا محل لبيانه، وهو الذي يعيب على المفسرين استطرادهم، ويعد هذا من الثغرات.
(1) التفسير الحديث، ج 1، ص 184.
وفي تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)} [غافر: 56] يقول: "في الآية تنديد بالذين يجادلون في آيات الله ويكابرون فيها، بغير برهان وعلم وتقرير لواقع امرهم من حيث إنهم يكونون مندفعين في ذلك بمسائق الغرور، وتطمين وتثبيت للنبي حيث تأمره بالاعتصام بالله والاستعاذة به، فهو السميع الذي يسمع كل شيء والبصير الذي يرى كل شيء، وليكون على ثقة أنهم لن يصلوا إلى ما يرمون إليه، من تعطيل آيات الله ودحضها"(1).
إن القارئ العادي لا يمكن أن يفهم التحليل اللفظي لهذه الآية، وبخاصة قول الله:{إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} . ومع أن المفسر لم يبين هذا، إلا أنه بدأ ينقل روايات تفهم مدنية الآية، وأنها نزلت في الدجال ويحيل القارئ إلى تفسير الخازن والبغوي، ويعجب من عدم إيراد الطبري لها -مع أن ذلك منه هو العجب- ويصل إلى القول بأن ظهور الدجال، ونزول المسيح عليه السلام، ربما كان منتشرًا عند النصارى في زمنه صلى الله عليه وسلم، لما كان بينهم وبين اليهود من مشادة. ويستدل على هذا الاحتمال كما يقول، بالحديث الذي ورد عن تميم الداري، وبالإصحاح الثاني من رسالة القديس يوحنا الأول من أسفار العهد القديم. مع أن الآية مكية بلا نزاع من حيث أسلوبها وسياقها.
ويقول في تفسير قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} [الأنفال: 15]: " {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} أي: لا تقلبوا ظهوركم للعدو وتفروا أمامه
…
وفي هذه الآية والتي بعدها خطاب موجه للمسلمين، شدد فيه التنبيه والإنذار بعدم الفرار من أمام العدو، حينما يتزاحفون على بعضهم للقتال، ومن يفعل ذلك بدون قصد حربي مشروع، كاستهداف
(1) التفسير الحديث، ج 5، ص 119.
أسلوب من أساليب القتال أو الانحياز إلى فئة مقاتلة أخرى من جماعته، فقد جاء بغضب من الله، واستحق النار وبئس ذلك من مصير له ولأمثاله" (1).
إن المفسر هنا، هو الذي يكثر من الكلمات المترادفة في كثير من الأحيان، نراه لا يعرض للصور البيانية في هذه الآية، مع أن فيها من التشنيع على هؤلاء الفارين ما فيها، والتي تدل بحق على الروعة القرآنية في الأوامر والنواهي، بل ليس في تفسيره الحرارة المناسبة للمواقف، التي عدّ خلو بعض التفاسير منها من المثالب.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا
…
} [النور: 43] فضلًا على أنه لم يوضح معنى الآية كما ينبغي فإنه يقول: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] أوجه تأويلات الجملة هو "ينزل من السماء بردًا قدر الجبال"، مع أن هذا القول لا يقنع به قارئ، ولا يتفق مع نظم الآية الكريمة.
وفي سورة النمل، لم يتعرض لكثير من وقائع قصة سليمان وملكة سبأ من قريب أو بعيد، معللًا ذلك بوضوحها وتداولها بين العرب، منحيًا باللائمة على المفسرين الذين تعرضوا لتفسيرها (2).
استنتاج ليس له دليل:
يرى المفسر عند تفسيره لقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)} [القلم: 35] أن هذه الآية لا تدل على تسمية أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، ولا أن الإسلام كان علمًا لهذا الدين. وإنما الذي يدل على ذلك آية الحج {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: 78] ويرجح أنها ربما كانت مكية. فيكون الإسلام عُرف لهذه الأمة في أواخر العهد المكي.
(1) التفسير الحديث، ج 8، ص 16.
(2)
التفسير الحديث، ج 3، ص 161.